كان حارس العقار يتحدث على هاتفه المحمول بتركيز شديد وهو يتحرك ذهاباً وإياباً في أحد الشوارع الهادئة بقطاع غزة. وفي مقطع فيديو صوره أحد المارة، لم يبد على جمال نسمان أي ذعر رغم أن ما كان يسمعه على الطرف الآخر في غاية الخطورة.
وأبلغ وكالة «رويترز» للأنباء في وقت لاحق أن ضابطاً إسرائيلياً كان يبلغه مسبقاً بتحذير بأن المبنى المؤلف من 13 طابقاً الذي يحرسه سيُستهدف في ضربة جوية. وتقول إسرائيل، إن نشطاء حركة «حماس» يستخدمون المبنى.
وفي ظل أعنف تصعيد في القتال بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ 2014، يمثل ما قاله نسمان خلال مكالمة يوم الثلاثاء، نظرة فاحصة توضح كيف يخوض الجانبان صراعاتهما على الأقل في بعض الأحيان.
وقال «قديش بدك وقت إنت قديش؟ أقل شي ساعتين ثلاثة يعني أروح عند البرج ومخليش حد يجي؟».
وعندئذ يميل عليه رجل ليستمع إلى الحوار الدائر. يقول نسمان (67 عاماً) وهو أب لثمانية «ماشي حاضر. الزنانة بتضرب وبعدين ضربتين... وبعدين حتضربوا البرج. أيوة خلاص ولا يهمك كله طلع من العمارة حتى العمارات اللي جنبنا واقفين على الأسفلت مفيش حد».
وأُخلي المبنى الذي كان يضم شققاً سكنية ومكاتب تابعة لحركة «حماس»، قالت إسرائيل، إنها تشمل عمليات استخباراتية وعسكرية. وأظهرت لقطات مصورة كيف ضربت صواريخ صغيرة أولاً المبنى في حي الرمال بمدينة غزة ثم دوي الانفجار وانهار المبنى. وبعد ساعات من تدميره، أكدت إسرائيل أنها وجهت تحذيراً مسبقاً للمدنيين بالمغادرة.
لكن ليس هذا ما يحدث دائماً عندما تضرب إسرائيل ما تعتبره هدفاً عسكرياً، وتقول إنها «تبذل قصارى جهدها للحفاظ على حياة المدنيين» وتتهم «حماس»، الجماعة التي تحكم غزة والتي تعتبرها منظمة إرهابية، باستخدام مناطق مدنية لشن عمليات، مثل التخطيط لهجمات أو إطلاق صواريخ على البلدات والمدن الإسرائيلية.
ويقول سكان غزة وفلسطينيون آخرون، إن الإجراءات الإسرائيلية عشوائية وتهدف إلى معاقبة المدنيين وليس الإرهابيين فحسب. ويقولون إن الغالبية العظمى من المواقع تعرضت للقصف دون سابق إنذار.
لكن الحوار الذي دار على الهاتف المحمول بين نسمان والضابط الإسرائيلي والذي سبق الضربة على برج حي الرمال أصبح سمة أكثر شيوعاً للصراع منذ التصعيد في غزة عام 2014، حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بإجراء مكالمة ويطلب من السكان إخلاء المبنى ثم يشرع في إطلاق الصواريخ الصغيرة كتحذير أخير قبل ضربة كبرى تحيله إلى ركام.
* صواريخ تحذيرية
قال مسؤول إسرائيلي، طلب عدم كشف هويته، وكالة لـ«رويترز» للأنباء «نختار رؤوساً حربية تملك القوة المميتة الضرورية لقصف من يتعين قصفهم»، مضيفاً أن الضربات يسبقها استخبارات دقيقة.
وأضاف «الصواريخ التحذيرية تستخدم أيضاً ضمن تنبيهاتنا للسكان بالخروج مسبقاً»، مشيراً إلى أن «حماس» تحول المباني إلى أهداف مشروعة.
وكشفت مقاطع صورها سكان باستخدام هواتف ذكية أو سجلها الجيش الإسرائيلي أو وسائل إعلام منها «رويترز»، أن بعض الانفجارات تكون محكومة داخل شقة واحدة أو تؤدي لهدم برج بينما تظل المباني المجاورة سليمة.
لكن في حالات أخرى تظهر مقاطع يبثها التلفزيون مباني سكنية أو منازل في غزة تهدمها أو تدمرها انفجارات، سواء نتيجة قصف مباشر أو الضرر الناتج من القصف، فضلاً عن سقوط قتلى ومصابين يجري نقلهم.
وكتب كينيث رود، المدير التنفيذي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، على «تويتر»، «حتى بافتراض، كما تزعم الحكومة الإسرائيلية، أن البرج السكني المؤلف من 13 طابقاً في غزة يضم مكتباً تستخدمه القيادة السياسية لـ(حماس)، كيف يكون متناسباً أن تدمر ضربة جوية إسرائيلية المبنى بأكمله؟».
ووصف جيورا أيلاند، الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي ومستشار الأمن القومي المباني المرتفعة المستهدفة في غزة بأنها أصول مهمة لـ«حماس»، قائلاً إن استهدافها «قانوني بالتأكيد بل وإلزامي لبلد يريد إنهاء حرب».
وقالت شيمريت مائير، المعلقة الإسرائيلية على الشؤون العربية، إن بعض المباني السكنية التي تدير «حماس» عملياتها منها هي أيضاً مساكن لفلسطينيين أثرياء، وعندما يجري تدميرها فإن هذا يزيد الضغط على «حماس».
وأضافت «هذا يشكل ضغطاً من المستحيل تقريباً أن تستطيع (حماس) مواجهته»، مشيرة إلى المبنى السكني في حي الرمال كمثال.
وداخل إسرائيل قصفت صواريخ أصغر انطلقت من غزة نطاقاً يضم مواقع مدنية، وإن كانت منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ أسقطت الكثير منها.
وقال مسؤولون طبيون فلسطينيون، إن 119 على الأقل قتلوا في غزة، بينهم 31 طفلاً و19 امرأة، وأصيب 830 آخرون في الأعمال القتالية الحالية.
وقالت السلطات الإسرائيلية، إن عدد القتلى في إسرائيل بلغ ثمانية وهم جندي كان يقوم بدورية على حدود غزة وستة مدنيين إسرائيليين بينهم امرأة مسنّة سقطت في طريقها إلى ملجأ اليوم الجمعة وطفلان وعامل هندي.
وصباح الأربعاء قالت نوال خضر، إن إسرائيل قصفت شقتين في الطابق الأرضي بمبنى سكني في وسط غزة تقيم هي في الطابق الحادي عشر منه.
وأضافت نوال (53 عاماً) «ما حدا تسلم أي تحذير لو تحذرنا كان طلعنا من البرج»، وذكرت أن والدة زوجها تعالج في المستشفى بعد استنشاق دخان ناتج من الانفجار.
وتابعت «في لحظة بتكون آمن في البيت وبعد لحظة بتصير تجري مشان حياتك، هيك إسرائيل بدها غزة تكون».