كشف باحثون في الجينوم البشري مجموعة جديدة من المعايير الموجهة للإبلاغ عن مخاطر إصابة شخص ما بمرض معين، بناءً على ملفه الشخصي الجيني.
وهذا الملف هو رقم خاص «بدرجات المخاطر متعددة الجينات» Polygenic risk (PRSs) scores، يحاول تحديد مساهمة المتغيرات الجينية المتعددة في احتمالية إصابة شخص ما بأمراض مثل سرطان الثدي أو أمراض القلب التاجية. وبشكل عام، سيكون لطفرة جينية واحدة تأثير ضئيل على المخاطر، لكن تراكم الطفرات يمكن أن يعزز احتمالات زيادة مخاطر الأمراض.
فهرسة الجينات والأمراض
وتهدف المعايير الجديدة إلى تقنين الطريقة التي يبلغ بها الباحثون عن عملهم، بحيث يكون هذا العمل مفهوماً وقابلاً للاستخدام من قبل الآخرين. ويقود تلك الجهود متطوعون خبراء لفهرسة الارتباط بين التباين الجيني وخطر الإصابة بالأمراض. وقد تم نشر المعايير الجديدة في مجلة «نتشر» (Nature) في 10 مارس (آذار) 2021، أما الهدف المنشود من ذلك فهو دمج هذه المعرفة في كيفية رعاية الأطباء لمرضاهم.
من المعروف أن المسودة الأولى للجينوم البشري نشرت منذ 20 عاماً بالتحديد في عام 2001، واستغرقت ما يقرب من ثلاث سنوات. وقد سمح مشروع الجينوم البشري للعلماء بقراءة 3 مليارات زوج من قواعد الحامض النووي، أو ما يعرف بـ«الحروف» (letters) التي تحدد هوية الإنسان من الناحية البيولوجية. ويقول كزافييه بوفيل دي روس الباحث في مختبر بيولوجيا الحامض النووي الريبي في المعهد القومي للسرطان في الولايات المتحدة في بحثه المنشور بـ«The Conversation» في 15 أبريل (نيسان) 2021، إن العلماء يطمحون إلى إنشاء صفحة «ويب» يمكن من خلالها لأي شخص التنقل في الجينوم البشري بأكمله بالطريقة نفسها والسهولة التي تستخدم بها خرائط «غوغل» (Google).
وتم إنشاء أول جينوم كامل من حفنة من المتبرعين المجهولين لمحاولة إنتاج جينوم مرجعي يمثل أكثر من فرد واحد، لكن ذلك لم يكن يشمل التنوع الواسع للسكان في العالم، إذ لا يوجد شخصان متماثلان ولا يوجد جينومان متماثلان أيضاً. وإذا أراد الباحثون فهم البشرية بكل تنوعها فسوف يتطلب الأمر رصد تسلسل آلاف أو ملايين من الجينومات الكاملة.
فهم التنوع الجيني
إن التنوع الجيني بين الناس هو ما يجعل كل شخص فريداً، لكن التغيرات الجينية تسبب أيضاً كثيراً من الاضطرابات وتجعل بعض مجموعات الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بأمراض معينة عن غيرهم. كما يختلف تسلسل الجينوم اختلافاً كبيراً عن خدمات التنميط الجيني التي تقدمها شركات مثل 23 and Me أو Ancestry، وهي شركات أميركية خاصة للجينومات والتكنولوجيا الحيوية تقوم بتقديم خدمة الاختبار الجيني المباشر للشخص من عينة من اللعاب يتم تحليلها مختبرياً باستخدام التنميط الجيني لتعدد أشكال النوكليوتيدات الفردي. ولذلك فهي تنظر فقط إلى جزء ضئيل من المواقع في جينوم الشخص.
وحالياً تبذل مؤسسات جديدة مثل اتحاد «تجميع الجينوم» (Genome Aggregation Consortia) جهوداً كبيرة لجمع هذه البيانات المتفرقة وتنظيمها. وحتى الآن، تمكنت تلك المجموعة من جمع ما يقرب من 150 ألف جينوم التي تُظهر قدراً لا يُصدق من التنوع الجيني البشري.
وضمن هذه المجموعة وجد الباحثون أكثر من 241 مليون اختلاف في جينومات الأشخاص بمتوسط متغير واحد لكل ثمانية أزواج أساسية، وأن معظم هذه الاختلافات نادرة جداً ولن يكون لها أي تأثير على الشخص.
ومع ذلك، هناك متغيرات مخفية لها عواقب فسيولوجية وطبية مهمة. وعلى سبيل المثال، تهيئ بعض المتغيرات في جين BRCA1 بعض مجموعات النساء مثل نساء اليهود الأشكيناز (Ashkenazi Jews)، للإصابة بسرطاني المبيض والثدي، وتؤدي المتغيرات الأخرى في الجين نفسه إلى تعرض بعض النساء النيجيريات لوفيات أعلى من المعتاد بسبب سرطان الثدي.
حقبة جديدة في الطب
يمكن أن يفيد هذا الجهد العلماء في مجموعة واسعة من المجالات. على سبيل المثال، يمكن لعالم الأعصاب البحث عن الاختلافات الجينية المرتبطة بالاكتئاب وعلاقتها بمستوى ممارسة التدريبات الرياضية. كما يمكن لطبيب الأورام البحث عن المتغيرات التي ترتبط بانخفاض خطر الإصابة بسرطان الجلد أثناء استكشاف تأثير الخلفية العرقية له، حيث سيوفر مليون جينوم ومعلومات الصحة ونمط الحياة المصاحبة ثروة غير عادية من البيانات التي من شأنها أن تسمح للباحثين باكتشاف آثار التباين الجيني على الأمراض ليس فقط للأفراد، ولكن أيضاً داخل مجموعات مختلفة من الناس.
تقول جينيفيف وجيك عالمة الأوبئة الجينية في كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة في الولايات المتحدة والمشاركة في الورقة البحثية المنشورة في مجلة «نتشر» المذكورة أعلاه، إن قاعدة درجات المخاطر متعددة الجينات عبارة عن دراسات ارتباط على مستوى الجينوم التي تهدف إلى إقامة روابط بين المتغيرات الجينية وكثير من السمات البشرية من السلوك إلى المرض بين السكان المدروسين. ويتطلب هذا عينات على مستوى السكان.
وحتى الآن، تم إجراء مثل هذا العمل بشكل عام بين الأشخاص الذين لديهم جذور في أوروبا فقط ولا تُعد درجة المخاطر متعددة الجينات تنبؤاً قوياً لخطر إصابة الشخص بالمرض كما تقول، لكن عالمة الأوبئة سوزان نويهاوزن من مركز مدينة الأمل للسرطان في جنوب كاليفورنيا التي لم تشارك في الدراسة تقول إنها عنصر آخر في ملف تعريف المخاطر الذي يمكن أن يشمل أيضاً تاريخ العائلة والتعرض البيئي للسموم أو عوامل مثل السكر في الدم أو مستوى الكوليسترول بالنظر إلى هذه المحاذير. وتضيف نويهاوزن التي تدرس المحددات الجينية لسرطان الثدي لدى النساء اللاتينيات إنها تعتقد أن درجات المخاطر متعددة الجينات يمكن أن تكون مفيدة وأن المعايير الجديدة مفيدة لتعزيز فهم المجتمعات العلمية والطبية لما تعنيه درجة المخاطر متعددة الجينات.
ويؤكد كزافييه بوفيل دي روس أنه من شبه المؤكد أن مجموعة بيانات ضخمة من الاختلافات الجينية ستكشف عن أدلة حول الأمراض المعقدة بفضل الدراسات السكانية واسعة النطاق ومشاريع البيانات الضخمة مثل مشروع «All of Us» الذي يتضمن جميع أجزاء الجينوم المشفرة وغير المشفرة، ما يمهد للباحثين الطريق للإجابة في العقد المقبل عن كيفية تشكيل الجينات الفردية على صحة الإنسان.
جين مسؤول عن مرض ألزهايمر
> وفي تطور آخر، تم تحديد الجين الذي يمكن أن يساعد في منع أو تأخير ظهور مرض ألزهايمر، إذ تشير نتائج الدراسة التي أجراها معهد أبحاث الجينومات الانتقالية (TGen) Translational Genomics Research Institute ونشرت في مجلة «Biology Open» في 13 أبريل (نيسان) 2021، إلى أن زيادة التعبير عن الجين (وهي العملية التي يتم من خلالها استخدام المعلومات من الجين في تخليق منتجات نهائية مثل البروتين أو الحامض النووي الريبي غير المشفر) المعروف باسم ABCC1 لا يمكن أن يقلل فقط من ترسب اللويحات الصلبة في الدماغ التي تؤدي إلى مرض ألزهايمر، ولكنه قد يمنع أو يؤخر تطور المرض.
وقال الدكتور تود ليفين طبيب الأعصاب وعضو هيئة التدريس المساعد في المعهد الذي راجع الدراسة ولم يشارك فيها، إنه يعتقد أن التركيز على الجين ABCC1 هو وسيلة جديدة مهمة لأبحاث مرض ألزهايمر. وقد قدم مؤلفو هذه الدراسة حالة مقنعة لإجراء مزيد من التحقيق في هذا الجين كهدف محتمل للعلاجات الجديدة ضد هذا المرض المدمر الذي يحتاج إلى علاجات أفضل بشكل عاجل.