في 13 أبريل (نيسان) من كل عام، يستعيد اللبنانيون ذكرى مريرة عاشوها في عام 1975، يوم اندلاع الحرب الأهلية. هذا التاريخ الذي لم ينسه اللبنانيون رغم مرور نحو 46 عاماً، لا يزالون يحيونه ويسلطون الضوء عليه من باب التوعية. فالحروب تعد أقسى ما يمكن أن تتعرض له الإنسانية، وينتج عنها ضحايا وشهداء وفقر وحقد وكره وشرذمة شعوب، يلزمها سنوات طويلة لإعادة اللحمة إليها.
وفي هذا الموضوع ينظم المركز الدولي لعلوم الإنسان في مدينة جبيل، وبرعاية منظمة اليونيسكو (Cish - unesco)، مؤتمراً ثقافياً وفنياً على مدى يومي 28 و29 أبريل (نيسان) الجاري. ويتضمن نشاطات مختلفة ومن بينها معرض ماريا شختورة للصور الفوتوغرافية، ونقاشات تدور حول طاولات مستديرة مع مؤرخين لبنانيين.
وتشير مديرة المركز دارين صليبا أبو شديد، إلى أنّ الهدف من إقامة هذا المعرض هو توعية جيل الشباب حول مخاطر الحرب. وكذلك تذكير الأجيال التي عاشت المعارك بمدى قساوتها، كي لا ينسوها ويورثونها إلى أولادهم. فالانغماس في عالم الحقد والكراهية السائد على الخطاب السياسي اليوم، كما على العلاقات الإنسانية بين اللبنانيين، لا يعرف نتائجه إلا من عاش الحرب اللبنانية، وتكبد خسارات جمة من ورائها. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن طبيعة رسالتنا في المركز محورها نشر السلام وبنائه ضمن حوار الحضارات. ولأنّنا اليوم نعيش أجواء تحريضية تسود البلاد قررنا إقامة هذا المؤتمر. فمن خلاله نسلط الضوء على بشاعة الحرب، وكيف يجب عدم الاستخفاف بإمكانية حدوثها. حتى إننا استعنا بمقاتلين قدامى كي يتحدثوا بشهادات حية عن تجربتهم مع الحرب اللبنانية، خصوصاً أنهم اليوم يدعون إلى رفضها تماماً ويعملون من أجل السلام».
وترى دارين صليبا أبو شديد أنّ الزعماء والسياسيين الذين تسببوا بالحرب يستطيعون هم أنفسهم أن يبنوا السلام. «إنّهم يعرفون كيف تدار الحروب والعكس صحيح». وتختم: «يهمنا أن نستذكر هذه الفترة كي نتعلم منها الدروس، فلا نعود نرتكب أخطاء الأمس نفسها».
ويفتتح المؤتمر صباح اليوم بجلسة تحمل عنوان «دور ذاكرة الحرب، لماذا نتذكر؟ مع رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وداد حلواني. فيما يتحدث دكتور أوهانيس جيوكجيان وهو أستاذ محاضر في الجامعة الأميركية عن كيفية بناء السلام والثقة بين مجتمع منقسم ونظام طائفي.
ويطل المؤتمر على الفتن الأهلية في الكتب المدرسية، من خلال نقاش يجري في الجلسة الثانية من المؤتمر، يديره دكتور مروان أبي فاضل مدير كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية. ومن الموضوعات التي يتم التطرق إليها أيضاً في هذا الحدث، مشكلة لبنان السياسية، وشروط السلم الأهلي للغد.
فيما تتألف نشاطات اليوم الثاني من طاولات مستديرة، يشارك فيها الشيخ حامد صالح، حول أهمية الحوار والسلام وحقوق الإنسان في بناء الدولة. ودكتور ريتشارد كابلان أستاذ العلاقات الدولية في كلية أوكسفورد البريطانية، الذي سيتحدث عن إدارة الصراع وكيفية بناء السلام. ويشارك أيضاً في المؤتمر كل من بريجيت شبلر رئيسة المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، وكريستوف ديوارتس الممثل المقيم لمؤسسة هانس سايدل. فيما يتحدث البروفسور أنطوان مسرة عن علم النفس التاريخي والتحليل النفسي في علاج لبنان.
ومن المقاتلين القدامى المشاركين في المؤتمر أسعد الشفتري وزياد صعب، الذين ينتمون اليوم إلى جمعية «مقاتلون من أجل السلام».
ويقام بموازاة المؤتمر معرض للصور الفوتوغرافية لماريا شختورة يستمر لغاية 21 مايو (أيار). ويتناول هذه الذكرى ضمن مجموعة صور التقطتها شختورة بين أعوام 1975 و1978. وتضمنتها إحدى كتبها التي صدرت في تلك الفترة بعنوان «حرب الغرافيتي». وتقول شختورة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إنها مجموعة صور تحكي عن حرب الشعارات التي سادت لبنان في فترة الحرب، وكل منها تحمل دلالة على التوجه السياسي لمقاتلين في أحياء وأزقة وشوارع لبنانية». وتتابع: «لقد كانوا يتبادلونها بين بعضهم بحيث كانت تشكل حوار حرب من نوع آخر. وأردنا من خلال هذا المعرض أن نحذر من إعادة تلك الفترة إلى لبنان لأنّها مؤذية وبشعة. فالشعارات التي كانت تكتب وترسم بالغرافيتي على الحيطان، تمثل لسان حال المقاتلين في تلك الفترة، والكره الذي كان يكنه اللبناني لأخيه. حتى إنّ بعضها كان يتداخل مع الوجود الفلسطيني، الذي شكل في تلك الحقبة عنصراً مهماً من عناصر الحرب الأهلية في لبنان، إثر الانقسام الذي حصل بين مؤيدين ومعارضين له في لبنان».
ويعرض المؤتمر في المناسبة فيلماً وثائقياً مدته نحو 30 دقيقة صورته ماريا شختورة أيام الحرب بعنوان «الخط الأخضر». وهو يحكي عن خطوط التماس التي حضرت بين شوارع المنطقة الواحدة، لتفصل بين شرق بيروت وغربها. وتوضح شختورة: «لقد صورت طبيعة حياة اللبنانيين الذين يسكنون على خطوط التماس، والغربة التي كانوا يشعرون بها في بلادهم ومناطقهم الممتدة بين أسواق بيروت وصولاً إلى منطقة الحدث. والفيلم هو من إخراج بهيج حجيج الذي تعاونت معه في تنفيذه».
«حرب لبنان ذكرى وعبر» في مؤتمر فني ثقافي
يتضمن معرض صور فوتوغرافية ونقاشات حول طاولات مستديرة
«حرب لبنان ذكرى وعبر» في مؤتمر فني ثقافي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة