الأسر اللبنانية الأكثر فقراً تنتظر المساعدة

أموال قرض البنك الدولي «مؤجّلة»

انهيار قيمة الليرة أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للبنانيين (رويترز)
انهيار قيمة الليرة أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للبنانيين (رويترز)
TT

الأسر اللبنانية الأكثر فقراً تنتظر المساعدة

انهيار قيمة الليرة أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للبنانيين (رويترز)
انهيار قيمة الليرة أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للبنانيين (رويترز)

مضى أكثر من ثلاثة أشهر على موافقة البنك الدولي على اتفاقية قرض شبكة الأمان الاجتماعي للبنان، وهو قرض مخصص لمساعدة العائلات الأكثر فقراً الذين ما زالوا ينتظرون الدعم الذي تتناقص قيمته يوماً بعد يوم إثر عدم ثبات سعر صرف الليرة والارتفاع المستمر في أسعار معظم السلع الأساسية والمتوقع ازدياده مع إقرار خطة ترشيد الدعم.
ويعود التأخر أو تأجيل بدء العمل بصرف هذه الأموال للأسر المستفيدة إلى التعديلات التي وضعها المجلس النيابي حين أقر اتفاقية القرض البالغة قيمته 246 مليون دولار في شهر مارس (آذار) الماضي، كما يقول ممثل وزارة الشؤون الاجتماعية في المفاوضات مع البنك الدولي، عاصم أبي علي موضحاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن ملاحظات النواب ذهبت إلى مجلس أمناء البنك الدولي حيث يتم درسها للموافقة عليها أو إجراء بعض التعديلات أو رفضها.
ويشرح أبي علي أنّه إذا لم يوافق البنك الدولي على الملاحظات أو إذا كانت التعديلات جوهرية ستحتاج اتفاقية القرض عقد جلسة عامة لمجلس النواب لإقرارها مجدداً، ومن الآن إلى حين ورود الردّ والإجراءات التي ستبنى عليه يبقى القرض مؤجلاً. وكان مجلس النواب اعترض على ما أسماها المصادرة السيادية بإدارة القرض، إذ يتولى البنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي تحديد تفاصيله التنفيذية وبينها توزيع البطاقة الممغنطة من قبل برنامج الأغذية العالمي، كما كان الاعتراض الأكبر الذي دارت حوله الملاحظات على الكلفة التشغيلية ونظام التوظيف إذ قلّص النواب الموازنة المخصصة للرصد والتقييم والتدقيق. وكان القرض قد رصد 2.5 مليون دولار لبناء قاعدة بيانات وطنية خفّضت في مجلس النواب إلى 50 ألف دولار تقريباً، حسب مصدر متابع للملف.
ويشير المصدر في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ تغيير الموازنة في هذه البنود قد يكون من عوامل خلط الأوراق، لافتاً إلى أنّه في حال عدم موافقة البنك الدولي على التعديلات التي أقرّها لبنان من طرف واحد سيعني عودة المفاوضات مع البنك الدولي والتي كانت استمرت لأشهر سابقاً، مشيراً إلى أنّه لا يمكن تحديد الفترة التي سيستغرقها الردّ أو المفاوضات في حال عدم الموافقة على التعديلات إلا أنها من المتوقع أن تحتاج أشهراً.
وسيدعم القرض 150 ألف أسرة من الأسر الأكثر فقراً في لبنان إضافة إلى نحو 87 ألف تلميذ في التعليم الرسمي حتى يتمكنوا من إكمال دراستهم.
وستحصل كل عائلة على مبلغ ثابت بقيمة 200 ألف ليرة (32 دولاراً)، و100 ألف ليرة (16 دولاراً) لكل فرد في العائلة شرط ألا يتجاوز سقف المساعدات المالية لكل عائلة الـ800 ألف ليرة أو 128 دولاراً، إذ تمّ الاتفاق على احتساب سعر صرف الدولار على أساس 6240 ليرة. كما سيخصص قسم من القرض للمساعدات الاجتماعية التي ستكون عبارة عن برامج الدعم النفسي الاجتماعي، والتدريب المهني.
وصحيح أنّ تعديلات مجلس النواب قد توفّر بحدود 20 مليون دولار من التكاليف التشغيلية لتحوّل لصالح العائلات الأكثر فقرا إلّا أنّ التأخّر بصرف أموال القرض يفقد الأموال جزءاً ليس بسيطاً من قيمتها الفعليّة، حسب ما يرى المصدر، مستدلاً على أن سعر الدولار غير ثابت في السوق، بينما هو ثابت في موضوع صرف الدعم للأسر الأكثر فقراً، بينما أسعار السلع ترتفع بشكل مستمر.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.