باريس ستطرح مشروع قانون جديداً لمواجهة الإرهاب غداً

«الهجرات» و«الإسلاموية» و«التطرف» تطغى على الجدل السياسي

سيدة فرنسية تسلم وروداً تكريماً للشرطية ستيفاني مونفيرم مقابل المقر الذي قتلت على مدخله في مدينة رامبوييه يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
سيدة فرنسية تسلم وروداً تكريماً للشرطية ستيفاني مونفيرم مقابل المقر الذي قتلت على مدخله في مدينة رامبوييه يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
TT

باريس ستطرح مشروع قانون جديداً لمواجهة الإرهاب غداً

سيدة فرنسية تسلم وروداً تكريماً للشرطية ستيفاني مونفيرم مقابل المقر الذي قتلت على مدخله في مدينة رامبوييه يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
سيدة فرنسية تسلم وروداً تكريماً للشرطية ستيفاني مونفيرم مقابل المقر الذي قتلت على مدخله في مدينة رامبوييه يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)

أحدث العمل الإرهابي الذي ارتكبه التونسي جمال قرشان في مدينة رامبوييه يوم الجمعة الماضي، بقتله (ذبحاً) موظفة في مقر شرطة المدينة الوادعة تقليدياً، صدمة كبيرة ما زالت تأثيراتها تتواصل على المستويات السياسية والأمنية والقضائية. وفي حين شهدت هذه المدينة بعد ظهر أمس تجمعاً تكريمياً للشرطية ستيفاني مونفيرم، مقابل المقر الذي قتلت على مدخله، دعت عدة نقابات للشرطة إلى تجمعات صامتة مماثلة أمام المقرات والمخافر على الأراضي الفرنسية كافة، تكريماً للضحية من جهة، وتعبيراً عن النقمة إزاء تكاثر العمليات «الإرهابية الإسلاموية» التي تستهدف أفراد قوى الأمن من جهة أخرى.
وبحسب المدعي العام لشؤون الإرهاب، جان فرنسوا ريكار، فإن هذه القوى تعرضت منذ عام 2014 لـ17 عملية إرهابية، غالبيتها بالسلاح الأبيض. ومثلما كان متوقعاً، ولدى حصول أي عملية من هذا النوع، يسارع اليمين الكلاسيكي، ممثلاً في حزب «الجمهوريين» واليمين المتطرف وزعيمته مارين لوبان المرشحة الرئاسية السابقة التي ستكون على الأرجح منافسة الرئيس إيمانويل ماكرون في الانتخابات المقبلة ربيع عام 2022، إلى اتهام الرئيس والحكومة بـ«الضعف» و«التراخي» و«الفشل» في مواجهة الإرهاب الذي يضرب فرنسا منذ عام 2015، والذي أوقع 261 ضحية وعدة مئات من الجرحى.
ولم يكن مفاجئاً أن تربط الانتقادات بين الإرهاب والهجرات غير الشرعية والتوجهات «الإسلاموية» الراديكالية. ويبدو واضحاً اليوم أن ثلاثية «الإرهاب - الهجرات - الإسلاموية» ستكون طاغية على الجدل السياسي، وعلى الحملة الرئاسية المقبلة، إلى جانب مواجهة وباء «كوفيد - 19». وبالطبع، فإن السلطات ترد الاتهامات، وتنفي التراخي أو السذاجة في التعامل مع هذه الثلاثية، فماكرون سارع إلى تأكيد أنه «لا انحناء في الحرب أمام الإرهاب الإسلاموي»، في حين أكد وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، أن يده «لن ترتجف في هذه المعركة».
وسابقاً، كانت العمليات الإرهابية تدفع الطبقة السياسية لرص الصفوف، والتركيز على «الوحدة الوطنية» لمواجهة ظاهرة جزء منها آتٍ من وراء الحدود، والجزء الآخر الطاغي في السنوات الأخيرة محلي الطابع. لكن مع اقتراب استحقاقين انتخابين (الرئاسيات، وقبلها الانتخابات الإقليمية أواخر يونيو/ حزيران المقبل)، فإن الوحدة الوطنية «تبخرت»، وفتح الباب على مصراعيه لتبادل التهم وتصفية الحسابات وتسجيل النقاط.
وتفيد استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة من الفرنسيين تستشعر فقدان الأمن، وتعد أن هذا العامل سيكون «مؤثراً» في العملية الانتخابية. وهكذا، فإن لوبان سارعت للتعبير عن خطورة ما يحصل، بقولها: «لم نعد قادرين على تحملها (العمليات الإرهابية)»، معتبرة أن الوضع الأمني «لم يكن أبداً بهذه الخطورة». وبحسب زعيمة اليمين المتطرف، فإن ماكرون «صنو الفوضى».
ومن جانبه، اتهم نائب يميني الحكومة بـ«السذاجة» و«الشلل» إزاء الإرهاب، مؤكداً أنه «في غياب إجراءات أمنية ملموسة، فإن الفرنسيين مستمرون في التساقط في العمليات الإرهابية». أما رئيسة منطقة إيل دو فرانس (باريس ومحيطها)، فقد ربطت مباشرة بين تواصل العمليات الإرهابية وموضوع الهجرات غير الشرعية التي تنصب في فرنسا انطلاقاً من اعتبار أن غالبية العمليات الإرهابية قام بها مهاجرون وصلوا «حديثاً» إلى البلاد. كذلك تتهم السلطات بأنها تلجأ إلى تسوية أوضاع لاجئين وصلوا بطريقة غير شرعية، في إشارة إلى حالة الجاني جمال قرشان الذي وصل إلى فرنسا في عام 2009 بطريقة غير شرعية، وبقي 9 سنوات في هذه الحالة، قبل أن يسوى وضعه في عام 2019، بينما يقول القانون إنه كان يتعين ترحيله.
وذهب نائب رئيس حزب «الجمهوريين»، النائب غيوم بللوتيه، إلى السخرية من ماكرون الذي أكد في حديث سابق لصحيفة «لو فيغارو» سعيه لتوفير «حياة هانئة» للفرنسيين. وغرد بللوتيه قائلاً: «مارون: أين الحياة الهانئة؟!». الرد الحكومي جاء مزدوجاً. فمن جهة ندد عدة وزراء، بينهم وزير العدل أريك دوبون موريتي، بـ«استغلال اليمين» للمأساة الأخيرة وللتأثر الشعبي لأغراض محض سياسية، وكذلك أبدى أسفه للتوجهات «الخطيرة» لبعض الطبقة السياسية. وذهب غبريال أتال، الناطق باسم الحكومة، في الاتجاه نفسه، معرباً عن «ذهوله» إزاء بعض التعليقات، مستهدفاً بشكل خاص مارين لوبان التي وصفها بـ«الطائر الكاسر» الذي يحوم حول الجثث. بيد أن الرد الأقوى جاء من وزير الداخلية. ففي حديث مطول إلى صحيفة «جي دي دي» الأسبوعية، هاجم جيرالد دارمانان ما سماها «المقترحات الغوغائية» لمحاربة الإرهاب، ومنها مثلاً أن كزافيه برتراند، الساعي إلى الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة يدعو إلى إنزال حكم بالسجن لمدة 50 عاماً ضد أي شخص يحكم عليه بالضلوع في عمل إرهابي. أما الشق الآخر من الرد الحكومي، فعنوانه إعلان دارمانان أنه سيقدم غداً مشروع قانون جديداً لتعزيز دور المخابرات الداخلية من أجل مزيد من الإجراءات لمحاربة الإرهاب، وذلك بناء على طلب رئيس الجمهورية. وفي سياق متصل، أعلن وزير العدل أن مشروع قانون آخر سيعرض على مجلس الوزراء نهاية مايو (أيار) المقبل لسد الفراغ القانوني في موضوع «غياب المسؤولية الجنائية» في عمليات إرهابية، بحجة «تناول المخدرات وفقدان البصيرة».
ويأتي ذلك رداً على اعتبار محكمة التمييز، قبل أسبوعين، أن قاتل المرأة اليهودية المسنة سارة حليمي التي أجهز عليها في 4 أبريل (نيسان) 2017 «ليس مسؤولاً عن عمله»، كونه تناول المخدرات، وتحديداً كمية كبيرة من حشيشة الكيف (القنب الهندي)، الأمر الذي أثار حفيظة كثيرين، خصوصاً في أوساط الجالية اليهودية.
وهكذا، تستمر فرنسا متخبطة في ظل أجواء مسمومة مرشحة للاستمرار مع كل عملية إرهابية، يبدو اليوم أن التخلص منها نهائياً ليس متيسراً، باعتبار أنها من عمل أفراد متطرفين إسلامويين غير مرتبطين بجهات خارجية، يتحركون بدوافع شخصية يصعب معها التنبؤ بقرب إقدامهم على ارتكاب هذا النوع من الإرهاب الفردي.


مقالات ذات صلة

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

العالم إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

قضت محكمة إسبانية، الجمعة، بالسجن 10 سنوات على زعيم خلية «إرهابية» نشطت في برشلونة، و8 سنوات على 3 آخرين بتهمة التخطيط لهجمات ضد أهداف روسية في المدينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت «المحكمة الوطنية» في مدريد، في بيان، أنها أدانت «4 أعضاء في خلية إرهابية متطرفة مقرُّها برشلونة، حدّدوا أهدافاً روسية لتنفيذ هجمات ضدَّها في عاصمة كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا. وأضافت المحكمة، المسؤولة خصيصاً عن قضايا «الإرهاب»، أنها برّأت شخصين آخرين. وجاء، في البيان، أن زعيم الخلية «بدأ تحديد الأهداف المحتملة، ولا سيما المصالح الروسية في عاصمة كاتالونيا، وأنه كان في انتظار الحصول على موادّ حربية». وأوض

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، القبض على سوري، 28 عاماً، في هامبورغ للاشتباه في تخطيطه شن هجوم ارهابي. وأعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، والمكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية هامبورغ، ومكتب المدعي العام في الولاية أنه يُشتبه أيضاً في أن شقيق المتهم الذي يصغره بأربع سنوات، ويعيش في مدينة كمبتن ساعده في التخطيط. ووفق البيانات، فقد خطط الشقيقان لشن هجوم على أهداف مدنية بحزام ناسف قاما بصنعه.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
العالم هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

حكمت محكمة هولندية، اليوم (الخميس)، على أربع نساء، أعادتهنّ الحكومة العام الماضي من مخيّم للاجئين في سوريا، بالسجن لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بعد إدانتهنّ بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي فبراير (شباط) 2022 وصلت خمس نساء و11 طفلاً إلى هولندا، بعدما أعادتهنّ الحكومة من مخيّم «الروج» في شمال شرقي سوريا حيث تُحتجز عائلات مقاتلين. وبُعيد عودتهنّ، مثلت النساء الخمس أمام محكمة في روتردام، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، حيث وجّهت إليهن تهمة الانضمام إلى مقاتلين في تنظيم «داعش» في ذروة الحرب في سوريا، والتخطيط لأعمال إرهابية. وقالت محكمة روتردام، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ النساء الخمس «قصدن ساحات ل

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

أفادت صحيفة «بيلد» الألمانية بسقوط قتيلين عقب إطلاق نار بمدينة هامبورغ اليوم (الأحد). وأوضحت الصحيفة أنه تم استدعاء الشرطة قبيل منتصف الليل، وهرعت سياراتها إلى موقع الحادث. ولم ترد مزيد من التفاصيل عن هوية مطلق النار ودوافعه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة كارلسروه، اليوم (الخميس)، تحريك دعوى قضائية ضد شابين إسلاميين بتهمة الإعداد لشن هجوم في ألمانيا باسم تنظيم «داعش». وأوضح الادعاء أنه من المنتظر أن تجري وقائع المحاكمة في المحكمة العليا في هامبورغ وفقاً لقانون الأحداث. وتم القبض على المتهمَين بشكل منفصل في سبتمبر (أيلول) الماضي وأودعا منذ ذلك الحين الحبس الاحتياطي. ويُعْتَقَد أن أحد المتهمين، وهو كوسوفي - ألماني، كان ينوي القيام بهجوم بنفسه، وسأل لهذا الغرض عن سبل صنع عبوة ناسفة عن طريق عضو في فرع التنظيم بأفغانستان. وحسب المحققين، فإن المتهم تخوف بعد ذلك من احتمال إفشال خططه ومن ثم عزم بدلاً من ذلك على مهاج

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.