أميركا تعترف بـ«الإبادة الجماعية» للأرمن على يد العثمانيين

بايدن قال إن الهدف ليس اللوم ولكن منع تكرار ما حدث

موكب بالشموع في يريفان عاصمة أرمينيا أمس في ذكرى الإبادة الجماعية قبل 106 سنوات (إ.ب.أ)
موكب بالشموع في يريفان عاصمة أرمينيا أمس في ذكرى الإبادة الجماعية قبل 106 سنوات (إ.ب.أ)
TT

أميركا تعترف بـ«الإبادة الجماعية» للأرمن على يد العثمانيين

موكب بالشموع في يريفان عاصمة أرمينيا أمس في ذكرى الإبادة الجماعية قبل 106 سنوات (إ.ب.أ)
موكب بالشموع في يريفان عاصمة أرمينيا أمس في ذكرى الإبادة الجماعية قبل 106 سنوات (إ.ب.أ)

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس (السبت)، اعتراف الولايات المتحدة رسمياً بأن المجازر التي تعرض لها ما يقرب من 1.5 مليون أرمني خلال الحرب العالمية الأولى، على يد السلطنة العثمانية، هي «إبادة جماعية»، مضيفاً أن الاعتراف بإبادة الأرمن لا يستهدف إلقاء اللوم، ولكن لمنع تكرار ما حدث.
وقال بايدن: «نكرم ضحايا (مدس يغيرن) حتى لا يضيع التاريخ أهوال ما حدث، ونتذكر حتى نظل يقظين دائماً ضد التأثير المدمر للكراهية بجميع أشكالها». وتابع في بيانه: «من بين الذين نجوا، أُجبر معظمهم على إيجاد منازل جديدة وحياة جديدة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة. وبقوة ومرونة، نجا الشعب الأرميني وأعاد بناء مجتمعه».
وقال: «اليوم، ونحن نحزن على ما فقد، دعونا نوجه أعيننا أيضاً إلى المستقبل - نحو العالم الذي نرغب في بنائه من أجل أطفالنا، عالم خالٍ من الشرور اليومية والتعصب، حيث تُحترم حقوق الإنسان، وحيث يكون كل الناس قادرين على متابعة حياتهم بكرامة وأمان. وأكد بايدن أن «الشعب الأميركي يكرم كل الأرمن الذين لقوا حتفهم في الإبادة الجماعية التي بدأت قبل 106 سنوات من اليوم». وكان بايدن قد تعهد خلال حملته الانتخابية بالاعتراف رسمياً بأن الفظائع التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية ضد الشعب الأرمني منذ أكثر من قرن في تركيا الحديثة كانت إبادة جماعية. وجاء إعلان بايدن في اليوم الذي تحيي فيه أرمينيا ذكرى «الإبادة الجماعية» للأرمن، وهو المصطلح الذي تجنب رؤساء الولايات المتحدة لعقود الاعتراف به صراحة، رغم إقرارهم بالأحداث التي وقعت بين عامي 1915 و1923 لتفادي استفزاز تركيا، حليفتهم في الناتو.
ومن المتوقع أن يؤدي اعتراف بايدن بإبادة الأرمن، إلى سلسلة من المضاعفات، داخل الولايات المتحدة وخارجها، خصوصاً على العلاقات الأميركية التركية المتوترة أصلاً. وقال أيكان أرديمير، مسؤول ملف تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، إنه للتنبؤ بردة فعل أنقرة على اعتراف بايدن، من المفيد النظر إلى الحالات السابقة التي اتخذت فيها الحكومات الغربية الأخرى خطوات مماثلة. وأضاف، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنه في تلك الحالات كان رد فعل أنقرة الفوري قوياً، لكنه لم يدم طويلاً. وأضاف: هذه المرة أيضا من المرجح أن تعود حكومة إردوغان إلى العمل كالمعتاد مع الأميركيين كما فعلت في الماضي مع الآخرين. لكنه اعتبر أن الرئيس التركي سيرى هذا الاعتراف والأزمة الدبلوماسية مع واشنطن، فرصة لتأجيج المشاعر المعادية لأميركا داخل تركيا والاستفادة من الخلاف الثنائي، لتحويل انتباه الناخبين الأتراك بعيداً عن الأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد والانهيار المالي الذي تعيشه. وقال أرديمير إنه بالنسبة إلى الشتات التركي الأميركي المقيم في الولايات المتحدة من الذين يلتزمون خط أنقرة ويكرسون قدراً كبيراً من طاقاتهم لإنكار الإبادة الجماعية للأرمن، سيشكل اعتراف بايدن تطوراً يحررهم من هذا الخط، ويتيح لهم العمل على توجيه طاقاتهم إلى مساعٍ أكثر إنتاجية لإفادتهم وإفادة تركيا أكثر في الوقت نفسه.
وطوال عقود، مارست الجالية الأرمنية ضغوطاً للحصول على اعتراف دولي بأن ما تعرض له 1.5 مليون أرمني «إبادة جماعية». واعتبر نحو 30 دولة والاتحاد الأوروبي ما حدث «إبادة جماعية» في حين ترفض تركيا هذا الاتهام بشكل قاطع.
من جهته، اعتبر ريتش أوتزن، مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للشؤون التركية، أن الاعتراف سيقود إلى رفع سلسلة من الدعاوى القضائية من قبل الأرمن في الولايات المتحدة، للمطالبة بتعويضات من تركيا. وأضاف في سلسلة تغريدات على «تويتر» أنه سيؤدي إلى خطوات تركية للتقليل من التعرض لإجراءات المحاكمات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً، والحد من أضرارها على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ومحاولة إقامة نوع من فك الارتباط بين هذا الاعتراف والعلاقات الأميركية التركية. وأضاف أوتزن مقترحا إعداد دراسة حول تدمير المجتمع الأرمني في الأناضول 1870 – 1915: «يجب دراستها جنبا إلى جنب مع تدمير شركيسيا في القوقاز ومجتمعات البلقان التركية خلال الفترة الزمنية نفسها وما جلبته الكارثة من معاناة للكثيرين». وأضاف: «لا ينبغي إنكار أي شيء، كلها أحداث مترابطة بالحروب الوحشية بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية. السياق مهم، ومع ذلك، فإن لجنة الدراسة المشتركة تبدو منطقية بالنسبة لي»، في إشارة إلى الاقتراح التركي لتشكيل لجنة أميركية مشتركة لدراسة ما حصل. وأضاف أنه يجب أيضا دراسة الدمار الذي لحق بشعب التتار في شبه جزيرة القرم من 1877 إلى 1944.
وأشاد المشرعون في الكونغرس، بمن فيهم أولئك الذين لديهم دوائر انتخابية كبيرة من الأرمن الأميركيين، بالقرار.
وقالت السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن: «إنني أثني على قرار الرئيس بايدن بالاعتراف رسمياً بالإبادة الجماعية للأرمن». وأضافت أن «وصف هذه الفظاعة كما كانت (إبادة جماعية) طال انتظارها. يجب أن ندرك أهوال الماضي إذا كنا نأمل في تجنب تكراره في المستقبل». كما قال النائب الديمقراطي أدم شيف في تغريدة على «تويتر» إن «اعتراف بايدن بالإبادة الجماعية للأرمن يأتي بعد عقود من النضال وسنوات من التهديدات والترهيب التركي، وبعد حرب قاتلة والكثير من خيبات الأمل. شكراً لك على قول الحقيقة بقوة». كما وجه أكثر من 100 عضو في مجلس النواب الأميركي رسالة شكر للرئيس بايدن على اعترافه بالمجزرة، قائلين إن الوقت قد حان لقول الحقيقة عما جرى في تلك المرحلة.


مقالات ذات صلة

«إبادة الآشوريين الكلدان»... أزمة جديدة بين تركيا وفرنسا

شؤون إقليمية رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش خلال لقائه رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل بمقر البرلمان الثلاثاء (موقع حزب الشعب الجمهوري)

«إبادة الآشوريين الكلدان»... أزمة جديدة بين تركيا وفرنسا

برزت أزمة جديدة إلى سجل الأزمات المتراكمة في العلاقات بين تركيا وفرنسا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا جنديان أذربيجانيان يحرسان نقطة تفتيش عند ممر لاتشين في أذربيجان (أ.ب)

أرمينيا تعلن توقيع اتفاق سلام مع أذربيجان الشهر المقبل

أعلن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان أن يريفان ستوقّع اتفاق سلام مع أذربيجان الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (تبليسي)
آسيا سكان يستقلون سيارة وسط ستيباناكيرت قبل مغادرة كاراباخ (رويترز)

الكرملين: ليس هناك سبب يدعو الأرمن للفرار من كاراباخ

قالت موسكو، اليوم (الخميس)، إنها لا ترى سبباً يدعو الأرمن إلى الفرار من كاراباخ، نافيةً فعلياً الاتهامات بالتطهير العرقي التي وجهتها يريفان لباكو.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رئيس جمهورية ناغورنو كاراباخ المعلنة من جانب واحد سامفيل شهرامانيان (أ.ف.ب)

جمهورية ناغورنو كاراباخ تعلن حل مؤسساتها اعتباراً من بداية العام

أعلن رئيس جمهورية ناغورنو كاراباخ من جانب واحد سامفيل شهرامانيان حل جميع مؤسسات الدولة اعتباراً من 1 يناير (كانون الثاني) 2024.

«الشرق الأوسط» (بريفن)
آسيا أشخاص يتجهون إلى المطار، حيث يتمركز بعض قوات حفظ السلام الروسية، خارج بلدة ستيباناكيرت، في منطقة ناغورنو كارباخ التي تسيطر عليها أذربيجان (أ.ف.ب) play-circle 00:32

رئيس وزراء أرمينيا: مستعدون لقبول سكان ناغورنو كارباخ من الأرمن

قال نيكول باشينيان رئيس وزراء أرمينيا في كلمة إلى مواطنيه اليوم (الأحد)، إن أرمينيا مستعدة لقبول جميع سكان ناغورنو كارباخ من الأرمن.

«الشرق الأوسط» (موسكو - يريفان)

مرور الرئيس التايواني في أميركا يثير غضب الصين

الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)
الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

مرور الرئيس التايواني في أميركا يثير غضب الصين

الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)
الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)

يتوقف الرئيس التايواني، لاي تشينغ تي، خلال أول رحلة له إلى الخارج في هاواي وجزيرة غوام الأميركيتين، وفق ما أفاد مكتبه، الخميس؛ ما أثار غضب بكين التي نددت بـ«أعمال انفصالية».

ويتوجه لاي، السبت، إلى جزر مارشال وتوفالو وبالاو، وهي الجزر الوحيدة في المحيط الهادئ من بين 12 دولة لا تزال تعترف بتايوان.

ولكن يشمل جدول أعمال الرئيس التايواني الذي تسلم السلطة في مايو (أيار) توقفاً في هاواي لمدة ليلتين، وفي غوام لليلة واحدة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ولم يُعلن حالياً أي لقاء يجمعه بمسؤولين أميركيين، والولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لتايبيه.

وقال مصدر من الإدارة الرئاسية التايوانية لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طالباً عدم الكشف عن هويته، إن لاي يريد لقاء «أصدقاء قدامى» و«أعضاء مراكز أبحاث».

ووعد لاي بالدفاع عن ديمقراطية تايوان في مواجهة التهديدات الصينية، فيما تصفه بكين بأنه «انفصالي خطير».

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، في مؤتمر صحافي دوري، الخميس: «عارضنا دائماً التبادلات الرسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، وأي شكل من أشكال دعم الولايات المتحدة وتأييدها للانفصاليين التايوانيين».

في السابق، توقف زعماء تايوانيون آخرون في الأراضي الأميركية خلال زيارات إلى دول في أميركا الجنوبية أو المحيط الهادئ، مثيرين غضب بكين.

وتعد الصين تايوان جزءاً من أراضيها، لم تنجح بعد في إعادة توحيده منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949. ورغم أنها تقول إنها تحبّذ «إعادة التوحيد السلمية»، فإنها لم تتخلَ أبداً عن مبدأ استخدام القوة العسكرية وترسل بانتظام سفناً حربية وطائرات مقاتلة حول الجزيرة.

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر في نقطة قريبة من جزيرة تايوان في جزيرة بينجتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

«محاولات انفصالية»

تشهد تايوان تهديداً مستمراً بغزو صيني، لذلك زادت إنفاقها العسكري في السنوات الأخيرة لتعزيز قدراتها العسكرية.

وتتمتع الجزيرة بصناعة دفاعية لكنها تعتمد بشكل كبير على مبيعات الأسلحة من واشنطن، أكبر مورد للأسلحة والذخائر إلى تايوان.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، وو تشيان، خلال مؤتمر صحافي، الخميس، إن الجيش الصيني «لديه مهمة مقدسة تتمثل في حماية السيادة الوطنية ووحدة الأراضي، وسوف يسحق بحزم كل المحاولات الانفصالية لاستقلال تايوان».

ارتفعت حدة التوتر في العلاقات بين بكين وتايبيه منذ عام 2016 مع تولي تساي إنغ وين الرئاسة في بلادها، ثم لاي تشينغ تي في عام 2024.

وكررت الصين اتهامها الرئيسَين التايوانيَين بالرغبة في تأجيج النزاع بين الجزيرة والبر الصيني الرئيسي. ورداً على ذلك، عززت بكين بشكل ملحوظ نشاطها العسكري حول الجزيرة.

وفي ظل هذه الضغوط، أعلن الجيش التايواني أنه نشر الخميس مقاتلات وسفناً وأنظمة مضادة للصواريخ في إطار مناورات عسكرية هي الأولى منذ يونيو (حزيران).

وأفادت وزارة الدفاع التايوانية، الخميس، بأنها رصدت الأربعاء منطادين صينيين على مسافة نحو 110 كلم شمال غربي الجزيرة في منطقة دفاعها الجوي، وذلك بعدما رصدت في القطاع ذاته الأحد منطاداً صينياً مماثلاً كان الأول منذ أبريل (نيسان).

وتحولت المناطيد الآتية من الصين إلى قضية سياسية مطلع عام 2023 عندما أسقطت الولايات المتحدة ما قالت إنه منطاد تجسس.