فلسطين تغني وترسم خريطتها ورموزها بالزيتون.. في المغرب

تحضر «ضيف شرف» في الدورة الـ 21 لمعرض الدار البيضاء للنشر والكتاب

رواق دولة فلسطين ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء (تصوير: محمد امحيمدات)
رواق دولة فلسطين ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء (تصوير: محمد امحيمدات)
TT

فلسطين تغني وترسم خريطتها ورموزها بالزيتون.. في المغرب

رواق دولة فلسطين ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء (تصوير: محمد امحيمدات)
رواق دولة فلسطين ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء (تصوير: محمد امحيمدات)

أكد احتفاء المعرض الدولي للنشر والكتاب للدار البيضاء بدولة فلسطين، في دورته الـ21، التي تُنظم تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، المكانة الخاصة التي يعطيها المغاربة للقضية الفلسطينية، أرضا وذاكرة وثقافة.
ويأتي اختيار فلسطين «ضيف الشرف»، في دورة هذه السنة من المعرض المغربي، جريا على عادة تقليد الدورات السابقة، التي كان يتم خلالها اختيار ضيف شرف يحظى باحتفالية تلقي مزيدا من الضوء على منجزه الحضاري والثقافي والمعرفي، عبر تنظيم محاضرات ولقاءات مفتوحة مع عموم الجمهور.
وقال محمد الأمين الصبيحي وزير الثقافة المغربي، إن احتفاء التظاهرة المغربية بفلسطين يأتي «تكريسا وترسيخا وامتدادا للأواصر التاريخية والثقافية والوجدانية الكبرى التي ما انفكت تربط المغرب بهذا البلد العربي العريق والمكافح».
ويتضمن البرنامج جملة من الفعاليات تتوزعها ندوات ومحاضرات ولقاءات تتعلق بالأدب الفلسطيني، وتجربة الاعتقال، والجانب العمراني، والقدس وتراثها، عاكسا حالة من التعدد على مستوى المشاركين الذين يمثلون الكل الفلسطيني على مستوى الوجود الجغرافي، ومجالات الإبداع المختلفة، فضلا عن فقرات فنية تختصر عددا من مجالات الإبداع الفلسطيني.
وتحضر القدس، في التظاهرة المغربية، برمزيتها الدينية وحمولتها الحضارية ودسامتها التاريخية وامتداداتها الوجدانية، وتنشط الذاكرة، عبر ندوات ومحاضرات ولقاءات، في استحضار أعلام كبار خالدين، أحياء وراحلين.
وأبرز الأديب يحيى يخلف، رئيس الوفد الفلسطيني، خلال ندوة «القدس: سؤال الثقافة والوجود»، التي أدارها الناقد المغربي عبد الفتاح الحجمري، في ثاني أيام التظاهرة، أن الثقافة تبقى أبرز ركائز الشخصية الفلسطينية في بعديها العربي والإنساني، مبرزا أن أجيالا جديدة من المبدعين تتسلم المشعل من الأجيال السابقة، مشيرا، على سبيل المثال، إلى بلوغ الروائي عاطف أبو سيف اللائحة القصيرة لجائزة «البوكر» 2015، بـ«حياة معلقة».
ومن الفقرات الفنية القوية للاحتفاء المغربي بفلسطين، في شقه الفني، كان الجمهور المغربي، في ثاني وثالث أيام التظاهرة، مع فرقة «سرية رام الله للفنون الشعبية»، التي قدمت لوحات فولكلورية فلسطينية راقصة مستلهمة من التراث الشعبي الفلسطيني.
وتحت عنوان «لغة الزيتون»، تحضر فلسطين ألوانا ورسما، عبر موعد يومي مع الفنانة التشكيلية الفلسطينية أريج لاون، تقوم خلاله، أمام أنظار زوار المعرض، برسم لوحات، تمثل خريطة بلدها وشخصيات وطنية بصمت تاريخ القضية الفلسطينية، كمحمود درويش وياسر عرفات، موظفة في ذلك حبات الزيتون، الذي يبقى من رموز دولة فلسطين، وعنوانا لصمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
ولأن للسينما قيمتها وحضورها في نقل الهم الفلسطيني إلى العالم، فقد كان الجمهور، خلال ثالث ورابع وخامس أيام التظاهرة، على موعد مع 3 أفلام فلسطينية: «وحدن»، لمخرجه فجر يعقوب، وهو يتناول سيرة 3 من رواد السينما اللبنانية: كريستيان غازي، الذي تتميز لغته السينمائية بربط الصراع الوطني بالبعد الطبقي؛ وجورج نصر، أحد سفراء السينما اللبنانية إلى مهرجان «كان» في سنة 1956؛ ونبيهة لطفي التي تتميز بمزاوجتها بين تجربتها في السينما اللبنانية والفلسطينية والمصرية، من خلال تجارب متعددة، مستمرة منذ عقود عدة.
أما «نون وزيتون»، لمخرجته امتياز دياب، فيتناول قصصا مختلفة عن معاناة الفلسطينيين جراء المخططات الصهيونية الرامية إلى اجتثاثهم من أرضهم، وتهجيرهم خارج فلسطين. فيما يعرض فيلم «فدوى: حكاية شاعرة من فلسطين»، وهو عن سيناريو وإخراج ليانة بدر، حياة الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان منذ طفولتها، وعلاقتها بمدينتها نابلس، وذلك الصراع الاجتماعي المر الذي خاضته في سبيل إثبات شخصيتها في أوائل القرن العشرين، كما يعرض لعلاقتها المتميزة مع أخيها الشاعر إبراهيم طوقان الذي عمل على دعمها وتدريسها إثر حرمانها من الخروج من الدار، لتكافح وتعمل طويلا وهي تطلق أشعارها الجميلة، معبرة عن أحلام الفلسطينيين بالحرية والاستقلال، خلال فترات تاريخية لم يكن فيها صوت المرأة مسموعا، لتثبت أنها شاعرة عربية كبيرة لها وزنها وقيمتها في تاريخ الشعر العربي المعاصر.
يشار إلى أن دورة هذه السنة من معرض الدار البيضاء، التي تتواصل إلى غاية يوم الأحد القادم، تعرف مشاركة 740 ناشرا (281 عارضا مباشرا و459 عارضا غير مباشر) يمثلون 46 دولة، يقترحون على زوار التظاهرة ما يناهز 110 آلاف عنوان في نحو 3 ملايين نسخة. ويتضمن البرنامج الثقافي للتظاهرة، الذي ساهمت في صياغته لجنة مؤسساتية تضم 14 هيئة، 133 نشاطا ثقافيا، ضمنها 45 نشاطا مخصصا للطفل، بمشاركة 284 متدخلا من محاضرين ومبدعين ومفكرين ومؤطرين. كما عرفت التظاهرة، خلال أيامها الأولى، تنظيم حفلات تسليم «جائزة الأركانة» العالمية للشعر، التي يمنحها «بيت الشعر في المغرب»، و«جائزة المغرب للكتاب» برسم 2015، فضلا عن الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».