أسباب فشل المبادرة الفرنسية في لبنان... ورهانات المستقبل

TT

أسباب فشل المبادرة الفرنسية في لبنان... ورهانات المستقبل

ماذا بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت التي أكدت أن المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون بمناسبة زيارتيه إلى لبنان في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) الماضيين وصلت إلى طريق مسدود؟
تقول مصادر رسمية فرنسية إنه «حان الوقت من أجل مراجعة معمقة لمسار المبادرة الفرنسية منذ انطلاقها وحتى اليوم وللأسباب التي آلت إلى إخفاقها»، علماً بأنها كانت «مبادرة إنقاذية» أساسها خريطة طريق واضحة ومحددة وهدفها الأوحد «منع انهيار لبنان». كذلك لم تكن «تتطلب كثيراً من التضحيات» من الطبقة السياسية اللبنانية، مكتفيةً بالدعوة إلى تشكيل حكومة توحي بالثقة للأسرة الدولية والقيام بمجموعة إصلاحات تصرّ عليها هذه الأسرة دورياً من أجل مد يد المساعدة للبنان. ورغم ذلك، فشلت هذه المبادرة في ليّ ذراع السياسيين اللبنانيين الذين أغرقوها في تفاصيل اللعبة السياسية الداخلية وتشعباتها الخارجية.
يرى سفير فرنسي سابق مطلع على خفايا دبلوماسية بلاده أن الخطأ الأول الذي ارتكبته باريس يتمثل في أن الرئيس ماكرون الذي كان أول من سارع بالتوجه إلى بيروت بعد يومين فقط من انفجار المرفأ في 4 أغسطس الماضي، «لم يستغل الفرصة المتاحة والاستثنائية لفرض تنفيذ رؤيته مستفيداً من كون الطبقة السياسية بما فيها رئاسة الجمهورية والحكومة والأحزاب في حال وهن شديد وعديمة القدرة على مقاومة الضغوط». والخطأ الثاني أن باريس وفّرت الوقت اللازم للسياسيين الذين أعادت تأهيلهم بشكل غير مباشر من خلال جعل الخلاص عن طريقهم، لالتقاط أنفاسهم متجاهلةً أن لديهم قدرة فائقة على «امتصاص الصدمات والأزمات». والخطأ الثالث أن الرئيس الفرنسي شدد على «المحفزات» التي عرضها على الدولة وعلى السياسيين مثل الدعوة إلى مؤتمر دولي لمساعدة لبنان والوقوف إلى جانبه في عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإعادة إعمار ما هدمه الانفجاران وتوفير المساعدات الإنسانية وغيرها من وسائل «الإغراء». والحال أنها، من جهة، لم تكن كافية لإقناعهم بقبولها والسير بخطته الإنقاذية. ومن جهة أخرى، لوّح ماكرون باتخاذ إجراءات قسرية وجزرية «أي عقوبات» بحق الممانعين والمعطلين ولكن من غير إبراز نوعية العقوبات ومدى جديتها. وبكلام آخر، يضيف السفير السابق، أن السياسيين رأوا أن «الهراوة» التي لوّح بها «لم تكن لا مرئية بشكل كافٍ ولا غليظة إلى درجة أنها تضر بمصالحهم الأساسية وتدفعهم لمراجعة حساباتهم». والخلاصة أن التهديد بالعقوبات لم يكن ولن يكون «رادعاً» بل يتعين الكشف عنها صراحة وعن الأطراف التي تطالها وعن التدابير الإضافية التي تستطيع باريس اتخاذها إنْ على المستوى الفردي أو الجماعي.
ثمة نقطة رئيسية يشدد عليها المصدر المشار إليه وهي كيفية التعامل مع «حزب الله» الذي تعده باريس «الحلقة الأصعب» بسبب قدرته على التأثير في المشهد السياسي الداخلي وبسبب ارتباطاته الخارجية، خصوصاً بإيران. وحسب هذا السفير، فإن الدبلوماسية الفرنسية التي احتفظت بعلاقة مع الحزب، كان بمقدورها أن تدفعه للتعاون بالتلويح بإمكانية الاحتذاء بالأطراف الأوروبية كبريطانيا وهولندا والدنمارك وغيرها التي وضعته على لائحة المنظمات الإرهابية بشقيه العسكري والسياسي. والحال أن باريس عارضت دوماً هذا التوجه من زاوية أنه حزب سياسي له حضوره في البرلمان ويتعين العمل معه. ولذا، يبدو واضحاً أن باريس لم تأخذ بعين الاعتبار «بشكل كافٍ» تعقيدات المشهد السياسي اللبناني حيث أدخلها سياسيوه في زواريب الحصص والأسماء والحقائب وحقوق الطوائف والمذاهب والصيغ والحساسيات الشخصية بين اللاعبين الكبار كما أنها، من جهة ثانية، لم تكن قادرة على توفير الغطاء العربي والإقليمي والدولي الذي من شأنه «تسهيل» مهمتها الإنقاذية رغم أنها كانت الوحيدة التي تتحرك بشكل مكثف من أجل إحداث تغيير ملموس وسريع. والقناعة التي كانت سائدة في وقت من الأوقات أن باريس قادرة وحدها على إحداث التغيير المطلوب من غير توفير «الأدوات» الضرورية، كانت أحد الأسباب التي أدت إلى وصول مبادرتها إلى طريق مسدود.
رغم ما سبق، تقول باريس إن مبادرتها ما زالت قائمة وإنها «لم تفشل بل من فشل هم اللبنانيون». ويبدو أنها تريد التعويض عن النواقص السابقة عن طريق «تغليظ» العصا التي هدد بها لودريان المعرقلين والفاسدين وهو ما عاد إليه في كلامه الختامي صباح أمس، لمجموعة من الصحافيين في قصر الصنوبر. وإذ أكد أن بلاده «ستبقى معبأة لدعم الشعب اللبناني»، أردف مهدداً الطبقة السياسية التي عنّفها مراراً بأن العقوبات التي أقرّتها باريس «ليست سوى البداية ويمكن أن توسَّع وتُشدَّد إذا استمر الانسداد، ويمكن أن تُستكمل بأدوات ضاغطة من الاتحاد الأوروبي... ولذا يتعين على كل طرف أن يتحمل مسؤوليته». وغرض لودريان كما قال: «تلافي الانتحار الجماعي» الذي تقود الطبقة السياسية لبنان إليه. ووفق معلومات «الشرق الأوسط»، فإن باريس ستسعى لعقوبات مشتركة مع الولايات المتحدة وبريطانيا كما أنها ستعمل، داخل الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات بالتشارك مع دول راغبة بذلك مثل ألمانيا في حال عجز الاتحاد عن الاتفاق على سياسة موحدة إزاء لبنان. يضاف إلى ذلك أن لودريان استخدم ورقة ضغط إضافية عن طريق لقائه مجموعة من التنظيمات والأحزاب الناشطة والتي تعد معارضة للحكومة، ملوحاً بذلك بأنها يمكن أن تكون البديل خصوصاً في إشارته إلى أهمية حصول الانتخابات التشريعية العام القادم في موعدها وإمكانية أن تكون مدخلاً لتجديد الطبقة السياسية.
يرى السفير السابق أن الخطوات المشار إليها جاءت «متأخرة» وليس من المؤكد أنها ستتوافر حقيقة. وفي نظره، فإن العامل الخارجي يمكن أن يوفر الظروف من أجل إحداث تغيير في المشهد السياسي الداخلي نظراً للتحولات الجارية في الإقليم وإعادة رسم خريطة التحالفات خصوصاً مصير الاتفاق النووي مع إيران. وحسب السيناريو الإيجابي، فإن التوصل إلى اتفاق جديد في فيينا سيكون له ثمن على الصعيد الإيراني ليس فيما يخص برنامج طهران النووي ولكن أيضاً بشأن سياستها الإقليمية ما يمس لبنان عبر «حزب الله».
ولذا، فإن الأمل يكمن في «ألا يكون الرئيس بايدن مستعجلاً في إبرام اتفاق متسرع مع إيران» على غرار ما فعله سلفه أوباما الذي أراد إنجازاً دبلوماسياً قبل نهاية ولايته الثانية، وراهن على «تطبيع» السياسة الإيرانية، الأمر الذي لم يحصل. ويبدو أن باريس تعمل على الخط الإيراني إذ علمت «الشرق الأوسط» أن مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية سيزور إيران الأسبوع القادم في جولة تشمل أيضاً العراق. كذلك من المقرر أن يقوم الرئيس ماكرون بجولة خليجية تشمل أربعة بلدان (السعودية والإمارات والكويت وقطر) في موعد لم يُقرَّر نهائياً، ولكن يُرجَّح أن يحصل نهاية الشهر الجاري. وسيكون لبنان بالطبع على جدول مباحثاته.



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.