صفقة أوروبية ـ هندية لمنافسة «الحزام والطريق» الصينية

علاقات بكين مع أستراليا على المحك

يبحث الاتحاد الأوروبي والهند بناء مشاريع مشتركة بالبنية التحتية حول العالم (رويترز)
يبحث الاتحاد الأوروبي والهند بناء مشاريع مشتركة بالبنية التحتية حول العالم (رويترز)
TT

صفقة أوروبية ـ هندية لمنافسة «الحزام والطريق» الصينية

يبحث الاتحاد الأوروبي والهند بناء مشاريع مشتركة بالبنية التحتية حول العالم (رويترز)
يبحث الاتحاد الأوروبي والهند بناء مشاريع مشتركة بالبنية التحتية حول العالم (رويترز)

كشفت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية عن أن الاتحاد الأوروبي والهند يجريان محادثات لبناء مشاريع مشتركة في البنية التحتية حول العالم؛ في أحدث محاولة، عدّتها الصحيفة، جاءت خصيصاً لمنافسة «مبادرة الحزام والطريق» الصينية.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن دبلوماسيين في تقرير نشرته الخميس، قولهم إن الخطة، التي وُصفت بأنها شراكة «اتصال» في قطاعات تشمل الطاقة والرقمنة والنقل، ستهدف إلى تقديم ضمانات قانونية أفضل وشروط دين أقل صعوبة من تلك التي عرضتها بكين.
وتأتي هذه المبادرة، التي تود الهند والاتحاد الأوروبي الكشف عنها في قمة افتراضية سوف تُعقد يوم 8 مايو (أيار) المقبل، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تحفيز جهود مماثلة لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد. غير أنه لن يتم تصنيف هذه المبادرة على أنها تحالف مناهض لبكين، ولكن سيُنظر إليها على أنها جزء من محاولات تقديم بدائل لـ«مبادرة الحزام والطريق» عبر أوروبا وأفريقيا وآسيا.
مع ذلك، أفادت الصحيفة بأنه لم يتم بعد الانتهاء من شروط إتمامها، بما في ذلك كيفية الحصول على التمويل، المقرر أن يأتي من القطاعين العام والخاص. وتعليقاً على المبادرة، قال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي؛ رفض الكشف عن هويته: «هناك الآن فرصة سانحة للعمل فريقاً وخلق بيئة لعولمة قائمة على الشراكة التي ستكون أكثر جاذبية مما يمكن أن تقدمه الصين»، وأضاف: «الاتحاد الأوروبي وحلفاؤه لديهم مصلحة مشتركة في تقديم بديل لـ(مبادرة الحزام والطريق)، بدلاً من السماح للاستثمار الصيني بالهيمنة على السوق العالمية».
وقال دبلوماسيون إن «تعاون الهند والاتحاد الأوروبي سيركز على المشاريع المشتركة في أراضيهما، والمبادرات التي ربما تنطلق في دول ثالثة، ووضع معايير في مجالات مثل الاستدامة المالية ومعايير سيادة القانون. فيما سوف يركزان أيضاً على تعزيز التعاون في البحث والابتكار».
وأشارت «فاينانشيال تايمز» أيضاً إلى أن الاتحاد الأوروبي حدد في السابق خططاً لاستخدام عشرات المليارات من اليوروات للاستفادة من استثمارات تبلغ أضعاف تلك القيمة لتعزيز العلاقات بين أوروبا وآسيا. كما التزمت الهند بتمويل كبير للمشاريع الدولية، ولكن عندما التقى سفراء الاتحاد الأوروبي لصياغة استراتيجية أوسع في اجتماع مغلق، استمرت المناقشة مع المسؤولين الهنود نحو ساعتين، وكانت بمثابة «دعوة لتكثيف العمل في المنطقة»؛ على حد قول أحد الدبلوماسيين.
وأخيراً؛ أبرزت الصحيفة البريطانية أن محاولات «بروكسل» لمكافحة نفوذ الصين تأتي في الوقت الذي تحاول فيه أيضاً تعميق علاقاتها الاقتصادية مع بكين، بما في ذلك موافقتهما على توقيع اتفاقية استثمار مؤقتة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
يذكر أيضاً أن الاتحاد الأوروبي أقام شراكة مماثلة في عام 2019 مع اليابان لبناء ما وصفه شينزو آبي، رئيس الوزراء آنذاك، بأنه «اتصال مستدام قائم على القواعد من المحيطين الهندي والهادي إلى غرب البلقان وأفريقيا».
وفي سياق مواز، قالت الصين الخميس إن إلغاء أستراليا اتفاقاً حول مشروع «طرق الحرير الجديدة» وسط توتر حاد بين بكين وكانبيرا، يشكل «مساساً خطيراً» بالعلاقات الثنائية. وحذر وانغ وينبين، أحد المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية، بأن «الجانب الصيني يحتفظ بالحق في اتخاذ إجراءات إضافية في هذا الصدد».
وأعلنت الحكومة الفيدرالية الأسترالية الثلاثاء إنهاء اتفاق وقعته ولاية فيكتوريا للانضمام إلى «طرق الحرير الجديدة». وأطلق هذا المشروع في 2013 بمبادرة من الرئيس الصيني شي جينبينغ بهدف تحسين الروابط التجارية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا وحتى خارجها من خلال بناء الموانئ والسكك الحديدية والمطارات أو المجمعات الصناعية.
وقررت وزيرة الخارجية الأسترالية ماريز باين إلغاء النصوص الموقعة في 2018 و2019، عادّةً أنها تتعارض مع السياسة الخارجية التي تنتهجها كانبيرا. وقال المتحدث الصيني وانغ وينبين إن «الحكومة الفيدرالية الأسترالية وضعت بشكل غير عقلاني (فيتو) على اتفاق التعاون هذا». وأضاف: «إنه تدخل تعسفي في التعاون والمبادلات الطبيعية»، عادّاً أن ذلك يشكل «مساساً خطيراً بالعلاقات الصينية - الأسترالية والثقة المتبادلة بين البلدين».
لكن وزير الدفاع الأسترالي بيتر داتون رأى أن كانبيرا «قلقة» من عقد حكومات محلية اتفاقات من هذا النوع مع بكين. وقال لمحطة إذاعية: «لا يمكننا السماح بهذا النوع من الاتفاقات... لأنها تستخدم لأغراض دعائية». وأوضح أن مشكلة الحكومة ليست مع الشعب الصيني؛ بل في «قيم أو رؤية الحزب الشيوعي الصيني».
وفي أوج الخلاف مع بكين، تبنت كانبيرا العام الماضي قوانين جديدة لإلغاء أي اتفاق يبرمه ممثلو ولاية أسترالية ودول أخرى وتعدّ أنه يهدد المصلحة الوطنية. وبدأت العلاقات الثنائية تتراجع في 2018 عندما استبعدت أستراليا مجموعة الاتصالات الصينية العملاقة «هواوي» من بناء شبكتها لـ«الجيل الخامس (5جي)»، بداعي الأمن القومي. وتفاقم التوتر عندما دعا رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون العام الماضي إلى إجراء تحقيق دولي في مصدر وباء «كوفيد19».
من جانبها، فرضت بكين سلسلة من الإجراءات الاقتصادية الانتقامية في الأشهر الأخيرة ضد عشرات المنتجات الأسترالية؛ بما فيها الشعير ولحوم الأبقار والنبيذ.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.