«رمّان الكبتاغون» صدّرته شركة وهمية بعد وصوله من سوريا على دفعتين

المسؤولية تطال «الزراعة» و{غرفة التجارة» والجمارك

شحنة الكبتاغون المضبوطة في السعودية داخل ثمار الرمان (واس)
شحنة الكبتاغون المضبوطة في السعودية داخل ثمار الرمان (واس)
TT

«رمّان الكبتاغون» صدّرته شركة وهمية بعد وصوله من سوريا على دفعتين

شحنة الكبتاغون المضبوطة في السعودية داخل ثمار الرمان (واس)
شحنة الكبتاغون المضبوطة في السعودية داخل ثمار الرمان (واس)

كشف مصدر وزاري لبناني واكب عن كثب الاجتماع الموسع الذي رعاه أمس رئيس الجمهورية ميشال عون وخُصص للبحث في التداعيات المترتبة على قرار المملكة العربية السعودية بوقف استيراد الخضار والفواكه من لبنان بعد أن ضبطت كمية من حبوب الكبتاغون وُجدت بين حبات الرمان المستوردة من لبنان، بأن صناديق الرمّان كانت وصلت إلى بيروت على دفعتين من دمشق ترانزيت من أجل التصدير. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن عدد حبات الرمّان قُدّر بالآلاف ومن بينها الحبات «الملغومة» المحشوّة بالكبتاغون، وإن الشركة الوهمية تمكّنت من الحصول على شهادة المنشأ لتصديرها بحراً عبر مرفأ بيروت إلى السعودية.
ولفت المصدر الوزاري الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن شهادة المنشأ التي تصادق عليها وتصدرها غرفة التجارة والصناعة بعد ورودها إليها من وزارة الزراعة، أتاحت للشركة الوهمية - التي باشرت التحقيقات بإشراف النيابة العامة التمييزية للكشف عن اسمها بعد توقيف شخصين على ذمّة التحقيق للاشتباه بعلاقتهما باستيراد الرمان من سوريا - بتصديره إلى السعودية بذريعة أنها من إنتاج لبناني، مع أنه لم يحن بعد موسمه، إضافة إلى أن المحصول اللبناني من الرمّان لا يؤمّن احتياجات السوق اللبنانية التي يتم تأمينها من سوريا.
وأكد أن استحصال الشركة الوهمية على شهادة المنشأ أتاح لأصحابها مجهولي الهوية الحصول على موافقة وزارة الزراعة لتصدير الرمان إلى السعودية، وهذا ما فتح الباب في الاجتماع الموسع أمام تبادل رمي المسؤولية بين وزيري الاقتصاد راؤول نعمة وبين الزراعة عباس مرتضى، مع أن كمية الرمان المصدّر لم تخضع للتفتيش من قبل الجمارك اللبنانية لحظة دخولها براً إلى بيروت عبر معبر المصنع الحدودي ولا في أثناء شحنها بحراً من مرفأ بيروت إلى السعودية.
وقال إنه كان يُفترض بالمعنيين التدقيق في طلب الشركة الوهمية الحصول على شهادة المنشأ والمصادقة عليها، تمهيداً لشحنها براً إلى السعودية، وعزا السبب إلى أن كمية الرمان ليست من إنتاج لبناني لأن الموسم الزراعي لم يحن أوانه، إضافة إلى عدم الكشف عليها من الجمارك لافتقادها إلى أجهزة السكانر المخصصة للكشف عليها.
ولاحظ أن أحد الموظفين العاديين هو من وقّع في وزارة الزراعة على شهادة المنشأ، وكذلك الحال بالنسبة إلى الموظف العادي في غرفة التجارة والصناعة، الذي أتاح للشركة الوهمية الحصول على هذه الشهادة.
وأضاف المصدر الوزاري أن ممثل الجمارك في الاجتماع أبلغ الحضور بعدم وجود أجهزة «سكانر» للكشف على البضائع، وأن هناك حاجة للبيانات الجمركية التي تضطرهم لاستخدام أوراق عادية لتبيان الحمولات المشحونة إلى الخارج، وقال إن عون تدخّل وسأل عن عدم تأمين هذه الأجهزة مع أنه كان تقرّر تأمينها عام 2020.
وتبيّن - بحسب المصدر - أن تأمين أجهزة الكشف سيتم عبر التمويل الذاتي، وأن شركات معنية بتأمينها تقدّمت بطلب يسمح لها بتأمينها وأن المعاملة في هذا الخصوص ما زالت لدى ديوان المحاسبة، وهذا ما دفع بوزير المال غازي وزني للتدخل متعهداً بتأمينها في مهلة زمنية تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر، كما تبين بأن الجمارك لم تكشف على كمية الرمّان المصدّر إلى السعودية لتسهيل توريد المنتجات الزراعية مع أن الموسم ليس موسماً للرمان.
لكن اللافت من خلال المداولات التي جرت في الاجتماع أنها بقيت محصورة في الكشف عن هوية الشركة الوهمية ومتابعة التحقيق لملاحقة من يقف وراء هذه الشركة والعمل على توقيفهم وصولاً إلى ضرورة التشدد في مراقبة المعابر أكانت بحرية أو برية أو جوية لمنع تكرار ما حصل.
إلا أن الإصرار على التشدد لم يأت على ذكر وجوب وضع خطة لدهم المصانع التي تتولى صنع المواد المخدّرة ومنها حبوب الكبتاغون، خصوصاً أنها أخذت تنتشر بسرعة وتحديداً في المناطق الحدودية المتداخلة بين لبنان وسوريا بغياب ترسيم الحدود البرية بين البلدين بدءاً بمنطقة البقاع التي تشكل الحاضنة الرئيسية لهذه المصانع التي تقوم بتصدير «الهدايا السامّة» إلى دول الخليج العربي.
وفي هذا السياق، كشف المصدر أن المهرّبين يقيمون في المناطق المتداخلة بين سوريا ولبنان ويأوون إليها كلما اشتدّ الخناق عليهم وهم يتمتعون بحماية جهات رسمية نافذة في سوريا، ويستفيدون من وضع الأمر الواقع في مناطق لبنانية حدودية تتمتع بحمايات ذاتية من قوى محلية يُمنع على الدولة الدخول إليها أو الاقتراب منها لدهم المصانع التي تصنع المواد المخدّرة والعمل على إقفالها باعتبار أن هذا الإجراء يؤدي حتماً إلى وقفها عن العمل، وبالتالي يحد من عمليات التهريب.
وأكد المصدر أن المهربين يديرون شبكات منظمة تعمل أحياناً على «تصدير» المواد المخدّرة إلى دول أوروبية ومنها تُنقل إلى بعض الدول العربية في محاولة للالتفاف على الإجراءات والتدابير من جهة وإلى تضليل الأجهزة التي تعمل على مكافحة التهريب وتجفيف مصادرها وصولاً لوضع اليد على المصانع التي تتولى صنعها.
ولفت إلى أن قوى الأمن الداخلي من خلال «شعبة المعلومات» ومكتب مكافحة المخدرات تمكنت، بحسب الإحصاءات الأولية، من توقيف أكثر من 15 ألفا بين مدمن ومهرّب ومروّج للمخدرات منذ عام 2017، هذا بالإضافة إلى ما قامت به الوحدات العسكرية التابعة للجيش اللبناني. وأكد أن قوى الأمن تمكنت من مصادرة أكثر من نصف مليار من حبات الكبتاغون وأطنان من مادة حشيشة الكيف بعد أن توقف إتلاف زراعتها منذ 2012.
كما أن قوى الأمن تمكنت من خلال أجهزتها، بالتنسيق مع مكاتب مكافحة المخدرات في عدد من الدول العربية والأوروبية من تزويدها بمعلومات أدت إلى توقيف عدد من الشبكات في نفس الوقت في بيروت والدول التي يتم التواصل معها، وشملت المصدّرين لهذه المواد والمستوردين لها.
لذلك فإن مكافحة المخدرات تهريباً إلى الخارج وترويجاً في الداخل بات يطرح بإلحاح وضع خطة أمنية متكاملة تستهدف المصانع التي تؤمّنها شرط مبادرة القوى السياسية في المناطق التي توجد فيها المصانع إلى رفع الغطاء السياسي عن المهرّبين والمجموعات التي تؤمّن الحماية لاستمرار هذه المصانع، وهذا يفترض إنهاء المناطق الخاضعة لنظام الحكم الذاتي لئلا تبقى مقفلة في وجه القوى الأمنية والعسكرية المولجة بمكافحة المخدرات تهريباً واستعمالاً.
على هذا الصعيد علمت «الشرق الأوسط» أن شعبة «المعلومات» في قوى الأمن كانت نفّذت عملية نوعية أدت إلى توقيف حسن دقو في مكتبه وبحوزته أكثر من 3 ملايين دولار نقداً وهو سوري تحصل على الجنسية اللبنانية، ويُعرف برجل الكبتاغون ويخضع حالياً للتحقيق بإشراف القضاء المختص.
وعليه، فإن حمولة من الرمان أدخلت إلى لبنان من سوريا على أساس التصدير، وهذا ما يفتح الباب أمام تحديد المسؤولية على وزارة الزراعة التي أصدرت شهادة المنشأ لتصديرها، وغرفة التجارة والصناعة التي صادقت عليها وأصدرتها، والجمارك التي لم تكشف عليها. وبالتالي، فإن التحقيق يجب أن يركز على هذه الحلقات الثلاث لتحديد المسؤولية.



الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد للحرب الاقتصادية، تواصل الجماعة الحوثية فرض قيود مشددة على حركة الاستيراد في اليمن، عبر منع دخول البضائع القادمة من المنافذ البحرية والبرية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وإجبار التجار والمستوردين على تحويل شحناتهم إلى مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها.

وتأتي هذه الخطوة، في وقت تعاني تلك المواني تراجعاً حاداً في قدرتها التشغيلية؛ نتيجة الضربات الأميركية والإسرائيلية التي لحقت بها خلال الأشهر الماضية.

وتؤكد مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة تحتجز منذ أسابيع عشرات الشاحنات في المنافذ الجمركية التي استحدثتها على خطوط التماس؛ بذريعة مخالفة التعليمات الجديدة التي تُلزم المستوردين بإدخال بضائعهم عبر مواني الحديدة فقط.

عشرات الشاحنات محتجزة في المنافذ الجمركية التي استحدثها الحوثيون (إعلام محلي)

وتشير المعلومات، إلى أن هذه الإجراءات تستهدف بالدرجة الأولى تعظيم الموارد المالية للجماعة، بعد أن فقدت نحو 75 في المائة من العائدات الجمركية التي كانت تحصل عليها من البضائع الداخلة عبر المواني الخاضعة للحكومة.

وحسب المصادر، فإن من بين أبرز السلع التي طالتها القيود الحوثية، شحنات الأخشاب المستوردة، التي جرى منع دخولها رغم عدم شمولها بقرارات وزارتي المالية والتجارة التابعتين للجماعة بشأن المواد المحظورة.

ابتزاز منظم

وتوضح المصادر، أن الحوثيين يحاولون عقد صفقات مع التجار، تسمح بدخول الشحنات المحتجزة مقابل تعهدات خطية بعدم الاستيراد مستقبلاً عبر المنافذ الحكومية، في خطوة وُصفت بأنها «ابتزاز اقتصادي منظم».

وتشير إلى أن هذه السياسة تتزامن مع تراجع كبير في كفاءة ميناء الحديدة، الذي تضررت معظم أرصفته ورافعاته، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بـ«ميناء رأس عيسى» المخصص لاستقبال الوقود.

تراجع القدرة التشغيلية لميناء الحديدة بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية (إعلام محلي)

وعلى الرغم من فشل الجماعة في إعادة تشغيل الميناء بطاقته السابقة، فإنها لجأت إلى توجيه السفن نحو «ميناء الصليف» الأقل تضرراً، مع تقديم حوافز مالية وإدارية للمستوردين، مقابل تمرير بضائعهم عبر هذه المواني وتسويقها حتى في مناطق سيطرة الحكومة.

وفي هذا السياق، يؤكد الجانب الحكومي، أن الحوثيين لا يكتفون بتقديم الإغراءات، بل يمارسون ضغوطاً مباشرة على المستوردين لتحويل مسار شحناتهم.

وتشمل هذه الضغوط، تسهيلات تتجاوز خفض سعر الدولار الجمركي، لتصل إلى السماح بدخول سلع مخالفة للمواصفات الخليجية المعتمدة في اليمن؛ ما يشكل تهديداً مباشراً للسوق المحلية وصحة المستهلكين، مستغلين رفض الحكومة استحداث نقاط رقابة في مناطق التماس، على غرار ما قامت به الجماعة.

احتكار القمح

لم تقتصر سياسات الجماعة الحوثية على السلع المستوردة، بل امتدت إلى المواد الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها القمح والطحين. إذ منعت استيراد الطحين بحجة قدرتها على توفيره محلياً عبر المطاحن الموجودة في الحديدة، بعد أن قامت باستئجار «مطاحن البحر الأحمر» من مالكيها. غير أن مصادر تجارية تؤكد، أن الطاقة الإنتاجية لهذه المطاحن لا تغطي حتى نصف احتياجات السكان، وهو ما ينطبق أيضاً على إنتاج القمح المحلي.

وتوضح البيانات، أن المساحات المزروعة بالقمح في محافظة الجوف لا تنتج سوى أقل من 5 في المائة من احتياجات السوق، ومع ذلك يُباع القمح المحلي بأسعار تفوق المستورَد بشكل كبير، حيث يبلغ سعر كيس القمح (50 كيلوغراماً) نحو 20 ألف ريال يمني، مقارنة بنحو 12 ألف ريال للقمح المستورَد؛ ما يجعله غير قادر على المنافسة في السوق الحرة. (الدولار نحو 535 ريالاً يمنياً في مناطق سيطرة الحوثيين).

تحوّل مَزارع القمح في الجوف مصدرَ ثراء لقيادات حوثية (إعلام محلي)

وتتهم المصادر مسؤولي وزارة الصناعة والتجارة، ومصلحة الجمارك التابعة للجماعة الحوثية، بتعمد خلق اختناقات تموينية؛ بهدف تصريف مخزون القمح المحلي المكدس نتيجة ضعف الإقبال عليه.

كما كشفت عن دور ما يُعرف بـ«الحارس القضائي» في مصادرة مساحات واسعة من أراضي زراعة القمح في الجوف؛ بحجة ملكيتها لشخصيات مؤيدة للحكومة، قبل منحها لقيادات حوثية تستثمرها مقابل توريد نسب محددة من العائدات إلى حسابات خاصة بالجماعة.

ولم يتوقف العبث عند هذا الحد؛ إذ جرى - حسب المصادر - تأجير معظم مزارع القمح من الباطن لتجار نافذين، يحصلون على أموال طائلة من المال العام والمساعدات، تحت غطاء دعم الإنتاج الزراعي. وأسهمت هذه الممارسات، إلى جانب غياب الإرشاد الزراعي، في فشل مشاريع القمح المحلية، وفاقمت الأزمات التموينية وارتفاع الأسعار بين الحين والآخر.

وتكشف معلومات، من القطاع التجاري عن صراع متصاعد بين مستوردي القمح والمستثمرين المرتبطين بالجماعة؛ نتيجة إجبار المستوردين على شراء القمح المحلي مرتفع السعر، محمّلين هذه السياسات، مسؤولية تكرار الأزمات التموينية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين وخارجها.


لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد يربط بين الجبهات الإقليمية المفتوحة، أدخل الحوثيون ملف «أرض الصومال» على خط المواجهة مع إسرائيل، محذرين من أن أي وجود إسرائيلي في الإقليم الانفصالي سيكون «هدفاً عسكرياً».

التحذير جاء بعد إعلان إسرائيل الاعتراف بـ«أرض الصومال»، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة في أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وأعادت خلط أوراق الصراع الممتد من غزة إلى البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في بيان نقله إعلام الجماعة، إن الاعتراف الإسرائيلي يمثل «عدواناً على الصومال واليمن وأمن المنطقة»، معتبراً أن تل أبيب «تسعى إلى إيجاد موطئ قدم عسكري واستخباراتي» عند أحد أهم الممرات البحرية في العالم. وذهب أبعد من ذلك، حين لوَّح باعتبار «أي وجود إسرائيلي في الإقليم هدفاً مشروعاً» لقوات جماعته.

وتتمتع «أرض الصومال» التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عن جمهورية الصومال عام 1991، بموقع استراتيجي بالغ الحساسية عند مدخل خليج عدن، وبالقرب من مضيق باب المندب، أحد أكثر طرق التجارة الدولية ازدحاماً. وعلى الرغم من استقرارها النسبي مقارنة ببقية الصومال، فإنها ظلت لعقود بلا اعتراف دولي رسمي، ما أبقاها في عزلة سياسية واقتصادية.

ترجيحات بأن يستثمر الحوثيون الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» لحشد مزيد من المقاتلين (أ.ب)

ويرى محللون أن أي اعتراف إسرائيلي بالإقليم يمنح تل أبيب نافذة مباشرة على البحر الأحمر، ويعزز قدرتها على مراقبة خطوط الملاحة، وربما تنفيذ عمليات عسكرية أو استخباراتية ضد خصومها، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن.

ويأتي ذلك في سياق مواجهة مفتوحة منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حين شن الحوثيون هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة على أهداف إسرائيلية، وعلى سفن مرتبطة بها، قبل أن تتراجع وتيرة الهجمات مع الهدنة الهشة في غزة.

سبب هلع الحوثيين

مصادر سياسية ترى أن مخاوف الحوثيين لا تتعلق فقط بالبعد «الرمزي» للقضية الفلسطينية؛ بل بحسابات أمنية مباشرة. فوجود إسرائيلي محتمل في أرض الصومال يعني -من وجهة نظرهم- تطويقاً استراتيجياً لهم من الجنوب الغربي، بعد أن باتت إسرائيل حاضرة عسكرياً واستخباراتياً في مساحات متعددة من البحر الأحمر.

كما يخشى الحوثيون أن يتحول الإقليم إلى منصة دعم لعمليات إسرائيلية تستهدف مواقعهم في اليمن، بخاصة في ظل الغارات الإسرائيلية المتكررة التي نُفذت خلال الأشهر الماضية، وأدت إلى قتل كثير من قادتهم العسكريين والسياسيين.

الحوثيون أقروا بمقتل قائد طيرانهم المسيَّر بعد تكتم دام 9 أشهر (إ.ب.أ)

ويعزز هذه المخاوف الحديث في تقارير إعلامية عن إمكانية استخدام «أرض الصومال» ضمن ترتيبات إقليمية أوسع، شملت سابقاً تسريبات عن تهجير محتمل لفلسطينيين من غزة، وهو ما تعتبره الجماعة جزءاً من «مشروع تفتيت» تقوده إسرائيل في المنطقة.

في المقابل، صعَّد مجلس الحكم الانقلابي الحوثي (المجلس السياسي الأعلى) من لهجته، محذراً من أن أي نشاط إسرائيلي في الأراضي الصومالية «لن يُنظر إليه كأمر واقع»، ومؤكداً أن أمن الصومال «جزء لا يتجزأ» من أمن الجماعة، ودعا الدول المطلة على البحر الأحمر إلى اتخاذ خطوات عملية لمنع ما وصفه بـ«الاختراق الإسرائيلي».


اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
TT

اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)

يواجه الاقتصاد اليمني مرحلة بالغة الهشاشة، في ظل استمرار الصراع، والانقسام المؤسسي، وتراجع مصادر الدخل العامة، حيث تشير التقارير الدولية إلى استمرار الانكماش والنمو الضعيف، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور العملة المحلية، ما يفاقم الضغوط المعيشية على السكان، إلا أنها تتجاهل، وفق خبراء، اقتصاد الظل والقدرة على التكيف.

وتؤكد المؤسسات الدولية، مثل «البنك الدولي»، و«صندوق النقد الدولي»، أنّ تعطل صادرات النفط، وتعدد السلطات النقدية، وضعف الإيرادات الحكومية، أسهمت في إطالة أمد الأزمة الاقتصادية، وتقويض قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، في ظل اعتماد متزايد على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية.

وتُحذر التقارير من أن أي تحسن اقتصادي مستدام، بعد التحسن الذي شهدته العملة المحلية، سيظل مرهوناً بالاستقرار السياسي والأمني، ونجاح الإصلاحات المالية والاقتصادية الشاملة.

إلا أن تقارير ودراسات الجهات والمنظمات الدولية والأممية تعاني قصوراً في فهم واقع الاقتصاد والحياة الاقتصادية باليمن، وفق يوسف شمسان، الباحث اليمني في «الاقتصاد السياسي للحرب»؛ كونها «تبحث في القيمة المضافة للاقتصاد الكلي الرسمي، وتتجاهل القيمة المضافة للاقتصاد غير الرسمي، خصوصاً في زمن الحروب».

يمني يعدّ ما بحوزته من أوراق نقدية قبل التوجه إلى السوق (أ.ف.ب-أرشيفية)

ويوضح شمسان، لـ«الشرق الأوسط»، أن الاقتصاد غير الرسمي في أوقات الحرب يتنوع بين الجبايات والتهريب وريع العقود الحكومية والمساعدات الإنسانية، والتي يمكن الحصول على الناتج الفعلي بإضافتها إلى الاقتصاد الرسمي.

ويستغرب «عدم إدخال الحياة الاقتصادية العامة في حسابات مُعِدّي التقارير حول الاقتصاد اليمني لدى تلك الجهات، وهذه الحياة تتمثل بإعادة الإنتاج والتكيف مع الأوضاع التي فرضتها الحرب، والحصول على وسائل إنتاج جديدة».

ويلفت إلى أن نسبة «اقتصاد الظل» في اليمن وصلت إلى أكثر من 35 في المائة حالياً، وتتمثل الأنشطة الجديدة لهذا الاقتصاد في اللوجستيات الحربية والنقل والإمداد العسكري والقطاعات العسكرية غير الرسمية، والعمل لدى المنظمات الإغاثية، وغير ذلك مما لا يظهر في الناتج القومي للاقتصاد الرسمي.

شروط التعافي

ويكشف «صندوق النقد الدولي»، الذي استأنف زياراته للبلاد بعد أكثر من 11 عاماً من الانقطاع وأصدر بياناً ختامياً لمشاوراته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن انخفاض حاد في الإيرادات الحكومية من 22.5 في المائة من الناتج في 2014، إلى أقل من 12 في المائة العام الماضي.

رغم إشارات التطمين بعد تعافي العملة اليمنية لم تتحسن القدرة الشرائية للسكان بشكل كافٍ (رويترز)

ووفقاً للصندوق، ارتفع الدَّين العام إلى أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي، مع استمرار الانكماش الاقتصادي والتضخم، ومع توقعات بنمو متواضع يبدأ العام المقبل، ثم يتسارع تدريجياً حتى 2030 إذا استمرت الإصلاحات التي اتبعتها الحكومة خلال هذا العام.

ويؤكد «البنك الدولي» أن الاستقرار السياسي والأمني هو مفتاح تعافي اليمن اقتصادياً، ومِن دونه ستظل الضغوط الاقتصادية الوطنية، مثل التضخم، وفقدان الوظائف، وانكماش الناتج، تتفاقم أكثر. ويشير إلى أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذائية يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.

وكان «مجلس القيادة الرئاسي» قد أصدر، نهاية أكتوبر الماضي، قرارات بشأن الإصلاحات الاقتصادية، مِن بينها توحيد تحصيل الإيرادات وتحرير الدولار الجمركي؛ بغرض تمكين الدولة من السيطرة على مواردها السيادية، وضبط الاختلالات الناتجة عن تعدد مراكز التحصيل.

البنك الدولي يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي باليمن وارتفاع أسعار الغذاء (أ.ف.ب)

وفي الأشهر السابقة، اتخذ «البنك المركزي اليمني»، في العاصمة المؤقتة عدن، إجراءات وقرارات مكّنته من السيطرة على سوق العملات النقدية، وأدت إلى ارتفاع سعر العملة المحلية وتعافيها بما يقارب 45 في المائة.

استمرار المخاوف

استعاد الريال اليمني بعض قيمته، هذا العام، بعد مسيرة تدهور شهدتها الأعوام الماضية، وتسارع بشدة خلال منتصف العام الحالي، ليصل إلى قرابة 3 آلاف ريال مقابل الدولار، قبل أن يتمكن «البنك المركزي» بإجراءاته الرقابية والمالية، من العودة به إلى 1630 ريالاً لكل دولار.

ويشدد محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في «جامعة تعز»، على ضرورة حصول «البنك المركزي اليمني» على كامل الاستقلالية في إدارة القطاع المصرفي ومواجهة الانقسام وفي سعر صرف العملة المحلية، بمواصلة السياسات النقدية والسياسات المعززة لها.

«البنك المركزي اليمني» تمكّن من تحسين وضع العملة المحلية بعد إجراءات مشددة (رويترز)

ويتمثل ذلك، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، في تفعيل التشريعات الخاصة بالإنفاق العام بما يتناسب مع ظروف مواجهة الحرب وآثارها الجانبية، وترشيد نفقات مسؤولي السلطات المحلية، وإلغاء المخصصات المالية الممنوحة مركزياً، وتحويل نفقاتها إلى مصادر الإيرادات المحلية والمشتركة.

وإلى جانب ذلك، يرى أهمية كبرى لتفعيل الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة، لتؤدي دورها في مواجهة الغلاء وتشجيع الاستيراد المباشر عوضاً عن الاستيراد عبر دول وسيطة، ومنع استيراد السلع المستهلكة ومنتهية الصلاحية، والتي تتسبب بأضرار كبيرة على الاقتصاد المحلي والمستهلكين.

وينوه «البنك الدولي» بتلقّي اليمن دعماً خارجياً من السعودية وصل إلى بضعة مليارات خلال العامين الماضيين، ما أسهم في منع الانهيار، إلا أنه لم يعالج جذور الأزمة الاقتصادية التي تعود أسبابها إلى «الصراع واستمرار انقسام البلاد تحت نظامين نقديين».

تحذيرات من زيادة الفقر والبطالة وارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية باليمن (البنك الدولي)

وتُواجه الحكومة اليمنية المعترَف بها دولياً كثيراً من الصعوبات، وتفتقر إلى الموارد، وتعجز عن الحصول على إيرادات تصديرية، خصوصاً في قطاع النفط والغاز بسبب العمليات العدائية للجماعة الحوثية.

ويتوقّع «البنك الدولي»، في آخر إصدارته حول اليمن، انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5 في المائة، مع ارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية، وتراجع الثقة في الاقتصاد الوطني بفعل انخفاض الإيرادات الحكومية وزيادة معدلات الفقر والبطالة، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي.