Saboteur
(1942) ****
المتهم البريء والمذنب الساقط
وفاة الممثل نورمان لويد قبل ثلاثة أيام عن عمر مديد (106 سنوات) يعيدنا إلى واحد من أفضل ما مثّله على الشاشة (ظهر في 22 فيلماً فقط) وهو فيلم ألفرد هيتشكوك الرائع «مخرّب». لويد لعب دور الشرير الذي في العنوان ببرودة قاتلة لا تخونه، عمداً، إلا في مشهد النهاية التي يتعلّق بها من فوق «تمثال الحرية» محاولاً البقاء على قيد الحياة. مثل مطلع فيلمي هيتشكوك «فرتيغو» (1958) ونهاية «شمال شمالي غرب» (North By Northwest سنة 1959 التعلّق بحافة خطرة تطل على هارية عالية هي من بين تفعيلات سيد التشويق الأول. كذلك رغبته في تقديم بطل متّهم بجريمة ما، لكنه بريء منها ويلاحق المجرم الفعلي حتى النهاية كما في «الدرجات الـ39» (1935) و«مراسل أجنبي» (1940) و«فرنزي» (1972).
هنا يوجد هذا المتهم البريء المتمثّل بعامل بسيط في إحدى المطارات العسكرية اسمه باري (روبرت كمنغز) الذي يجد نفسه متّهماً بإشعال النار في أحد العنابر عندما أعطى زميلاً له عبوّة إطفاء النار كان تم استبدال رغوتها بالبنزين، مما أدّى إلى مقتل الزميل وتغذية النيران وخروجها عن التحكم بها. لكن باري لم يكن يعلم وينطلق في البحث عن الفاعل الحقيقي الذي اسمه فراي (نورمان لويد) وفي أعقابه رجال البوليس. يقوده بحثه إلى مزرعة تقع خارج مدينة لوس أنجليس غير مدرك أنها ملك شخص جيّر نفسه عميلاً أجنبياً وهو من أمر فراي بارتكاب الحادثة. البوليس يلقي القبض على باري لكن هذا يهرب مجدداً ويوالي البحث والمطاردة إلى أن يجد فراي نفسه سجين أعلى ركن في تمثال الحرية. يخرج إلى شرفة التمثال متراجعاً أمام باري، لكنه يسقط ويتمسّك بحافة التمثال. يحاول باري إنقاذ حياته بسحبه من كم سترته لكن فجأة (وبلقطات قريبة تزيد من جرعة التشويق) يتمزق أعلى الكُم وتنسل ذراع فراي منها فيسقط من علٍ وهو يصرخ في رحاب الفضاء.
واحد من أفضل نهايات هيتشكوك والسينما، وما زال مثيراً ليس فقط من حيث سرده روائياً، بل كتابة وتنفيذاً وتوليفاً. نورمان لويد يسرق كل مشهد يظهر فيه وهذه السرقة تستمر حتى الثانية الأخيرة من حياة شخصيّته.
«مخرّب» هو أكثر من قصّة تشويقية بكثير. على الشاشة هو تشخيص لحالة رجل من الطبقة العاملة التي عليها أن تنجو بنفسها من تهمة جاهزة. أينما اتجه باري طلباً للمساعدة، يواجه صدّاً من قِبل القادرين على الدفاع عنه وهم من طبقة أعلى لديها مصالح تريد أن تحميها وليست في وارد الدفاع عمّن تراه مذنباً.
خلف الشاشة هو قصّة صراع آخر بين هيتشكوك والمنتج ديفيد أو. زلزنك. الأول مخرج يريد تثبيت بصمته الفنية ومنح قدراته ما تستحقه من مجال غير مشروط، والثاني منتج لا يعتبر هيتشكوك أكثر من بيدق على طاولة الشطرنج. لم يكن أو. زلزنك متحمّساً للفيلم، فباع المشروع لسواه مستغلاً اسم هيتشكوك (وجانياً مالاً وفيراً كونه مالك حقوق العمل). لكن انتقال المشروع ليد أخرى منح هيتشكوك حرية أفضل ووفّر لنا فيلماً لا يُنسى.