«تأرجح» بدمشق في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي

نموذج لورقة نقدية جديدة فئة 5 آلاف ليرة سورية عرضت في 24 يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ب)
نموذج لورقة نقدية جديدة فئة 5 آلاف ليرة سورية عرضت في 24 يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ب)
TT

«تأرجح» بدمشق في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي

نموذج لورقة نقدية جديدة فئة 5 آلاف ليرة سورية عرضت في 24 يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ب)
نموذج لورقة نقدية جديدة فئة 5 آلاف ليرة سورية عرضت في 24 يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ب)

شهد سعر صرف الليرة السورية صباح أمس تراجعاً جديداً أمام الدولار الأميركي، تبعه تحسن في فترة الظهيرة، من دون أن يصل إلى المستوى الذي حافظ عليه في الأيام القليلة الماضية.
وعز خبراء هذا التدهور والتقلب في سعر الصرف مؤشراً على هشاشة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية وساهمت في تحسين سعر صرف الليرة بنسبة 40 في المائة بعد التدهور التاريخي الذي شهده في مارس (آذار) الماضي.
وبعد أن تدهورت الليرة السورية أمام الدولار الأميركي منذ فبراير (شباط) الماضي حتى أواسط مارس (آذار) من 3000 ليرة إلى 4800، اتخذت السلطات العديد من الإجراءات، تحرك بعدها سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية هبوطاً من 4800 ليرة إلى ما يقارب 2850 لكل دولار في العشرين من أبريل (نيسان) الجاري. لكن تلك الإجراءات لم تتمكن من جعل الدولار يهبط متجاوزاً حاجز 2850 ليرة الذي مثل ذروة الانخفاض، ليعاود وفق حديث متعاملين في السوق الموازية لـ«الشرق الأوسط»، حركة الصعود تدريجياً الاثنين الماضي إلى 2950، ويكسر الثلاثاء حاجز 3000، وليصعد صباح أمس إلى 3300 ومن ثم يهبط ظهراً إلى 3200.
وسارعت المواقع والصفحات الزرقاء المرتبطة بالسلطات إلى التحذير من مغبة الانجرار إلى شراء الدولار، معتبرة أن ما يجري هو مضاربات هدفها رفع سعر صرف الدولار ووصفت الارتفاع بـ«الوهمي».
وترافق الانهيار التاريخي في مارس (آذار) الذي أثار سخط المواطنين في مناطق سيطرة الحكومة لا سيما الموالين لها الذين يعتمدون في معيشتهم على رواتبهم، مع إعلان السلطات السورية عن إصابة الرئيس بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس بفيروس «كوفيد 19» وخضوعهما للعزل. وفور شفاء الرئيس الأسد ترأس اجتماعاً للحكومة من أجل إطلاق إجراءات هدفت إلى وقف التدهور المتسارع في سعر صرف العملة المحلية.
وبحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات صممت جملة من الإجراءات للتعامل مع تدهور الليرة المنفلت من عقاله، وكانت جاهزة منذ بداية العام، وذكرت المصادر أن المستوى السياسي تريث في الإعلان عن الإجراءات كي تأتي متزامنة مع انطلاق الحملة الانتخابية للرئيس الأسد في الانتخابات الرئاسية التي ستجري الشهر المقبل.
ومع تعمق أزمة سعر الصرف في أواسط مارس، ألقت الجهات الأمنية القبض على جميع الصيارفة، في أوسع حملة تشنها خلال الأزمة، وأقال الرئيس الأسد حاكم مصرف سوريا المركزي حازم قرفول وسط حملة إعلامية نادرة ضده اتهمته بالتسبب بأزمة الليرة.
كما قامت السلطات بالتجاوب مع الطلب المزمن للمنظمات الدولية برفع سعر صرف الدولار الرسمي لها من 1250 إلى 2500، ورفعت سعر صرف الدولار لتصريف 100 دولار على الحدود من 1250 إلى 2500، وسمحت لشركات الحوالات بتسليم المواطنين حوالاتهم بالدولار الأميركي. وقد رصدت «الشرق الأوسط» إحدى شركات التحويل تسلم أربعة مواطنين ما مجموعه 18 ألف دولار أميركي خلال أقل من نصف ساعة.
ووافقت السلطات أيضاً على السماح لشركات الصيرفة ببيع الدولار للصناعيين والمستوردين بسعر السوق الموازي، وأخيراً رفعت سعر الصرف للدولار إلى مستوى 2500 بعد أن كان 1250.
كما تحركت «ماكينة البروباغندا» الخاصة بالسلطات لترويج لقرب رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا، والتأكيد على أن سعر صرف الدولار في السوق الموازي سينهار إلى مستويات قريبة من المستوى الرسمي البالغ 2500 ليرة مقابل كل دولار.
ويقول خبير اقتصادي لـ«الشرق الأوسط»: «لم يتخيل أحد أن تكون الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها السلطات السورية مؤخراً من أجل إيقاف عجلة التدهور في سعر الصرف والتضخم المنفلت عن عقاله للعملة المحلية، هشة وقابلة للنكوص بهذه السرعة».
ويشير الخبير إلى أن السلطات لا تملك القوة الكافية كي تحدد منفردة سعر صرف الليرة، وسط وجود عوامل هيكلية وقوى أخرى يهمها استمرار وتيرة التراجع، فالاقتصاد يعاني الأمرين بعد عشر سنوات من الأزمة والحرب والدمار، ووراد سوريا من القطع الأجنبي ينحصر في المساعدات الدولية والقروض الخارجية من الحلفاء والحوالات، وسط نزيف هائل لتأمين متطلبات حياة السوريين من مواد بترولية وقمح باتا خارج سيطرة الحكومة، كما أن العقوبات تفرض نفسها على معادلة الاقتصاد السوري، بينما تزيد الصعوبات جائحة «كوفيد – 19».
ويلفت إلى أن السلطات السورية نجحت بشكل جزئي في الفصل المؤقت للمسار بين الليرتين السورية واللبنانية واللتين تبادلتا التأثير منذ دخول لبنان في أزمه مالية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019. ويضيف: «في الآونة الأخيرة... بتنا نرى الليرة السورية تتحسن، بينما نظيرتها اللبنانية على حالها أو أنها تتدهور في بعض الأحيان».
ويؤكد الخبير، أن هذه الظاهرة ستقود إلى عملية مراجحة بين الليرتين وأنها كفيلة بعودة انخفاض الليرة السورية لتقارب مستويات انخفاض العملة اللبنانية، ويلفت إلى أن تدفق الدولارات الذي شهدته سوريا مؤخراً، عبر حوالات المغتربين في أوروبا، قدرته مصادر إعلامية مقربة من الحكومة السورية بعشرة ملايين دولار أميركي، قد يجد طريقه إلى لبنان نتيجة وجود طلب مهم على الدولار في لبنان، يمكن تأمينه من السوق السورية، خصوصاً من خلال «حزب الله».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».