يبدو أن التعافي السريع الذي شهده الاقتصاد مؤخراً من تداعيات جائحة فيروس كورونا، يتلاشى. لأنه كما أن بعض المرضى بفيروس كورونا المستجد يظلون يعانون من بعض الأعراض لفترة طويلة بعد شفائهم من الفيروس، فإن الاقتصاد العالمي يخضع لنفس القاعدة.
ففي الوقت الذي أسهمت فيه حزم التحفيز الاقتصادي التي بلغت قيمتها نحو 26 تريليون دولار وتوزيع ما يقرب من مليار جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في تحقيق تعافٍ اقتصادي أسرع من المتوقع، فإن التداعيات الخطيرة للأزمة على التعليم وشطب مئات الملايين من الوظائف ووصول معدلات الدين العام إلى مستويات لم تحدث إلا في أزمان الحروب، وتزايد الفجوة في الدخول بين الأعراق المختلفة وبين النساء والرجال وبين الأجيال وبين المناطق الجغرافية، ستسبب ندوباً غائرة على وجه الاقتصاد العالمي، خصوصاً في الدول الفقيرة لسنوات طويلة مقبلة، بحسب المحللين الاقتصاديين إندا كوران وسيمون كيندي.
وتقول فيلور آرثي، الأستاذة في جامعة كاليفورنيا الأميركية التي درست الآثار الاقتصادية والصحية طويلة المدى للأزمات الماضية، إنه «من السهل جداً بعد عام شاق أو أكثر أن تشعر بالارتياح حقاً لعودة الأمور إلى مسارها الصحيح، ولكن بعض آثار تلك الأزمة التي نراها تاريخية ستستمر لعقود ولن يكون من السهل علاجها».
وفي التحليل الذي نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، قالت إندا كوران وسيمون كيندي إن كل المؤشرات تقول إن إجمالي الناتج المحلي للعالم سجل في العام الماضي أكبر تراجع له منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين.
وتقول منظمة العمل الدولية إن نحو 255 مليون شخص فقدوا وظائفهم الدائمة بسبب الجائحة. ويقول الباحثون في مركز أبحاث بيو الأميركي إن الطبقة المتوسطة انكمشت لأول مرة منذ تسعينيات القرن العشرين.
ولكن عبء هذه الجائحة لم يقع بالتساوي بين دول العالم. وقد أظهرت بطاقة قياس مؤلفة من 31 مقياساً شملت 162 دولة تحت إشراف مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس، أن الفلبين وبيرو وكولومبيا وإسبانيا هي الاقتصادات الأشد عرضة للتداعيات طويلة المدى للجائحة، في حين أن أستراليا واليابان والنرويج وألمانيا وسويسرا بين الدول الأفضل في التعافي من الجائحة.
وتقول كارمن رينهارت، كبيرة الباحثين في البنك الدولي، إن العودة إلى معايير ما قبل جائحة كورونا ستستغرق وقتاً.
ويرى صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات المتقدمة هي أقل من تأثر بتداعيات الفيروس خلال العام الحالي وما بعده، في حين أن الاقتصادات الفقيرة والصاعدة ستعاني بصورة أكبر، على خلاف الوضع أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008، عندما كانت الدول المتقدمة الأشد تضرراً، في حين كانت الاقتصادات النامية والصاعدة الأقل تضرراً.
ورغم أن التوقعات تشير إلى أن إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة سيكون أكبر من التوقعات قبل الجائحة بفضل حزم التحفيز الضخمة، فإن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن أكبر اقتصاد في العالم سيظل يعاني من بعض الندوب الناجمة عن الجائحة. ويقول الخبراء، بمن فيهم آرثي، إنه لن يكون هناك عقد ضائع إذا تم اتخاذ خطوات السياسة الصحيحة، لا سيما في مجالات إعادة تأهيل العمال ومساعدة الذين تضرروا بشدة من الأزمة.
وبحسب كاترين مان، كبيرة المحللين الاقتصاديين في «سيتي غروب»: «الابتكار يدعم نمو الإنتاجية بنسبة أكبر، والاستثمارات الجديدة ترفع مستوى المعيشة... كما يجب وضع الاستراتيجيات التي تضمن استفادة العمال من فرص زيادة الإنتاجية».
وبالفعل، فإن الدول التي كانت أسرع في السيطرة على الفيروس أرسلت إشارات تحذير من الآثار السلبية لاستمرار التفاوت بين دول العالم في سرعة التعافي من الجائحة في المستقبل. ففي حين حقق الاقتصاد النيوزيلندي تعافياً سريعاً خلال العام الماضي، عاد وسجل انكماشاً خلال الربع الأول من العام الحالي بسبب ضعف حركة السياحة الخارجية، ما أدى إلى ثغرة في الاقتصاد لم يتمكن السكان المحليون من سدها. وفي الصين التي كانت الأسرع في احتواء الجائحة، يعاني الاقتصاد من تباطؤ الإنفاق على مبيعات التجزئة، مما يحد من النمو الأوسع نطاقاً للاقتصاد الصيني.
ويقول توم أورليك، كبير المحللين الاقتصاديين في «بلومبرغ»، إن هناك تركيزاً على بيانات إجمالي الناتج المحلي، مع الضجيج الذي تثيره الولايات المتحدة والصين بنجاحهما في تحقيق تعافٍ سريع. ولكن تحت السطح فإن التباين بين الاقتصادات المتقدمة والصاعدة وبين الشركات الكبرى والشركات المنافسة الأصغر وبين العمال الأعلى مهارة والأقل مهارة يشير إلى ندوب ستظل على وجه الاقتصاد العالمي لفترة طويلة قبل أن تلتئم.
اقتصاد العالم يحتاج إلى سنوات للتعافي من تداعيات «كورونا»
إجمالي الناتج المحلي للعالم سجل في 2020 أكبر تراجع منذ الكساد الكبير
اقتصاد العالم يحتاج إلى سنوات للتعافي من تداعيات «كورونا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة