(1997) Titanic
****
تايتانيك غرقت...
كاميرون ارتفع
يمكن لمن يرغب أن يقرأ في مواقع مختلفة كل ما يريد معرفته عن الباخرة الضخمة تايتانيك التي انطلقت من مينائها في بريطانيا واصطدمت بجبل جليدي فباشرت الغرق في الساعات الأولى من صباح 15 أبريل (نيسان) سنة 1912. على متنها 2240 شخص مات منهم 1500.
الحادث كان كارثة كبرى لكن الفيلم الذي أنجزه جيمس كاميرون عنها لم يكن. على العكس، وتبعاً لإقبال حافل أنجز الفيلم 2 مليار و195 مليون دولار عالمياً. وضع مخرجه على القمّة الأعلى بين أكثر أترابه نجاحاً (ستيفن سبيلبرغ مثلاً) ونال حفنة من الأوسكارات والجوائز الأخرى وترك تأثيراً جلياً على سينما جيمس كاميرون اللاحقة، إذ باتت لا ترغب في معاينة ما هو أقل مستوى إنتاجي من ذلك الفيلم.
قيل عن «تايتانيك» إنها الباخرة التي لا يوجد ما يستطيع إغراقها. رغم ذلك ما إن ضربها جبل جليدي حتى مالت على جانبها وباشرت احتضارها غرقاً. ليس أن الحسابات كانت خاطئة بقدر ما أن الضربة كانت أقوى من المتوقّع وهناك ما يكفي من المراجع التي تفسّـر كيف وقع التصادم بين الثلج والمعدن، وكيف أدّى ذلك إلى حدوث المأساة بطيئاً مطلع الأمر ثم بإيقاع متسارع فيما بعد.
حكـى الفيلم قصّـة حقيقية بأوضاع إنسانية ومأساوية تلمُّ بأناس عاديين تم خلالها تناول جانبين نافذين ومؤثّرين: قصّـة حب بين شاب وفتاة تفانى خلالها الأول لإنقاذ حياة من يحب، والثاني كيف أن الطبقية الاقتصادية والاجتماعية بين ركّاب مرفّهين وآخرين دون ذلك نتج عنه سقوط ضحايا أكثر من ركـاب الدرجتين الثانية والثالثة. كل هذه العوامل، إلى جانب تصوير حالات الهلع والغرق ثم تجسيد المعنى الفعلي لكلمة كارثة أنجز للفيلم الإقبال الضخم الذي استحقّـه.
قصّة الحب تأتي في المقام الأول: روز (غلوريا ستيوارت) ناجية تسرد حكايتها وقد أصبحت في أواخر سنوات حياتها. ننتقل بتلك الذكريات أيام ما كانت شابة وجميلة (كيت ونسلت) تبحر مع زوجها (بيلي زان) على متن الباخرة الضخمة لكن قلبها يحن إلى الشاب الفقير جاك (ليوناردو ديكابريو) والاثنان يقعان في الحب. لكن المشاكل العاطفية الناتجة عن هذا الوقوع بين هذا الثلاثي تتضاءل أمام الكارثة الكبرى التي تقع بعد قليل. حين تغرق الباخرة ويقفز من استطاع إلى قوارب النجاة (أو إلى مياه البحر مباشرة) يقوم جاك بإنقاذ من يحب ويصاحب القارب الذي وضعها فيه قبل أن يموت وهو ما زال متمسكاً به كون القارب لم يتسع له.
لم يكن الفيلم الأول، لكن الفيلم الأكبر. قبله قام جين نغولسكو بتحقيق «تايتانيك» سنة 1953. فيه باربرا ستوانويك وكليفتون وَب كزوجين غير سعيدين معاً، لكن من دون شخص ثالث داخل هذا الوضع. بعده بخمس سنوات قام البريطاني روي وورد بايكر بإنجاز «ليلة للذكرى» (A Night to Remember) انشغل فيه بسرد الحادث على نحو أكثر مباشرة وأكثت تواصلاً مع الغرق الفعلي ومواقف البشر منه وتزاحمهم على النجاة على نحو يعكس الأنانية المتوقعة في مثل هذه الظروف. وهناك ما لا يقل عن 10 أفلام أخرى حول الكارثة بما فيها فيلم هندي سنة 2018
«تايتانيك» - كاميرون لا يمكن مقارعته ليس بسبب 200 مليون دولار صُرفت عليه فقط، بل أساساً بسبب ملكية المخرج لتفعيل أسلوب لا يهاب المصاعب وتجسيد الحدث بكل حجمه ووقائعه. في غمار ذلك يضيف تصوير راسل كاربنتر (الذي يعمل مع كاميرون على تصوير «أفاتار» 2 و3 حالياً) وموسيقى الراحل جيمس هورنر كل ما يجب أخذه بعين الاعتبار حين تقييم الفيلم فنياً.