الأمن الجزائري يقمع «الحراك الطلابي» بالقوة... والاعتقالات

المتظاهرون عدّوا تنازل وزير الداخلية عن صلاحياته للشرطة «مؤشراً غير إيجابي»

جانب من إضراب أفراد الدفاع المدني خلال مظاهرة الأحد الماضي بالعاصمة (أ.ف.ب)
جانب من إضراب أفراد الدفاع المدني خلال مظاهرة الأحد الماضي بالعاصمة (أ.ف.ب)
TT

الأمن الجزائري يقمع «الحراك الطلابي» بالقوة... والاعتقالات

جانب من إضراب أفراد الدفاع المدني خلال مظاهرة الأحد الماضي بالعاصمة (أ.ف.ب)
جانب من إضراب أفراد الدفاع المدني خلال مظاهرة الأحد الماضي بالعاصمة (أ.ف.ب)

اعتقلت قوات الأمن الجزائرية أمس عشرات الأشخاص بالعاصمة، قبل بداية مظاهرة طلاب الجامعات التي منعتها بالقوة للمرة الثانية بعد الثلاثاء الماضي. وانتشر رجال الأمن بكثافة في كل الشوارع والفضاءات الرئيسية، التي تعود طلاب الجامعة تنظيم احتجاجاتهم بها منذ بداية الحراك قبل عامين.
وأكد ناشطون سياسيون أن الطالب القيادي في المظاهرات، عبد النور آيت سعيد، كان من بين المعتقلين، إضافة إلى الطالب الناشط فاروق شريح، وسفيان حداجي وهو عضو نشط بالحراك، ومتابع قضائياً هو أيضاً.
وكان لافتاً منذ الصباح الباكر أن رجال الشرطة عازمون على حظر الاحتجاج الأسبوعي، وظهرت على تصرفاتهم صرامة كبيرة، تعكس وجود أوامر من أعلى السلطة لمنع أي تجمع لأشخاص في أي مكان بالعاصمة. كما وضع رجال الدرك نقاط مراقبة أمنية عند كل مداخل العاصمة، وتم تفتيش كل السيارات والحافلات مخافة أن تكون محملة بمتظاهرين. فيما فتش رجال أمن بزي مدني الكثير من الأشخاص بـ«ساحة الشهداء»، مكان انطلاق المظاهرة، وصادروا لافتات كتبت عليها شعارات معادية للسلطة، وللانتخابات التشريعية المقررة في 12 يونيو (حزيران) المقبل.
ومع ذلك وقع احتكاك بين رجال الشرطة وطلاب يقودون المظاهرات بالقرب من «مسجد الرحمة»، الذي ينطلق منه أوائل المتظاهرين أيام الجمعة، باتجاه ساحات الحراك وسط العاصمة. ولذلك بات المسجد منذ أسابيع مصدر قلق للسلطات الأمنية. وأفادت مصادر حكومية لـ«الشرق الأوسط» بأن وزير الداخلية، كمال بلجود، فوض صلاحياته الواسعة بخصوص تسيير الاحتجاجات في الشارع لمدير عام جهاز الشرطة، فريد بن شيخ، سواء تعلق الأمر بحراك الجمعة، أم مظاهرات الطلاب يوم الثلاثاء، أو الاحتجاجات «الفئوية» التي ينظمها عمال وموظفون في قطاعات تعرف استياءً بالغاً من سوء المعيشة. وعدّ ناشطون معارضون للحكومة تنازل وزير الداخلية عن صلاحياته الأمنية لمدير الشرطة «مؤشراً غير إيجابي» بالنسبة لمصير تحركاتهم الاحتجاجية، ذلك أنه منذ توليه المسؤولية منتصف مارس (آذار) الماضي، تم اعتقال المئات من المتظاهرين بالعاصمة وهران (غرب) خاصة، وإحالة الكثير منهم إلى القضاء، أما في المدن الصغيرة، فبات مستحيلًا تنظيم أي مظاهرة. وأطلقت الشرطة الأحد الماضي الغاز المسيل للدموع ضد المئات من أفراد الدفاع المدني، بعد أن نظموا مظاهرة كبيرة للتعبير عن تذمرهم من تدني الأجور. وتم ذلك بأوامر من بن شيخ، الذي يعتبر خبيراً في مكافحة الإرهاب. وأعلنت الداخلية عن فصل 230 منهم، وإطلاق متابعات قضائية ضدهم. وكرد فعل على ذلك، صعد أفراد الدفاع المدني أمس موقفهم بغلق عدة وحدات للدفاع المدني بمناطق كثيرة في البلاد.
ودان الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم» في بيان «التعامل مع الإضرابات والاحتجاجات والمظاهرات السلمية بالمنع والقمع»، وقال إن ذلك «مرفوض قانونياً وسياسياً في كل الأحوال»، مشدداً على أن الاحتجاج «حق من الحقوق المشروعة». وعد الحزب حالة التوتر في البلاد «نتيجة طبيعية لتراجع القدرة الشرائية، بسبب غلاء المعيشة والتضخم، والندرة ومشاكل السيولة، وتدني قيمة العملة الوطنية... فالوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش هو محصلة طبيعية للانهيارات الاقتصادية التي تسببت فيها عشريات من الفساد والنهب والتبذير، والعمل لصالح اقتصاد الأجانب».
ودعا الحزب الحكومة إلى «توجيه رسائل إيجابية للشعب الجزائري لبسط الثقة بالانتخابات التشريعية المقبلة، كخطوة حاسمة لانتقال ديمقراطي حقيقي وتام، والامتناع عن أي سلوك يعقد الأجواء الانتخابية من أي جهة، كانت معلومة أو مجهولة، أو يفسر بأن ثمة إرادة فوقية تُعِد المشهد السياسي والبرلماني مسبقاً، بأي صورة أو شكل جديد غير معبر عن الحقائق السياسية والاجتماعية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.