الاتحاد الأوروبي يسعى لأن يكون بطلاً في مجال الذكاء الصناعي

نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية مارغريت فستاغر (رويترز)
نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية مارغريت فستاغر (رويترز)
TT

الاتحاد الأوروبي يسعى لأن يكون بطلاً في مجال الذكاء الصناعي

نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية مارغريت فستاغر (رويترز)
نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية مارغريت فستاغر (رويترز)

كشفت بروكسل عن مشروع قانون يهدف إلى جعل أوروبا بطلة في مجال الذكاء الصناعي مع تجنب أي انتهاكات مستقبلية، من ضمان سلامة المركبات ذاتية القيادة إلى احترام الحقوق تجاه أنظمة المراقبة.
ولخّصت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية مارغريت فستاغر المشروع الهادف إلى إنقاذ الأرواح بفضل تشخيصات طبية أفضل ومساعدة المزارعين على تحسين مواردهم ومساعدة المهندسين في إعادة بناء كاتدرائية نوتردام في باريس بقولها: «الذكاء الصناعي يحسّن الكثير من جوانب حياتنا وسيكون الوضع أفضل بعد»، لكن «لا يمكننا أن نحقق التميز إلا بالثقة بأنفسنا»، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وقدمت بروكسل مسودتها الأولى التي جاءت نتيجة ثلاث سنوات من العمل، لإطار قانوني لتأطير هذه الثورة الصناعية بناء على برامج وبيانات.
ويريد الاتحاد الأوروبي إنشاء نموذج أخلاقيات أوروبي من أجل تهدئة المخاوف وإطلاق الابتكار وإلهام بقية العالم كما فعل ذلك في مجال حماية البيانات.
فأوروبا فوّتت ثورة الإنترنت وليس لديها أي مجموعة متكافئة مع المجموعات الأميركية العملاقة «غوغل» و«أبل» و«فيسبوك» و«أمازون» و«مايكروسوفت» والصينية «بايدو» و«علي بابا» و«تينسنت» و«تشاومي».
لكن ما زال أمامها الكثير الذي يمكن أن تتألق فيه في هذه الثورة الصناعية الجديدة التي سببها الانفجار الهائل لتكنولوجيا المعلومات في مجالات مختلفة أبرزها النقل والطاقة والسياحة والزراعة والطب.
ويستند المشروع الذي كشف الأربعاء والذي لا يتعلق بالاستخدامات العسكرية، على تقويم الأخطار كل حالة على حدة.
وهو يهدف إلى حظر عدد محدود من الاستخدامات التي تتعارض مع الحقوق الأساسية. وعلى سبيل المثال، ستحظر أنظمة «المراقبة العامة» للسكان و«المستخدمة للتلاعب بسلوك» المواطنين «أو آرائهم أو قراراتهم».
وسيتم توفير تصاريح استثنائية لمحاربة الإرهاب والأمن العام. وأثارت هذه التقنيات «مخاوف شعبية» ترجمت في أعمال خيالية، على ما قال المفوض المسؤول عن الشؤون الرقمية في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون ذاكرا فيلم «تيرمينيتور» الذي يستعرض نضال الآلات للسيطرة على البشر.
وتغذي هذه المخاوف أيضاً احتمالات السيطرة على سكان البلدان التي تحكمها أنظمة استبدادية. وستحظر في أوروبا خصوصاً أنظمة رصد المواطنين المستخدمة في الصين.
ويوفر نص المشروع متطلبات تنظيمية للفئات التي تعتبر «عالية الأخطار» التي تندرج في إطاره.
ستخضع فئة أولى تشمل «تحديد هوية الأشخاص من خلال التقنيات البيومترية في الأماكن العامة» و«عناصر الأمن في البنى التحتية العامة الأساسية»، لاختبارات الامتثال التي تجريها سلطة من طرف ثالث.
وتضم الفئة الثانية أنظمة تحديد أولويات خدمات الطوارئ والوصول إلى المؤسسات التعليمية وأدوات التوظيف. وسيتم ضمان امتثالها للقواعد من خلال تقويم ذاتي تجريه الشركة تحت سيطرة سلطة إشرافية.
أما الاستخدامات الأخرى التي تعتبر آمنة، فلن تفرض عليها قيود تنظيمية إضافية.
ومن جهة التمويل، يخطط الاتحاد الأوروبي لاستثمار مليار يورو سنوياً في التقنيات الرقمية ما يولد ما مجموعه 20 مليار يورو من الاستثمارات على مدى العقد المقبل.
وقد لاقى المشروع استحسان الشركات. وقال تحالف «بيزنيس سوفتوير آلاينس» أحد مجموعات الضغط في القطاع الرقمي «وضعت ضمانات مناسبة لزيادة الفوائد والاستخدامات» للذكاء الصناعي. وتأمل «سي سي آيه إيه» وهي مجموعة مهنية أخرى، في «أن يتم توضيح الاقتراح بشكل أكبر، وأن يكون مستهدَفاً لتجنب البيروقراطية غير الضرورية».
من جانبه، يخشى ألكسندر دو ستريل المدير المشارك لمركز البحوث «ريغوليشن إن يوروب» احتمال حدوث تباطؤ في الجهود البحثية. ووفقاً له، فإن الإطار المقترح «مفتوح نسبياً وسيعتمد كل شيء على طريقة تفسيره» من القضاء.
وبالنسبة إلى الآخرين، لا يذهب النص بعيداً بما يكفي. الاقتراح «يفتح الباب للمراقبة المعممة تحت ستار الأمن العام» كما قال النائب البيئي ديفيد كورمان. وقالت أورسوليا رايخ من منظمة «ليبرتيز» غير الحكومية «يسمح بالعديد من الاستخدامات الإشكالية للتكنولوجيا مثل استخدام الخوارزميات لتوقع الجرائم».
وستتم مناقشة التشريع الجديد على مدى أشهر مع البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء الـ27 قبل إقرار النص النهائي.



هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)
جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)
TT

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)
جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة على الجبهات.

كانت الدبابات ذات يوم ملكة المعارك، لكن انتشار الطائرات من دون طيار في أوكرانيا يعني أن هذه الآليات الكبيرة والصاخبة يمكن رصدها واستهدافها خلال دقائق.

ولهذا استخدمت عشرات الدبابات الغربية المتطورة بشكل محدود في المعركة التي كان من المفترض أن تكون عمادها، وتعمل الجيوش على إضافة تكنولوجيا جديدة للدبابات لتستطيع رصد وحماية نفسها من الطائرات من دون طيار، وتصبح أكثر قدرة على المناورة.

تغيرت تكتيكات المعارك بالفعل، ويتم دمج الدروس المستخلصة من حرب أوكرانيا في التدريبات العسكرية. وقال الجنرال جيمس رايني، الذي يرأس قيادة مستقبل الجيش الأميركي، التي تبحث في طرق تجهيز وتحويل الجيش: «على المدى القريب، يجب علينا أن نقوم ببعض التعديلات سريعاً للحفاظ على تشكيلاتنا المدرعة».

وتقول صحيفة «وول ستريت جورنال» إن إعادة التفكير بخصوص الدبابات تعدّ علامة أخرى على كيفية تغيير الطائرات من دون طيار لشكل الحروب.

فالتكيف مع عصر الطائرات من دون طيار أمر حيوي للغاية إذا كانت الجيوش الغربية، التي تضع الدبابات في قلب استراتيجيتها للحرب البرية، تريد أن تحافظ على تفوقها في الحرب التقليدية.

لقد تكيفت الدبابات مع أعداء جدد من قبل، مثل الطائرات والصواريخ المضادة للدبابات.

وفي الأسابيع الأخيرة، ساعدت الدبابات القوات الأوكرانية على التقدم في منطقة كورسك الروسية، وهي منطقة شهدت معركة حاسمة بالحرب العالمية الثانية في عام 1943.

امرأة مدنية أوكرانية تحمل سلاحاً مضاداً للدبابات خلال تدريب عسكري (أ.ف.ب)

يظهر استخدام أوكرانيا للدبابات كيف أن هذه المركبة العسكرية، التي استخدمها الجيش البريطاني لأول مرة في عام 1916، لا يزال لها دور، رغم أن القوات الأوكرانية لم تواجه في هجوم كورسك إلا مجندين بتسليح خفيف ودون غطاء من الطائرات من دون طيار.

ورأى الجنود الأوكرانيون الذين يمتلكون أفضل الدبابات الغربية كيف تصبح هذه الدبابات عديمة الجدوى خلال ساعات. على سبيل المثال، عندما علم جنود الفوج الميكانيكي الأوكراني 47، العام الماضي، بأنهم سيتلقون دبابة «أبرامز» الأميركية، التي يبلغ سعر الواحدة منها 10 ملايين دولار، كانوا يأملون في أنهم سيتمكنون أخيراً من اختراق خطوط الدفاعات الروسية، لكن خلال زيارة في بداية الصيف، كانت دبابتهم تجلس بلا حراك مع 4 دبابات «أبرامز» أخرى بعيداً عن خطوط الجبهة.

ويشير فريق «أوريكس»، وهو فريق مستقل من المحللين الذين يتابعون الخسائر العسكرية، إلى أنه من بين 31 دبابة «أبرامز» أرسلتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا، دمرت 6 دبابات، وفقاً لفريق «أوريكس»، أما الباقي فيستخدم بشكل محدود.

ويضيف «أوريكس»، وفقاً لـ«وول ستريت جورنال»، أن 12 من أصل 18 دبابة ألمانية من طراز «ليوبارد» تلقتها أوكرانيا قد دمرت أو عطبت، ويؤكد الفريق أن روسيا عانت من خسائر ثقيلة في الدبابات أيضاً.

وقال سائق أوكراني لإحدى دبابات «أبرامز» واسمه الرمزي «سميليك»: «بمجرد أن تبدأ في القيادة، ترصدك طائرة من دون طيار، ثم تُستهدف بالمدفعية أو الصواريخ المضادة للدبابات أو بالطائرات المسيرة، أو القنابل الجوية الموجهة».

في بداية الحرب، كان القادة غالباً ما يخفون دباباتهم ومركباتهم المدرعة الأخرى في خنادق وتمويهها، ثم يظهرون لإطلاق النار عندما يدخل العدو في المدى المؤثر.

جنود أوكرانيون يقودون دبابة على طريق بالقرب من الحدود مع روسيا في منطقة سومي بأوكرانيا في 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

ويضيف الرقيب ليوبومير ستاخيف: «الآن، كل شيء مراقب، ولم يعد بإمكانك حتى حفر خندق للاختباء».

ويقول أنطون هافريش، قائد سرية دبابات مجهزة بدبابات «ليوبارد»، إن مهارة قائد الدبابة كانت تُحدد سابقاً بقدراته في مواجهة دبابات العدو وحماية المشاة، لكن الآن أصبح الأمر يتعلق بالقدرة على إطلاق النار ثم الانسحاب سريعاً.

وتعدل القوات الأوكرانية دباباتها لحمايتها من الطائرات المسيرة، فتبني طواقم الدبابات أقفاصاً حديدية حول برج الدبابة.

والدبابات أكثر عرضة لخطر الطائرات المسيرة مقارنة بالمركبات المدرعة الأخرى، بسبب حجمها وأبراجها الكبيرة، خصوصاً أن الجزء العلوي من البرج يكون تدريعه خفيفاً. كما أن مدفع الدبابة غير مناسب لإسقاط الطائرات المسيرة، وعادة ما تحمل المركبات من 30 إلى 40 قذيفة.

جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)

تهديد جديد

تمثل الطائرات المسيرة تهديداً جديداً أرخص تكلفة من أعداء الدبابات التقليديين؛ مثل الطائرات أو الصواريخ المضادة للدبابات، حيث يمكن للطائرات المسيرة المخصصة للمراقبة أن تساعد الأسلحة التقليدية في استهداف تشكيلات الدبابات بشكل أفضل.

ويرى العقيد يوهانا سكيتا، قائد لواء دبابات فنلندي، أن «هذا المزيج (من طائرات المراقبة والأسلحة التقليدية) هو ما يجعلها تهديداً كبيراً للدبابة».

وتابع سكيتا: «كثرة استخدام الطائرات المسيرة أدت لزيادة التركيز في التدريب على ضرورة الحركة المستمرة، فلا يمكنك ترك الدبابات في منطقة مفتوحة ولو للحظة واحدة. كلما توقفت الحركة، يجب أن تكون تحت الأشجار، أو أن تجد مخبأً».

جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

في الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة التوصل إلى معادن أخف وزناً لدباباتها لزيادة قدرة الدبابة على المناورة. وكذلك تقليل بصمتها الإلكترونية عن طريق استخدام مواد طلاء جديدة، فيصبح من الصعب كشفها.

وتضع الولايات المتحدة وحلفاؤها تدابير مضادة جديدة في كثير من دباباتهم؛ مثل النظام الإسرائيلي «القبضة الحديدية» الذي يطلق قنابل صغيرة عند اكتشاف تهديدات من الجو.

وأصبحت أجهزة الحرب الإلكترونية، التي تعطل الإشارات الموجهة للطائرات من دون طيار، مما يجعلها غير فعالة تقريباً، ضرورية للدبابات.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يقف بجانب مسيرة إيرانية من طراز «شاهد» في 27 أكتوبر 2022 (أرشيفية - الرئاسة الأوكرانية)

ويقول مسؤولون أميركيون إنه إذا دخلت الولايات المتحدة نزاعاً، فإنها ستستخدم تركيبة من الدبابات والطائرات وأنظمة الدفاع الجوي لتوفير حماية أكبر، بطريقة لم تتمكن أوكرانيا من تنفيذها.

ويعتقد بعض الضباط الكبار في الجيش الأميركي، وفقاً لـ«وول ستريت جورنال»، أن الجيش استثمر بشكل كبير في الدبابات. بينما تخلى مشاة البحرية الأميركية عن دباباتهم العاملة منذ 4 سنوات كجزء من إعادة هيكلة هدفها جعل المنظمة أكثر مرونة.

دبابة «أبرامز» أميركية خلال معرض دفاعي في أستراليا (إ.ب.أ)

ويعتقد اللفتنانت جنرال كيفن أدميرال، الذي يقود فرقة الجيش الأميركي المدرعة الثالثة في فورت كافازوس بتكساس، أنه «في النزاعات حيث يمتلك الخصوم مركبات مدرعة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى الدبابات لإحداث تأثير الصدمة والاختراق والتمكين بسرعة».

ويقول جندي أوكراني اسمه الرمزي «بيرشيك»: «الشهر الماضي، دخل فصيل من الجنود الأوكرانيين قرية في منطقة كورسك الروسية قبل أن يضطروا للانسحاب بسبب النيران المضادة، ثم جاءت دبابة دعم وقصفت موقع العدو، وانتهى الأمر».