أوروبا تخطط لكبح التوغل الصيني

كشف الاتحاد الأوروبي أمس (الأربعاء)، النقاب عن خطة لخفض الاعتماد على الموردين من الصين وغيرها من الدول في ستة قطاعات استراتيجية، مثل المواد الخام، ومكونات العقاقير، وأشباه الموصلات، بعد ركود اقتصادي بسبب الجائحة.
وأشار الاتحاد الذي يضم 27 دولة، إلى مدى إلحاح المهمة؛ إذ تعتمد أوروبا على الصين في توريد نحو 137 منتجاً يُستخدم في الأنظمة البيئية الحساسة، وهي بصفة أساسية مواد خام وأدوية ومنتجات أخرى مهمة لأهداف رقمية وبيئية للكتلة.
ومن خلال الخطة، تسعى بروكسل لتعزيز قدرتها على كبح توغل الشركات الصينية في الاقتصاد الأوروبي بقانون يعطيها صلاحية التحقيق مع الشركات الأجنبية المدعومة حكومياً والتي تعمل على منافسة الشركات الأوروبية بطريقة غير منصفة.
ومشروع القانون جزء من موقف أوروبا المتشدد تجاه بكين، رغم أن الصين تبقى ثاني أكبر شريك تجاري للقارة بعد الولايات المتحدة. وتحاول بروكسل الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع القوة الأسيوية العظمى، بينما ألمانيا متحمسة لتعزيز علاقاتها مع الصين التي تعد الوجهة الأولى لصادراتها.
وحسب وثيقة رسمية اطّلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية أول من أمس (الثلاثاء)، فإن مشروع القانون يمنح بروكسل صلاحيات جديدة للتحقيق مع الشركات الأجنبية التي تسعى لشراء شركات أوروبية بصفقات تبلغ قيمتها 500 مليون يورو أو أكثر. ويمكن أيضاً فتح تحقيقات بشأن تلقي معونات حكومية مع الشركات التي تشارك في مناقصات للفوز بعقود عامة كبيرة في أوروبا، مثل القطارات أو معدات الاتصالات، بقيمة 250 مليون يورو أو أكثر. ويمكن لمفوضية المنافسة أن تفتح تحقيقات بمبادرة خاصة منها خارج هذه البنود.
وقالت الوثيقة إن الدعم غير القانوني يمكن أن يشمل الشركات التي تتلقى قروضاً من دون فائدة أو معاملة ضريبية تفضيلية أو تمويلاً مباشراً بالشكل التقليدي.
ولا يذكر القانون المقترح الصين كما لا يتقصد رسمياً فتح مواجهة مع أي دولة بشكل خاص، لكنّ مصادر توافقت على أن المخاوف التي تثيرها الصين منذ مدة طويلة كانت محورية لوضع مثل هذه المقترحات.
وتأتي المقترحات بعد فترة وجيزة من المفاجأة التي فجّرتها المفوضية التي تتولى السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي عبر إبرام اتفاق استثمار مع بكين بعد تعثر المفاوضات لسنوات.
لكن اتفاق الاستثمار تنتظره عملية مصادقة قاسية، ويمكن لاقتراح مكافحة الشركات المدعومة أن يُطمئن المشككين إلى أن اتفاق الاستثمار الأوروبي مع بكين لا يعني تدقيقاً أقل مع الشركات الصينية.
كما قامت المفوضية الأوروبية بتحديث الاستراتيجية الصناعية للاتحاد الأوروبي للتأكد من أنها تأخذ بعين الاعتبار التطورات الجديدة التي أعقبت أزمة وباء «كورونا»، وتساعد في تعزيز التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة ورقمية ومرونة وأكثر تنافسية على المستوى العالمي.
وذكرت المفوضية الأوروبية، في بيان، أن هذه الاستراتيجية المحدثة تؤكد من جديد الأولويات المنصوص عليها سابقاً في مارس (آذار) 2020 والخاصة بالاستجابة للدروس المستفادة من أزمة «كورونا» لتعزيز التعافي الاقتصادي وتعزيز الاستقلال الاستراتيجي المفتوح للاتحاد الأوروبي. وتقترح هذه الاستراتيجية المحدَّثة إجراءات جديدة لتعزيز مرونة السوق الموحدة، خصوصاً في أوقات الأزمات، وأهمية التعامل مع التبعيات الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي مع تقديم مجموعة أدوات لمعالجتها، فضلاً عن توفير تدابير جديدة لتسريع التحولات الخضراء والرقمية.
وتستجيب الاستراتيجية المحدّثة أيضاً للنداءات المتكررة لتحديد ومراقبة المؤشرات الرئيسية للقدرة التنافسية لاقتصاد الاتحاد الأوروبي ككل من حيث تكامل السوق الموحدة، ونمو الإنتاجية، والقدرة التنافسية الدولية، والاستثمار العام والخاص، والاستثمار في البحث والتطوير. وتركز كذلك على بُعد الشركات الصغيرة والمتوسطة مع توفير دعم مالي مخصص وتدابير لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، والشركات الناشئة من احتضان التحولات المزدوجة.
كما تبنّت المفوضية مقترحاً لتنظيم الإعانات الأجنبية التي تشوّه السوق الموحدة، والتي تعد عنصراً أساسياً لتحقيق استراتيجية الاتحاد الأوروبي الصناعية من خلال ضمان تكافؤ الفرص وتعزيز سوق واحدة عادلة وتنافسية.
وفي هذا السياق قالت نائبة رئيسة المفوضية، مارغريت فيستاغر: «تهدف الاستراتيجية الصناعية المحدّثة إلى التأكد من أن صناعاتنا مجهّزة لدفع التحولات الخضراء والرقمية لاقتصادنا مع ضمان القدرة التنافسية لصناعاتنا، وذلك في سياق التعافي من أزمة فيروس (كورونا) وهذا يتطلب استثمارات جديدة الآن -في البشر وفي التقنيات وفي الإطار التنظيمي الصحيح الذي يضمن العدالة والكفاءة. فمن خلال دعم وتوسيع نطاق الأدوات الرئيسية الموجودة بالفعل تحت تصرفنا، فإننا نقدم اليوم دروسنا المستفادة ونعيد تأكيد التزامنا بالعمل جنباً إلى جنب مع جميع الجهات الاقتصادية الفاعلة من جميع أنحاء أوروبا».
ويشار إلى أنه قد تم الإعلان عن تحديث الاستراتيجية الصناعية لعام 2020 من رئيسة المفوضية فون دير لاين، في سبتمبر (أيلول) 2020. ويأتي الإعلان الجديد عن تحديث الاستراتيجية كاستجابة لدعوة قادة الاتحاد الأوروبي لاتّباع سياسة صناعية أوروبية طموحة لجعل الصناعات الأوروبية أكثر استدامة ومرونة وصديقة للبيئة وأكثر قدرة على المنافسة عالمياً. كما دعا قادة الاتحاد الأوروبي المفوضية إلى تحديد التبعيات الاستراتيجية، لا سيما في النظم البيئية الصناعية الأكثر حساسية مثل الصحة، واقتراح تدابير لتقليل هذه التبعيات.