السلطات الفرنسية تسعى لتدابير إضافية للحد من العمليات الإرهابية

ماكرون زار عائلة الشرطية الضحية والتحقيق يركز على شخصية الجاني ودوافعه

TT

السلطات الفرنسية تسعى لتدابير إضافية للحد من العمليات الإرهابية

عملية القتل البشعة التي شهدتها مدينة رامبوييه أول من أمس الجمعة تسقط وبالاً على مسلمي فرنسا، حيث عاد الجدل بشأن الانفصالية الإسلاموية والإرهاب الإسلاموي يغزو صفحات الصحف وشاشات التلفزيون وأمواج الأثير وشبكات التواصل الاجتماعي على أنواعها.
وتأتي هذه العملية في شهر رمضان الكريم لتوفر لمتهمي الإسلام بأنه مصدر خطر على المجتمع الفرنسي الحجج التي يحتاجون إليها بحيث تتأجج حملات التنديد وتساق الاتهامات في كل اتجاه. فهذا الرجل التونسي جمال قرشان البالغ من العمر 36 عاماً لا يختلف في مساره الشخصي وفي العمل الإرهابي الذي قام به عن آخرين سبقوه إلى هذا الإجرام؛ فقد وصل لاجئاً وبشكل غير شرعي إلى فرنسا في عام 2009 قادماً من مدينة مساكن التابعة لمحافظة سوسة «شرق تونس»، بقي في هذه الوضعية عشر سنوات حتى حصوله في عام 2019 على إجازة إقامة استثنائية، ثم قبل أربعة أشهر على إجازة إقامة صالحة حتى نهاية العام وذلك بفضل العمل الذي حصل عليه كسائق شاحنة يعمل على توصيل البضائع إلى الزبائن. وبعد أن أقام في منطقة فال دو مارن «شرق باريس»، انتقل مؤخراً للإقامة مع والده في مدينة رامبوييه في منزل يقع خارج المدينة.
ينصب عمل الشرطة القضائية والإدارة المركزية للأمن الداخلي «المخابرات» على تجلية صورة جمال قرشان ومحاولة التعرف على دوافع الجريمة التي ارتكبها إنفاذاً للتحقيق الذي أمرت النيابة العامة المتخصصة في الشؤون الإرهابية بفتحه. وثمة قناعة على المستويات السياسية والأمنية والقضائية مفادها أن ما قام به هذا الرجل عمل إرهابي موصوف، الأمر الذي أكده جان فرنسوا ريكار، مدعي عام المسائل الإرهابية. وقد استند الأخير إلى ثلاثة عناصر متداخلة: طريقة تنفيذ الجريمة باستخدام السلاح الأبيض، الاستدلال والتعرف عن قرب على مكان ارتكابها ما يعني أن الجريمة لم تكن عفوية، وأخيراً العبارات التي تلفظ بها الجاني قبل ارتكاب جريمته.
وتعول الأجهزة المعنية بالتحقيق على أمرين تحديداً: الأول، استنطاق الأشخاص الثلاثة الذين ألقي القبض عليهم بعد ظهر الجمعة وما زالوا رهن التوقيف وهم والد القاتل ورجلان أقام عندهما تباعاً، والثاني، هاتف الجاني وحاسوبه وكل ما وضع المحققون اليد عليه خلال دهم منزل والده والشقتين اللتين أقام فيهما سابقاً. وبالتوازي، يعمل المحققون على التعرف عن قرب على شخصية الجاني من خلال شهادات من عرفوه. وما يهم التحقيق معرفة ما إذا كان جمال قرشان قد حصل على مساعدة أو دعم لارتكاب جريمته وما إذا كان على اتصال بجهات إرهابية داخل فرنسا أو خارجها. وأفادت مصادر الشرطة بأن الأخير لم يكن معروفاً لديها كمتطرف أو كمصدر تهديد للأمن، ولم يكن اسمه على لائحة الأشخاص المعروفين كراديكاليين إسلامويين، ما يشكل بالنسبة للأجهزة الأمنية تهديداً يصعب التعامل معه بسبب استحالة استباق حصوله. وتفيد شهادات مواطنين عرفوا الجاني بأن تصرفاته لم تكن توحي بأنه راديكالي متطرف، فيما تشير شهادات أخرى إلى أن تصرفاته تغيرت منذ الخريف الماضي. وقال عنه أحد جيرانه السابقين إنه «شخص مسلم لكنه لا يؤدي شعائره الدينية، ويعيش وحده، ويعمل في مجال البناء». وينكب المحققون على مراجعة التغريدات التي نشرها الجاني على «تويتر» حيث كان يعبر عن غيظه إزاء ما يسميه «كره المسلمين» أو ما يصدر عن مثقفين فرنسيين إزاء الإسلام. وبعد اغتيال صامويل باتني نشر تغريدة تدعو إلى «احترام النبي محمد رسول الله».
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها عمدت إلى توظيف عدة مئات من الأشخاص لدرء التهديد الإرهابي الذي ضرب فرنسا منذ بداية عام 2015 وأوقع 261 قتيلاً وعدة مئات من الجرحى.
وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، أسرة الشرطية التي قُتلت في الهجوم الذي تم بواسطة سكين بمركز للشرطة في رامبوييه على مشارف باريس الجمعة. وذكرت مصادر من مكتب الرئاسة أن زيارة ماكرون كانت محاولة لإظهار دعمه وتضامنه، وتحدث ماكرون أيضاً مع مفوض الشرطة المحلي.
ليس جمال قرشان التونسي الوحيد الذي ولج عالم الإرهاب، فقبله ارتكب تونسي آخر اسمه إبراهيم العيساوي مقتلة كاتدرائية مدينة نيس الساحلية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) التي أوقعت ثلاثة قتلى وعدة جرحى، لكن العملية الأقدم التي قام بها التونسي محمد لحويج بوهلال بواسطة شاحنة دهس بها المتنزهين على كورنيش درة الريفييرا الفرنسية ليلة العيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو (تموز) عام 2016 كانت الأكثر دموية؛ إذ أوقعت 86 ضحية و458 جريحاً، وهي ثاني أكبر مجزرة عرفتها فرنسا في السنوات الأخيرة بعد تلك التي حدثت مساء 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 في ملهى الباتاكلان وفي عدد من مقاهي العاصمة القريبة من ساحة الباستيل الشهيرة ومطاعمها.
عملية يوم الجمعة الماضي التي ذبحت فيها ستيفاني، الشرطية الإدارية التي تعمل في مقر شرطة رامبوييه منذ 28 عاماً ووالدة ابنتين في الـ18 والـ13 من العمر هي الأولى هذا العام بعد خمس عمليات ضربت فرنسا في أماكن متفرقة العام الماضي. وأمس، ترأس رئيس الحكومة جان كاستيكس اجتماعاً أمنياً بحضور وزير الداخلية ورؤساء الأجهزة المعنية للتداول بمجريات التحقيق ودراسة الوسائل والسبل التي من شأنها تجنب حدوث أعمال مشابهة من جهة، ولطمأنة الرأي العام الفرنسي من جهة أخرى، والذي عاد شبح الإرهاب يخيم فوقه. وقال رئيس الحكومة أمس بمناسبة زيارة سريعة لمنطقة في جنوب غربي فرنسا إن العملية الإرهابية «استهدفت الجمهورية وهي تعد بمثابة تحدٍّ للدولة ولكننا لن نتساهل إزاءها» مستعيداً تغريدة للرئيس إيمانويل ماكرون عقب حدوث العملية التي أعلن فيها: «لن نستسلم» للإرهاب الذي وصفه بـ«الإسلاموي». وما فاقم من وضع الجريمة أنها الثالثة التي تقع في الدائرة نفسها وأشهرها عملية اغتيال صامويل باتي، مدرس مادة التاريخ في ثانوية مدينة كونفلان سانت هونورين الذي قتله مواطن روسي من أصل شيشاني وجز رأسه يوم 3 أكتوبر من العام الماضي، الأمر الذي أثار الرعب والقلق في فرنسا.


مقالات ذات صلة

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

أفريقيا الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مسيّرات تركية قصفت مستودع أسلحة يعود لقوات النظام السابق بمحيط مطار القامشلي (المرصد السوري)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: تركيا ستطالب أميركا بموقف حاسم من «الوحدات» الكردية

أكدت تركيا استمرار الفصائل الموالية لها في التقدم بمناطق «قسد»، وقالت مصادر إنها ستطلب من وزير الخارجية أنتوني بلينكن موقفاً أميركياً ضد «الوحدات» الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية مؤرخة 3 أغسطس 2024 تُظهر خليل الرحمن حقاني وزير شؤون اللاجئين في حكومة «طالبان» المؤقتة وهو يتحدث مع الصحافيين في كابل (إ.ب.أ)

إجراءات أمنية مشدَّدة استعداداً لجنازة وزير أفغاني قُتل في تفجير انتحاري

فرضت أفغانستان إجراءات أمنية مشددة، الخميس، قبل جنازة وزير شؤون اللاجئين في حكومة «طالبان» خليل حقاني الذي قُتل في تفجير انتحاري.

«الشرق الأوسط» (كابل - إسلام آباد)
آسيا خليل حقاني يلقي كلمة بعد صلاة الجمعة في كابل عام 2021... كان شخصية بارزة في صعود «طالبان» إلى السلطة (نيويورك تايمز)

أفغانستان: عائلة حقاني وزير شؤون اللاجئين تعلن مقتله في انفجار كابل

قال أنس حقاني، ابن شقيق القائم بأعمال وزير شؤون اللاجئين في حكومة «طالبان» بأفغانستان، خليل الرحمن حقاني، إن الوزير وستة آخرين قُتلوا في تفجير بالعاصمة كابل.

«الشرق الأوسط» (كابل - إسلام آباد)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

عطل يضرب تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام»

انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)
انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)
TT

عطل يضرب تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام»

انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)
انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)

أظهر موقع «داون ديتيكتور» الإلكتروني لتتبع الأعطال أن منصتي «فيسبوك» و«إنستغرام» المملوكتين لشركة «ميتا» متعطلتان لدى آلاف من المستخدمين في الولايات المتحدة، اليوم (الأربعاء).

وأبلغ أكثر من 27 ألف شخص عن وجود أعطال في منصة «فيسبوك»، وما يزيد على 28 ألفاً عن وجود أعطال في «إنستغرام»، وبدأ العطل في نحو الساعة 12:50 مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة.

وذكر موقع «داون ديتيكتور» أن «واتساب»، تطبيق التراسل المملوك لـ«ميتا»، توقف عن العمل أيضاً لدى أكثر من ألف مستخدم. وتستند أرقام «داون ديتيكتور» إلى بلاغات مقدمة من مستخدمين.

وربما يتفاوت العدد الفعلي للمستخدمين المتأثرين بالأعطال. وقالت «ميتا» إنها على علم بالمشكلة التقنية التي تؤثر في قدرة المستخدمين على الوصول إلى تطبيقاتها. وذكرت في منشور على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»: «نعمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها بأسرع ما يمكن ونعتذر عن أي إزعاج».

وكتب بعض مستخدمي «فيسبوك» و«إنستغرام» على منصة «إكس» منشورات تفيد بمواجهتهم عطلاً يعرض لهم رسالة «حدث خطأ ما»، وأن «ميتا» تعمل على إصلاح العطل. وأدّت مشكلة تقنية في وقت سابق من العام الحالي إلى عطل أثّر في مئات الألوف من مستخدمي «فيسبوك» و«إنستغرام» عالمياً. وواجهت المنصتان عطلاً آخر في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنهما عادتا إلى العمل إلى حدّ كبير في غضون ساعة.