سيدة أفغانستان الأولى تتحسس خطاها بين الإصلاح والحذر خلال زيارتها لأميركا

رولا غني أكدت على أوجه الشبه بين الثقافتين اللبنانية والأفغانية.. وقالت إنها تعلمت الصلاة باللغة العربية

رولا غني زوجة الرئيس الأفغاني (نيويورك تايمز)
رولا غني زوجة الرئيس الأفغاني (نيويورك تايمز)
TT

سيدة أفغانستان الأولى تتحسس خطاها بين الإصلاح والحذر خلال زيارتها لأميركا

رولا غني زوجة الرئيس الأفغاني (نيويورك تايمز)
رولا غني زوجة الرئيس الأفغاني (نيويورك تايمز)

سحرت سيدة أفغانستان الأولى بسهولة الجمهور في واشنطن مساء يوم الأربعاء بفضل لكنتها الفرنسية الناعمة، وضحكتها التي تسخر من الذات، وملابسها الغربية المتواضعة. وكان هذا هو أول ظهور علني لها في الولايات المتحدة بعد نحو 5 أشهر من الاضطرابات منذ تولي زوجها أشرف غني الرئاسة في سبتمبر (أيلول). وجاء ذلك الاستقبال الحافل على طرف النقيض من الاستقبال الذي حظيت به رولا غني، المسيحية لبنانية الأصل، في وطنها؛ حيث أثارت خلفيتها الدينية وآراؤها العصرية وابلا من الانتقادات، والمشاعر العدائية، في المجتمع التقليدي الذكوري، الذي لا يُسمح فيه للمرأة بالخروج من بيتها من دون ارتداء حجاب. وتم تعديل رسالة رولا هنا، التي ترددت خلال مقابلاتها وخطبها الأخيرة، بحرص بهدف التخلص من صورتها كمناضلة نسوية دخيلة على عالم الأفغان المحافظين الأكبر سنا، لكن من دون إبعاد جيل صاعد من الشابات الأفغانيات المتعلمات اللائي تمثل لهن نموذجا يتطلعن إليه.
وجاءت تلك الفعالية خلال زيارة مدتها أسبوعين إلى الولايات المتحدة، التي قضت فيها قسما كبيرا من حياتها وحيث يقيم ابنها وابنتها. وتوجهت الأسبوع الماضي إلى ولاية تكساس للقيام بزيارة مع لورا بوش، السيدة الأولى السابقة للولايات المتحدة التي دعمت قضية المرأة الأفغانية لفترة طويلة. وحضرت خلال الأسبوع الحالي في واشنطن اجتماعات مجالس إدارة لمنظمات خيرية، وكذلك التقت بمجموعة من الأصدقاء الأفغان والأميركيين.
وتحدثت يوم الأربعاء أمام نحو مائتي شخص في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي يعد واحدا من مراكز الأبحاث في واشنطن.
وتلقت رولا تعليمها في باريس، والولايات المتحدة، والتقت بزوجها في الجامعة الأميركية ببيروت. وأكدت أنها مسيحية دون التحدث بالتفصيل عن معتقداتها الدينية. وعوضا عن ذلك أكدت على أوجه الشبه بين الثقافتين اللبنانية والأفغانية، مشيرة إلى أنها تعلمت الصلاة باللغة العربية، وجاءت تعليقاتها عن المرأة داخل إطار من الإشارات إلى القرآن والإسلام في خطوة ذات بعد استراتيجي. وقالت رولا: «للمرأة مكانة مميزة في الإسلام». وأضافت أن التاريخ الأفغاني زاخر بالقيادات النسائية «المبهرة». وأشارت إلى أن زوجة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام كانت سيدة أعمال نافذة، وأن الملكة ثريا طرزي، زوجة الملك الأفغاني المعروف بنهجه الإصلاحي خلال عشرينيات القرن الماضي، ساعدت في تأسيس نظام تعليم حديث في البلاد.
مع ذلك قللت من شأن تطلعاتها نحو السلطة، حيث أوضحت أنها ترى أن دورها الجديد يتمثل في «الإنصات» إلى الأفغان الذين بحاجة إلى مساعدتها و«تيسير» أمورهم. ودافعت عن خليفتها في المنصب زنات كرزاي، الطبيبة التي ظلت متوارية عن أنظار العامة طوال سنوات تولي حميد كرزاي الرئاسة، وقالت إنه لا ينبغي «إلقاء اللائمة عليها» لبقائها في المنزل وتربيتها لأطفالها في عزلة.
كذلك حاولت تجنب الحديث عن قضية حقوق المرأة الشائكة مصرحة بأن الصحافة الأجنبية والمنظمات، التي تقدم مساعدات، تبالغ بشكل غير عادل في الحديث عن نكبات المرأة الأفغانية الموثقة، التي تشمل التعرض للإساءة داخل الأسرة، والإجبار على الزواج المبكر، ومقايضة العرائس، والحبس بتهمة الهروب مع رجل. وتعجبت رولا ضاحكة: «إنهم يقولون إن أفغانستان هي أسوأ دولة تولد بها فتاة. وهذا هراء».
ورغم موقف رولا المتوازن وتعاملها بذكاء مع الوضع، كان هذا الموقف بالأساس نتيجة مباشرة للإدانة التي واجهتها في بلادها، التي تتعلق بديانتها المسيحية، وميلادها في الخارج، وبالضرر المحتمل الذي تخشى الحكومة الجديدة أن يلحقه الجدل حول هذا الأمر بجهود زوجها المسلم في تحديث الدولة التي تعاني اقتصاديا وترزح تحت وطأة الصراعات.
ويمثل المسلمون 99 في المائة من سكان أفغانستان، ويعد التحول إلى الديانة المسيحية جريمة تستوجب الإعدام. كذلك جعلت هزيمة قوات الاتحاد السوفياتي على أيدي جماعات مسلحة أفغانية دينية، وما أعقبها من سنوات شهدت حكم حركة طالبان في تسعينات القرن الماضي، من المجتمع الأفغاني مجتمعا محافظا أكثر مما كان عليه في بداية فترة السبعينات، عندما وفدت رولا إلى البلاد للمرة الأولى كعروس.
ويسعى الرئيس، وهو مسؤول بارز سابق في المصرف الدولي، إلى إحداث ثورة في الثقافة الرسمية البطيئة، الفاسدة، المتجمدة، لبلاده سريعا، وسرعان ما أصبح له الكثير من الأعداء. وأثناء فترة ترشحه، بدأت حملة تشويه ضد زوجته؛ حيث حذر المنتقدون من احتمال سعيها إلى دفع الأفغانيات إلى اعتناق ديانتها، وتلاعبوا ببعض الصور بحيث يظهر زوجها وهو يصلي في كنيسة. بل ووصل الأمر إلى حد نصحه بتطليقها. مع ذلك يوم أدائه للقسم كرئيس للبلاد، أثنى الرئيس الجديد على رولا مشيرا إليها بشريكة حياته في لفتة غير مسبوقة. وخلال مقابلات تالية أثارت تصريحاتها، التي أوضحت خلالها ضرورة مشاركة المرأة في مجال التجارة، والحياة المهنية والعامة، موجة من الانتقادات. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) أثارت موجة جديدة من الجدل بقولها إنها دعمت حظر الحكومة الفرنسية على المسلمات ارتداء النقاب مضيفة أنها لن ترتدي النقاب أبدا. وذكر مسؤولون معاونون في الحكومة لاحقا أنه تم نقل تصريحاتها بشكل غير دقيق.
والآن بعد فترة من العزلة النسبية، تطل السيدة الأولى من جديد بشخصية جديدة أقل إثارة للجدل، ويشار إليها رسميا باسم «بيبي غول»، وهو لقب تقليدي أفغاني يعني سيدة الزهرة.
وأكدت خلال تصريحات أخيرة لها على عدم اعتزامها استغلال منصبها في تحدي القيم الأفغانية. وقالت في إحدى المقابلات: «ليس هدفي هو إحداث ثورة. أنا هنا لأساعد السيدات في ترسيخ مكانتهن داخل الأسرة».
وخلال ظهورها يوم الأربعاء حاولت أن تفرق بين الرؤية المعتدلة للإسلام، التي سادت المجتمع الأفغاني خلال سبعينات القرن الماضي، والرؤية المتعصبة السائدة اليوم التي روجت لها حركة طالبان وجماعات متطرفة أخرى والتي قالت عنها إنها «شوهت» صورة الإسلام الحقيقية. وأضافت: «يجب علينا العودة إلى الأصول».
وظلت طوال فترة المناقشة تقريبا تعبر عن النهج الرسمي بابتهاج وتتحدث بحماس عن أفغانستان، مؤكدة أن «السماء لا تنهار»، وحثت الطلبة الأفغان في الولايات المتحدة على العودة إلى أرض الوطن من أجل المشاركة في إعادة بنائه. ولم تفقد السيطرة على شعورها بالإحباط إلا في لحظات صدق قصيرة؛ فمثلا اندفعت قائلة إنه لا يوجد «احترام للمرأة» في وزارتي الأمن الرئيسيتين، التي يسيطر عليهما خصوم زوجها من حيث العرق منذ فترة طويلة.
وكان من بين الحضور نساء أفغانيات يعملن في تخصصات مهنية مختلفة، وطلبة، وزملاء أميركيون، من منظمات خيرية ومنظمات نسائية كثيرة. وفي حين عبّر الكثير منهم عن حماسته تجاه قدرة رولا على تغيير المجتمع الأفغاني، أشار آخرون إلى أنها ستظل مقيدة بسبب المناخ السياسي والديني المحافظ السائد.
وربما تساعد محاولات رولا تقديم نفسها كشخصية لا تمثل تهديدا مثل الجدات في مواجهتها لمحاولات منتقديها تشويه سمعتها بزعم أنها تمثل نفوذا أجنبيا يسعى للإفساد. مع ذلك يمثل سفرها إلى الغرب وحدها، وظهورها علنا من دون غطاء للرأس، تحديا لتاريخ أفغانستان. وفي عشرينات القرن الماضي عندما قامت الملكة ثريا بجولة أوروبية من دون غطاء للرأس، كان رد فعل المجتمع الأفغاني المحافظ سلبيا إلى الحد الذي أدى إلى سقوط حكومة زوجها بعدها بفترة قصيرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»



برلمان كوريا الجنوبية يعزل الرئيس... ويون: سأتنحى ولن أستسلم

TT

برلمان كوريا الجنوبية يعزل الرئيس... ويون: سأتنحى ولن أستسلم

رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول ينحني بعد خطاب اعتذار بثه التلفزيون الرسمي في 7 ديسمبر (أ.ف.ب)
رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول ينحني بعد خطاب اعتذار بثه التلفزيون الرسمي في 7 ديسمبر (أ.ف.ب)

صوّت البرلمان في كوريا الجنوبية، السبت، على عزل الرئيس يون سوك يول، بعد محاولته الفاشلة لفرض الأحكام العرفية وعرقلة عمل المؤسسة التشريعية عبر اللجوء إلى الجيش في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقال يون سوك يول، عقب قرار عزله، إنه «لن يستسلم أبداً»، داعياً في الوقت ذاته إلى الاستقرار.

واحتشد عشرات آلاف المتظاهرين أمام الجمعية الوطنية في أثناء إجراء عملية التصويت، معبرين عن فرحتهم لدى إعلان رئيس البرلمان وو وون شيك نتيجة التصويت. وصوّت 204 نواب لصالح مذكرة العزل، في حين عارضها 85 نائباً، وامتنع ثلاثة نواب عن التصويت، وأُبطلت ثماني بطاقات تصويت. وكان ينبغي أن يوافق البرلمان على مذكرة العزل بأغلبية 200 صوت من أصل 300. ونجحت المعارضة، التي تضم 192 نائباً، في إقناع 12 من أصل 108 من أعضاء حزب السلطة للشعب الذي ينتمي إليه يون، بالانضمام إليها. وبذلك، عُلق عمل يون في انتظار قرار المحكمة الدستورية المصادقة على فصله في غضون 180 يوماً. ومن المقرر أن يتولّى رئيس الوزراء هان دوك سو مهام منصبه مؤقتاً.

«انتصار عظيم»

قال زعيم الحزب الديمقراطي الذي يمثّل قوى المعارضة الرئيسة في البرلمان، بارك تشان داي، بعد التصويت، إن «إجراءات العزل اليوم تمثّل انتصاراً عظيماً للشعب والديمقراطية»، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقبل التصويت، أكد بارك في كلمة أمام البرلمان، أن فرض الأحكام العرفية يشكّل «انتهاكاً واضحاً للدستور وخرقاً خطيراً للقانون»، مضيفاً أن «يون سوك يول هو العقل المدبر لهذا التمرد».

رئيس الجمعية الوطنية وو وون شيك يوقّع على قرار عزل رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول في 14 ديسمبر (أ.ف.ب)

وأضاف: «أحضكم على التصويت لصالح العزل من أجل ترك درس تاريخي مفاده بأن أولئك الذين يدمّرون النظام الدستوري سوف يُحاسبون»، لافتاً إلى أن «يون سوك يول هو الخطر الأكبر على جمهورية كوريا». وفي السابع من ديسمبر الحالي، فشلت محاولة أولى لعزل يون عندما غادر معظم نواب حزب السلطة للشعب الجلسة البرلمانية لمنع اكتمال النصاب القانوني.

مظاهرات واسعة

عند إعلان عزل يون، عبّر نحو 200 ألف متظاهر كانوا محتشدين أمام الجمعية الوطنية عن فرحهم، ورقصوا على أنغام موسيقى البوب الكورية الصاخبة، كما احتضنوا بعضهم فيما كانوا يبكون، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وقالت تشوي جانغ ها (52 عاماً): «أليس من المدهش أننا، الشعب، حققنا هذا معاً؟».

كوريون جنوبيون يحتفلون بعد عزل البرلمان الرئيس يون سوك يول في 14 ديسمبر (رويترز)

في المقابل، تجمّع آلاف من مناصري يون في وسط سيول، حيث حُملت أعلام كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وقال يون للتلفزيون إنه «محبط للغاية»، مؤكداً أنه «سيتنحى جانباً لبعض الوقت». ودعا إلى إنهاء «سياسة الإفراط والمواجهة» لصالح «سياسة التروي والتفكير». وأمام المحكمة الدستورية ستة أشهر للمصادقة على قرار البرلمان أو نقضه. ومع تقاعد ثلاثة من قضاتها التسعة في أكتوبر (تشرين الأول) من دون أن يجري استبدالهم بسبب الجمود السياسي، سيتعيّن على الستة المتبقين اتخاذ قرارهم بالإجماع. وإذا تمّت الموافقة على العزل فستُجرى انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة ستين يوماً. وتعهّد رئيس المحكمة مون هيونغ باي باتخاذ «إجراء سريع وعادل»، في حين دعا بقية القضاة إلى أول اجتماع صباح الاثنين.

تحديات قانونية

ويون سوك يول (63 عاماً) هو ثالث رئيس في تاريخ كوريا الجنوبية يعزله البرلمان، بعد بارك جون هيي في عام 2017، وروه مو هيون في عام 2004، غير أن المحكمة العليا نقضت إجراءات عزل روه موه هيون، بعد شهرين على اتخاذ القرار بعزله من قبل البرلمان. وباتت الشبكة القضائية تضيق على يون سوك يول ومعاونيه المقربين، بعد إبعاده عن السلطة وخضوعه لتحقيق جنائي بتهمة «التمرد» ومنعه من مغادرة البلاد.

زعيم الحزب الديمقراطي لي جاي ميونغ يُدلي بصوته خلال جلسة عامة للتصويت على عزل الرئيس يون سوك يول في 14 ديسمبر (أ.ب)

وكانت النيابة العامة قد أعلنت، الجمعة، توقيف رئيس القيادة العسكرية في سيول، كما أصدرت محكمة مذكرات توقيف بحق قائدي الشرطة الوطنية وشرطة سيول، مشيرة إلى «خطر إتلاف أدلة». وكان وزير الدفاع السابق كيم هونغ هيون، الذي يُعدّ الشخص الذي دفع الرئيس إلى فرض الأحكام العرفية، أول من تم توقيفه واحتجازه في الثامن من ديسمبر الحالي.

وأحدث يون سوك يول صدمة في كوريا الجنوبية ليل الثالث إلى الرابع من ديسمبر، عندما أعلن الأحكام العرفية للمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود في البلاد، وأرسل الجيش إلى البرلمان، في محاولة لمنع النواب من الاجتماع. مع ذلك، تمكّن النواب من عقد جلسة طارئة في قاعة محاطة بالقوات الخاصة، وصوّتوا على نص يطالب بإلغاء الأحكام العرفية، الأمر الذي كان الرئيس ملزماً دستورياً على الامتثال له. وكان يون سوك يول مدعياً عاماً في السابق، وقد دخل السياسة متأخراً وانتُخب رئيساً في عام 2022. وبرر انقلابه الأخير بأنه لـ«حماية كوريا الجنوبية الليبرالية من التهديدات التي تشكلها القوات الشيوعية الكورية الشمالية والقضاء على العناصر المعادية للدولة»، مُتهماً البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة بنسف كل مبادراته وتعطيل البلاد.