تي ڤي لوك

تي ڤي لوك
TT

تي ڤي لوك

تي ڤي لوك

الأبطال والآخرون

> لو أن الدراما التي تحصل في كل مسلسل معروض تقع بيننا لما استطعنا أن نصمد أمام متحوّلاتها لثلاثين يوماً. قد تمتد الأسباب والنتائج لبضع سنوات، لكن أن تقع في شهر واحد فإن ذلك كفيل بإصابات وأضرار نفسية وعاطفية واقتصادية كبيرة.
لكن الحمد لله أن المعروض على التلفزيونات كافٍ ووافٍ. ليس علينا أن نعيشه، بل نتابعه من مسافات آمنة. فالقصص التي تحاول أن تقول لنا إن ما نراه حدث أو يحدث، كثيرة وكلها تنطلق من افتراض أن هذا فعل شيئاً يفيده ويضر الآخرين وهناك مَن وقف ضده، والمصالح بذلك تتنوع والضغوط تزداد والجميع يترنح باحثاً عن حل. فوق ذلك تأتيك قصص الحب… هذا يحب تلك وتلك تحب آخر. هذه تزوجت غصباً عنها وتلك وجدت نفسها متزوجة برجلين. وفن الكتابة للتلفزيون يحيل أمثال هذه المواقف وفوقها أكثر، إلى عقد مترابطة ولو أنها في بعض الأحيان مفتعلة.
> قبل سبر غور بعض المسلسلات التي شوهدت هذا العام (وليس منها ما شوهد بكامله) هناك ملاحظات نتركها لصانعي المسلسلات من باب لعل وعسى.
نعم، الفترات الزمنية الطويلة التي كانت تفصل ورود الأسماء وبداية كل حلقة تم اختصارها وتسريع عملية ذكر الأسماء لدرجة أن العديد منها يمر قبل أن تقرأه. لا بأس. من الصعب إيجاد حل وسط، لكنّ هناك شيئاً آخر لافتاً للنظر في معظم ما نراه.
مثلاً، ترد أسماء الممثلين الذين يؤدون الأدوار الرئيسية مقسمة على نوعين: أسماء فوق العنوان لاثنين أو لثلاثة ثم تظهر كلمة بطولة لتشمل نحو عشرة ممثلين آخرين. بدعة غريبة على أساس أن «البطل» هو مَن يقود أما الأدوار المساندة فتكمن في عداد كلمة «تمثيل». لكن البدعة المُشار إليها تهدف لإرضاء الممثلين الذين يقفون في الصف الثاني.
ثم تأتيك تعريفات أخرى مثيرة للضحك مثل «الفنان القدير»، هل يعني ذلك أن الفنان الآخر ليس قديراً، بل هو ملصوق بالصمغ بالمسلسل؟ تريد أن تغض النظر، فتطالعك عبارة مبتكرة أخرى هي «ظهور خاص» يعني في المقابل فإن الباقين هم «ظهور عام». وأحد المسلسلات، أعتقد أنه «2020» لكن قد يكون سواه، يذكر «ظهور خاص» ثم «إطلالة خاصة»… يعني الممثل المعني وقف على الشرفة وتابع التصوير مثلاً؟
وبالطبع هناك «ضيف الشرف» التي كانت، في أيام أفضل، تعني حضور ممثل غير متوقع وذي اسم كبير لأداء دور قصير يكسب به البرنامج الشعبية وله الثواب. لكن الآن «ضيف الشرف» بات تنويعة أخرى على ما سبق. ماذا بعد؟ ضيف بلا شرف؟
> ثم هناك مسألة من الذكي الذي يخرج هذه المسلسلات؟
ما الفرق بين المخرج والمخرج المنفذ؟ بديهياً المفترض أن يكون هناك مخرج واحد وهناك مساعدوه لكن استخدام كلمة «مخرج منفذ» يعني أن المخرج الفعلي لم يكن فعلياً، بل قام آخر بإنجاز التفاصيل المهمة. وإذا تتبعنا مفهوم الكلمة المحدد فإن ذلك قد يعني أن المخرج جلس بعيداً يرى ويسمع وترك الإخراج الفعلي لـ«المخرج المنفذ».
المفاجأة هنا أننا بدأنا نقرأ عبارة «أشرف على الإخراج»… ليس بديلاً للمخرج ولا للمخرج المنفذ، بل إضافة فوقهما. ماذا يعني ذلك تماماً؟ إذا لم يكن المخرج منفذاً وإذا لم يكن هو مشرفاً فهل أمضى أيامه في راحة بيته مثلاً؟

خواتم
> حاولت أن أكافئ صبري على ما سنحت لي فرصة مشاهدته من المسلسلات فشاهدت حلقات من المسلسل الإماراتي «60 يوم» الذي أخرجه سيف يوسف. هو من بين أفضل ما شوهد. لا إضاعة للوقت ولا تمثيل خطابات إنشائية ولا مواقف فيها ثقوب الكتابة. حلقات بوليسية تنتقل بسلاسة ويسر وتدور حول محاولات الإثراء غير المشروع والخديعة والعواقب المتوقعة تبعاً لها.
> طبعاً تيمة الصراع بين الخير والشر موزعة كقاسم مشترك بين كل مسلسل غير كوميدي. الموهبة هي في التأليف وفي الحوار والتمثيل وكيف يستطيع المخرج تمييز ما هو مطروق على نحو يُضيف جديداً.
هذا نجده في المسلسل السوري «على صفيح ساخن» كتابة علي وجيه ويامن الحجلي وإخراج سيف السبيعي. هو أيضاً من النوع الذي ليس في وارد إضاعة الوقت في الإعادات أو في دخول أزقة الموضوع الرئيسي ومتفرعاته لكي يشغل المدة المطلوبة.
لجانب ذلك، فيه عدد من الممثلين الذين تصدق شخصياتهم وأدوارهم وانفعالاتهم لأنهم جيدون بالفطرة ومتكلون على حوار جيد من ناحية ثانية. من بين هؤلاء سلوم حداد وباسم ياخور وميلاد يوسف.
> العكس يقع في المسلسل المصري «ملوك الجدعنة». فيه رغبة واضحة في إعلاء شأن كل عنصر من عناصر العمل عبر التركيز عليه بالصورة. هدير من المواقف وفي كل منها استعراض عضلات أداء مع تعويم الحوارات، بحيث إن الجميع يتحدث بلغة واحدة من التحدي والتهديد و«الفهلوة»، هذا لأن الكاتب (عبير سليمان) لا تتبع ضرورة أن تكون لكل شخصية مفرداتها ونبرتها الخاصة. بذلك كل الحوارات هنا خطابية ومن نوع «أنا ماحدش يقدر عليّ» و«اللي أقوله لازم يمشي» و«أنت بتهددني؟»، «لا. أنا بس بحذرك» (لا فرق).
آه… لا بد من القول إن مبلغاً محترماً من الميزانية ذهب لزوم شراء «سيغارات» لأن كل الممثلين يدخنون السيغار (من ماركة واحدة) للتأكيد على التميز المادي.
> ختاماً: تحية مكررة لمسلسل «نجيب زاهي زركش» وبطله يحيى الفخراني.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.