«غولدن غلوبز» تدخل صراع البقاء

سخر منها دونالد ترمب فردت هوليوود عليه قبل أن تنقلب عليها

بداية ونهاية؟
بداية ونهاية؟
TT

«غولدن غلوبز» تدخل صراع البقاء

بداية ونهاية؟
بداية ونهاية؟

هل يمكن لهوليوود (ناهيك عن العالم) العيش بلا جوائز غولدن غلوبز؟
للأسف، نعم. والعيش من دون هذه الجوائز التي يعود تاريخها إلى أكثر من 70 سنة هو بالتحديد ما يتم التحضير له على إيقاع سريع كما لو أن هوليوود اكتشفت أن أعضاء «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» (التي تشرف على جوائز غولدن غلوبز السنوية) الذين لا يتجاوزون التسعين عدداً هم شبكة مخرّبين أو جواسيس مأجورين أو ناقلي عدوى. القرارات صدرت تباعاً بإيقاف التعامل مع الجمعية. لا دعوات ولا حفلات ولا مقابلات صحافية ولا بث تلفزيوني للجوائز على الـNBC كالعادة.
سهام فتّاكة
بدأ كل شيء بتاريخ 21 فبراير (شباط) هذا العام عندما نشرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» تحقيقاً ذكرت فيه أن الجمعية لا تحتوي على عضو أسود البشرة واحد بين أعضائها الـ87. بذلك اعتبرها عنصرية لا تكترث لحق الأقليات.
في التحقيق ذاته، تم رصد الفوائد التي تجنيها الجمعية من الحفلات التي تُقام بها والمؤتمرات الصحافية التي تُعرض عليها حتى قبل العديد من صحف وقنوات الإعلام الأميركية وكيف أن الشركات توزّع على الأعضاء هدايا قيّمة خلال كل مؤتمر وخصوصاً في مواسم الجوائز ما بين الشهر العاشر من العام وحتى نهايته طمعاً في الفوز بتصويت الأعضاء على أفلام تلك الشركات.
بعد ذلك تداعت الهيئات التي اتخذت من ذلك التقرير سنداً وأخذت توجه سهاماً فتّاكة إلى الجمعية. من بينها جمعية «انتهى الوقت» (Time‪’‬s Up) التي أدانت بكلمات لا تخفي عداءها غياب ذوي البشرة السمراء والسوداء من بين صفوف النقاد والصحافيين الذين يؤلّفون هذه الجمعية.
خلال 24 ساعة ارتفعت أصوات 104 مؤسسات إعلام صحافية (عادة ما تسند إليها شركات الأفلام دور الوسيط الإعلامي المشرف على ترويج الفيلم بين الصحافة والأفلام الجديدة) لتنذر بأنها تتوقف عن التعامل مع الجمعية المذكورة حتى يتبيّن لها مصداقيتها في التعامل مع الانتقادات الموجهة لها بما فيها خلوّها من رقابة مستقلة على نشاطاتها الإدارية وكيف يتسنى لها توزيع مكافآت ورواتب خيالية. تبع هذا قبل أيام قيام سكارلت جوهانسن والممثل مارك روفالو (كلاهما رابح جوائز غولدن غلوبز) بإعلان قرارهما بالتوقف عن التعامل مع الجمعية، وأول من أمس قام الممثل توم كروز بإعادة ثلاث جوائز كان حصل عليها من الجمعية (ما بين 1990 و2002) على أساس رفض مبدأ عدم المساواة الذي قرأ عنه.
شركات الأفلام المختلفة لم تتأخر بدورها. وورنر انبرت أولاً ثم نتفلكس ثم أمازون. باقي الشركات تدرس الوضع على نحو مستقل أو على نار هادئة لكن إعلان محطة NBC الانسحاب من بث الحفل السنوي ما نتج عنه إصدار الجمعية قراراً بإلغاء الحفل المقبل في عام 2022 - كضربة قاصمة فوق كل الضربات الأخرى.
تجربة شخصية
انضم هذا الناقد إلى الجمعية سنة 2000. كان يفكّر في كيف ينتمي إليها عندما جاءه هاتف من عضو أميركي (أبيض) اسمه جاك تيوكسبري يسأله إذا ما كان يُمانع في الانضمام إلى The Hollywood Foreign Press Association.
الجواب كان سريعاً وحاسماً: طبعاً أوافق...أدرج اسمي على قائمة من ثلاثة أسماء في محاولته لرفع عدد أعضاء الجمعية، في ذلك الحين، إلى 82 عضواً. عرّفني على صحافيين (بريطانية وكندي) اللذين سيقومان بترشيحي وبعد أسابيع قليلة فزت بالعضوية.
لم يكن فوزاً كاسحاً، فأنا عربي واسمي محمد والتنميط الناتج عن الجهل أو ذلك المتعمّد كان حاضراً، لكن بفضل مصريين - أميركيين وعدد لا بأس به من الأعضاء غير المنحازين (غالباً بريطانيين، آيرلنديين، أميركيين) نلت العضوية. قيل لي بعد ذلك إن صحافياً إيطالياً يهودياً اسمه لورنزو سوريا (Soria) هو الذي رجّح الكفّة بتصويته لصالحي في مواجهة أصوات يهودية وأخرى منحازة لها أرادت رفض طلبي.
رئيس الجمعية آنذاك، فيليب بيرك، قال: «لا أرتاب في أن تكون لديه علاقات مع جماعات إرهابية».
إحدى الأعضاء وقفت قبل التصويت على المنبر وقالت: «لقد تحرّيت عن محمد رُضا بين شركات الأفلام. لم يسمع به أحد» (كان ذلك كذبة كبرى كوني كنت على صلات وثيقة بهذه الشركات منذ سنوات عديدة قبل انضمامي وما زالت هذه الصلات وثيقة مع وبدون الجمعية).
لكن لا شيء من كل ذلك أدّى إلى إغضابي لعلمي بكل تلك الظروف السياسية والإعلامية كما بالحوافز العاطفية التي تسكن بعض الناس. على العكس سريعاً ما برهنت على أنني لا أقل جديّة ومعرفة من معظم الأعضاء. بعد أقل من عام كان معظم من صوّت ضدي صديقاً لي.
البحث عن صحافي أسود
لكن هذا لا يعني أن الجمعية لم يكن لديها مشاكل منذ ذلك الحين، وبل من قبل.
في مطلع سنة 1943 تنادى عدد ضئيل من الصحافيين الأجانب العاملين داخل هوليوود إلى تشكيل جمعية تنظّم علاقة هؤلاء بشركات السينما في هوليوود وتسهّل سبل العمل كحلقة اتصال بين هوليوود والعالم. تم تأسيس هذه الجمعية بالفعل وبعد عام واحد، وتعزيزاً لهذا الدور، قامت بإطلاق جوائز «غولدن غلوبز» السنوية.
مع مرور السنوات كبرت الجمعية وقوي بنيانها وتأثيرها خصوصاً مع ارتفاع حاجة هوليوود لتطويع العروض العالمية ولاحقاً مع تحقيق قفزة كبيرة في إيرادات الفيلم الأميركي في آسيا وأوروبا. خلال هذه السنوات وقعت الجمعية في مشاكل من نوع منح الجوائز، في بعض سنوات الثمانينات، إلى ممثلين يستحقون جوائز لأسوأ ظهور. أدركت الجمعية بعد ذلك أن عليها أن تكون أكثر جدية إذا ما أرادت الاستمرار وحرصت على لعب دور أساسي في المشهد الهوليوودي والعالمي.
بعض عامين من انضمامي وجدت الصحافي جاك تيوكسبري يبحث مرّة أخرى عن أعضاء جدد وبالتحديد عن أعضاء ذوي بشرة سوداء. اتصل ولم يجد. ثم داوم البحث ووجد من لم يكترث لأن يكون. فالواقع هنا هو أن الدول الأفريقية في عمومها لا تكترث لإرسال مندوبين دائمين أو التعاقد مع صحافيين سود في هوليوود. تعتمد على المتاح من الأخبار والعروض المحلية. وحتى عندما تقرر تعيين مراسلين من هوليوود فإنها ستختار أميركيين ذوي بشرة بيضاء على أساس من أن من يتصدّى لهذه المهمّة لا بد أن يكون من النسبة الغالبة من أهل البلاد.و الاتهامات التي سيقت فجأة من قبل الجهات التي تطوّعت للنقد والتهديد أو تنفيذ القرارات ليست كلها صحيحة. نعم هناك مبالغ طائلة تُدفع لبعض الإداريين لكن هذا ليس عيباً ولا خروجاً عن قانون الضرائب الذي يسمح لجمعية غير ربحية (مثل هذه الجمعية) دفع رواتب لمن يديرها أو يشرف على إدارات تابعة لها.
ونعم حدث وأن تم منع صحافيين من دخول الجمعية رغم صلاحيتهم لأن من صوّت ضدّهم خشي أن يخسر مكانته أمام صحافي آخر يمثّل البلد ذاته. هذا راجع لأن كل عضو عليه أن يمثّل صحافة أجنبية في بلد أو عدة بلدان. وفي أحيان كثيرة هو يمثل مجلة أو جريدة ليس من مصلحتها أن تخوض ضدها مجلة أو جريدة أخرى منافسة حاسمة إذا ما تسللت إلى الجمعية بفضل صحافي جديد.
لكن هذه أمور داخلية لا علاقة لها بتلك الشركات.
أكثر من ذلك، هناك آسيويون كثيرون، بينهم الرئيسة السابقة ميهر تاتنا (من الهند) وبينهم الرئيس الحالي علي شار (تركي) لجانب كوريين ويابانيين وصينيين. وهناك لاتينيون كُثر (من الأرجنتين والبرازيل وشيلي) ومجموعة من أصول عربية (مصر وفلسطين ولبنان) عدا الآتين من مختلف دول أوروبا ونيوزيلاند وأستراليا وهناك مسلمون ومسيحيون ويهود.
علاوة على ذلك فإن عدد الأعضاء من الإناث يكاد يكون متساوياً مع عدد الأعضاء من الذكور. وهناك مثليون أيضاً بينهم الرئيس السابق فيليب بيرك وبعض الأعضاء الحاليين أيضاً.
كل هذا لم يتطرق له المنتقدون مطلقاً. تحدثت سكارلت جوهانسن عن عدم تفاوت جنسي بين الذكور والإناث وعن نظرة علوية واجهتها في بعض مقابلاتها الصحافية، لكن هذا ليس صحيحاً وإن حدث الاستثناء فإنه يبقى استثناء ولا يوجد محفل في العالم من دونه. أما عن خلو الجمعية من عنصر أسود فهو ليس سياسة متّبعة. لم يحدث أن أعلن صحافي أفرو - أميركي أو أفريقي بأن طلبه للانضمام تم رفضه.
كل هذا، وسواه من المواقف يدفع المرء، ومن دون انحياز، لمحاولة البحث عن أسباب ودوافع لما يدور.
جوانب مضيئة
كل النقد الذي يواجه الجمعية الآن ليس من صنع حدث أو مواقف آنية.
لم تهتم هوليوود مطلقاً لخلو الجمعية من مراسل أسود البشرة ولم تتساءل لماذا ليس هناك مراسل من الإمارات مثلاً أو من لوكسمبورغ أو من فيتنام. لم تكترث شركات هوليوود لخلو الجمعية من إدارة مستقلة ترقب شؤونها الداخلية. لم تعترض على بذخ هنا أو هناك.
على العكس، هي من تنافست فيما بينها على الفوز بجوائز الجمعية كل سنة. وهي التي فرشت دروب الجمعية بنجوم السينما والتلفزيون وهي من ترسل إلى الأعضاء بالدعوات لحضور العروض الخاصة وهي التي تمنح (خصوصاً قبل 2001 لسبب مجهول) هدايا قيّمة موضوعة في أكياس تُسلّم حين الانتهاء من حديث صحافي أو من حضور عرض ما.
لقد حدث وأن رفضت الجمعية هدايا. خلال إطلاق فيلم «حاسة أساسية 2» قامت بطلة الفيلم، شارون ستون، بشراء 80 ساعة رولكس ثمينة ووزعتها على الأعضاء بغية ربح أصواتهم لجوائز الغولدن غلوبز بقرار من ذلك الصحافي الإيطالي سوريا الذي أصبح رئيساً في ذلك الحين (وتعددت رئاسته بانتخابات دائماً عادلة وخالية من الغش حتى وفاته قبل عامين). نص القرار على أن يعيد كل عضو من الجمعية الساعة التي تسلمها على الفور فاستجاب الجميع (باستثناء عضو من رومانيا ادّعى أنه أضاعها لكنه أُجبر لاحقاً على إعادتها). وكانت مقالة «ذا لوس أنجليس تايمز» انتقدت قبول أعضاء الجمعية لرحلات إلى أماكن تصوير الإنتاجات الكبيرة في أوروبا وبقاع أخرى من العالم. لكن هل هي من تُلام على ذلك أم شركات الأفلام؟
ما هو واضح، إذن أن الجوانب المضيئة للجمعية (بما فيها تبرعها طوال 25 سنة بـ45 مليون دولار لترميم الأفلام ولجامعات وكليات الفنون ولمدارس التمثيل وللهيئات الاجتماعية التي تعني بشؤون المعاقين وغير ذلك كثير) تم التعتيم عنها كما لو أن بعض هوليوود اكتشف أن الوقت حان للتخلص من جمعية سخر منها دونالد ترمب فانبرت هوليوود للرد عليه حينها.
الحاصل في الواقع هو مثل غرق تايتانك ومحاولة البعض إنقاذ أنفسهم باعتلاء قوارب الإنقاذ المتاحة قبل امتلائها. هناك حركات تصحيحية عديدة سادت في العامين الأخيرين استجابت لها هوليوود سريعاً. فجأة صار هناك حضور نسائي أكبر من ذي قبل في المحافل ومناسبات توزيع الجوائز. فجأة بات الجميع يتحدث عن التآخي بين عناصر المجتمع الأميركي (وهذا حق بالطبع) ثم فجأة بات إلزامياً أن توظف شركات الإنتاج عدداً شبه مساوٍ من الآسيويين واللاتينيين والسود. وبدأنا نلحظ ذلك مع ما ورد من أفلام في العام الماضي وازداد وضوحه هذا العام.
في المبدأ هي نيات سليمة لكن هي للزينة أكثر منها للإنصاف والعدالة وأقل من ذلك لأسباب الفن ودواعيه.
من يحتل الفرصة السانحة؟
السؤال مجدداً: هل يُمكن لهوليوود أن تعيش بلا غولدن غلوبز؟
كما أشرنا أعلاه، نعم. فجأة سيحل مطلع العام المقبل من دون «غولدن غلوبز» (وربما من دون الجمعية أيضاً) وهناك في الواقع مؤسسات عديدة ستقفز على الفرصة المتاحة لكي تحتل المرتبة الثانية بعد الأوسكار في الأهمية.
الواقع أن هوليوود فيها من المناسبات السنوية ذات الجوائز أكثر مما هناك من أفلام وصانعي أفلام يستحقون الجوائز. سنجد من بين المتنافسين على احتلال المنصّة الخالية جمعية «كريتيكس تشويس أووردز» وجمعية National Board of Review لجانب مؤسسات مهنية مثل جمعية الممثلين وجمعية الكتاب وجمعية المنتجين. بذلك هي مسألة حاجة البعض للنجاح أكثر مما هي ضرورة هوليوودية أو فنية.
ما سيحدث في الجانب المدّعى عليه بدأ بالفعل: اجتماعات كثيفة لإصلاح ما يمكن إصلاحه والدفاع عن المؤسسة عبر تحديث آليات وإدارات بعدما وضعت خطّة عمل ووزّعتها على المنصّات الإعلامية تتضمن «روزنامة» بهذا الخصوص.
ما سيحدث مباشرة أيضاً قيام NBC بإعفاء نفسها من التزام دفع مبلغ هائل من المال سنوياً مقابل بث حفلة غولدن غلوبز (نحو 60 مليون دولار). هذا المبلغ كان عماد التبرعات التي قامت بها الجمعية وسداد تكاليف النشاطات التي تقوم بها.
إذا ما ساءت الأمور أكثر وغرقت المركبة، فإن العديد من صحافيي الجمعية سيجدون أنفسهم، وفي هذه الظروف الصعبة، بلا عمل.



«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
TT

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

استقبل مسرح «الطليعة» في مصر أحد العروض الشهيرة للكاتب الآيرلندي الراحل صمويل بيكيت (1906- 1989)، «لعبة النهاية»، الذي رغم احتفاظه بالروح الأصلية للعمل الشهير المنسوب إلى مسرح العبث، فقد شكَّل إضاءة على مشاعر الاغتراب في الواقع المعاصر. وهو عرضٌ اختتم مشاركته في مهرجان «أيام قرطاج المسرحي» ليُتاح للجمهور المصري في المسرح الكائن بمنطقة «العتبة» وسط القاهرة حتى بداية الأسبوع المقبل.

على مدار 50 دقيقة، يحضر الأبطال الـ4 على المسرح الذي يُوحي بأنه غُرفة منسيّة وموحشة، فيتوسّط البطل «هام» (محمود زكي) الخشبة جالساً على كرسيّه المتحرّك بعينين منطفئتين، في حين يساعده خادمه «كلوف» ويُمعن في طاعته والإصغاء إلى طلباته وتساؤلاته الغريبة التي يغلُب عليها الطابع الساخر والعبثيّ المُتكرّر عبر سنوات بين هذا السيّد والخادم.

يَظهر والد «هام» ووالدته داخل براميل قديمة وصدئة، ويجلسان طوال العرض بداخلها، ولا يخرجان إلا عندما يستدعيهما الابن الذي صار عجوزاً، فيسألهما أسئلة عبثية لا تخلو من تفاصيل عجيبة، ويخاطبهما كأنهما طفلين يُغريهما بالحلوى، في حين يبادلانه أحاديث تمتزج بالذكريات والجنون، ليبدو كأنهما خارج العالم المادي؛ محض أرواح مُحتضرة تُشارك «هام» هلوساته داخل تلك الغرفة.

الأب يؤدي دوره من داخل أحد البراميل (مسرح الطليعة)

في المعالجة التي يقدّمها العرض، يحتفظ المخرج المصري السيد قابيل بأسماء الأبطال الأجنبية التي كتبها صمويل بيكيت من دون منحها أسماء محلّية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قدَّم المسرح المصري هذه المسرحية قبل 60 عاماً تقريباً في عرض للفنان الكبير الراحل سعد أردش، لكنه كان باللغة العربية الفصحى. اليوم، عالجتُ النص وأقدّمه بالعامية المصرية. احتفظت بالأسماء الأصلية للأبطال وهوياتهم، وكذلك بروح العمل وتفاصيل الحوار فيه، خصوصاً أنّ لهذا العرض الذي ينتمي إلى مسرح العبث فلسفته التي تمسّكتُ بها ضمن قالب جديد».

يؤدّي دور الخادم «كلوف» الفنان المصري محمد صلاح الذي اعتمد جزءٌ كبير من أدائه على الإفراط بحركات سير متعرّجة في محاولاته المُتسارعة لتلبية طلبات سيّده الأعمى، إذ يبدو كأنه في مَهمّات لا نهائية، منها ترتيب البيت الخالي بشكل فانتازي. بالإضافة إلى تردّده الدائم على نافذة الغرفة التي يظّل سيّده يطلب منه وصف ما يدور خارجها، فيصف له الضوء والبحر اللذين لا يدرك إذا كانا موجودَيْن بالفعل أم محض خيال.

على مدار العرض، يظلُّ الخادم يسأل: «لماذا أطيعك في كل شيء؟»، و«متى جئتُ إلى هذا البيت لخدمتك؟»، فيكتشف أنه قضى عمره داخل جدرانه المخيفة، فيقرّر في خطوة خلاص مغادرة خدمة سيّده، فتكون لحظة فتحه باب البيت هي عينها لحظة نهاية اللعبة، حتى وإنْ ظلّ واقفاً أمامه، متوجّساً من الخروج إلى العالم الحقيقي ومواجهة المجهول. لحظة تحدّيه سيطرة سيّده «هام» سرعان ما تبدو كأنها لا تختلف عن «الفراغ» الذي أمامه، بما يعكس فلسفة صمويل بيكيت عن سخرية الحياة، حيث لا يبدو الهروب من عبثها ممكناً أبداً.

الأب والأم في أحد مَشاهد المسرحية (مسرح الطليعة)

يشير مخرج العرض السيد قابيل إلى أنّ «للقضية التي تطرحها المسرحية صيغة إنسانية عابرة للمكان والزمان، وتصلُح لتقديمها في أي وقت؛ وإنْ كُتب النصّ الأصلي لبيكيت في الخمسينات. فكثير من نصوص شكسبير، والنصوص اليونانية القديمة العائدة إلى ما قبل الميلاد، لا تزال قابلة لإعادة تقديمها، وصالحة لطرح أسئلة على جمهور اليوم. وفي هذا العرض أدخلنا بعض الإضافات على الإضاءة والموسيقى للتعبير بصورة أكبر عن دراما الأبطال، ومساعدة المتلقّي على مزيد من التفاعُل».

الفنان محمود زكي في مشهد من العرض (مسرح الطليعة)

وعكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية والتكرار العدميّ والخضوع التام. فإذا كان السيّد الأعمى والمشلول يعتمد على خادمه في مواصلة لعبة عبثية يتسلّى بها في عزلته، فإنّ الخادم يظلُّ غير قادر على تصوُّر الحياة بعيداً عن قواعد تلك «اللعبة».