يستضيف البيت الأبيض اليوم وغدا قمة المناخ التي تم التحضير لها على مدى الأسابيع الماضية بشكل مكثف، تزامنا مع نشاطات يوم الأرض العالمي. وفي هذه المناسبة دعا الرئيس الأميركي جو بايدن 40 من قادة العالم إلى المشاركة فيها اليوم وغداً. ومن المنتظر أن تؤكد القمة الافتراضية، التي تُبثّ أحداثها مباشرة إلى الجمهور، على الضرورة الملحة والفوائد الاجتماعية والاقتصادية لاتّخاذ مسلك أقوى تجاه المناخ. وسيكون المؤتمر معلَماً رئيسياً على الطريق إلى مؤتمر الأمم المتحدة الـ26 حول تغيُّر المناخ، الذي يلتئم في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في اسكوتلندا بغلاسكو. وشدّد العلماء في السنوات الأخيرة على التقيّد بحدّ أقصى للارتفاع الحراري للكوكب مقداره 1.5 درجة مئوية، من أجل درء أسوأ آثار تغيُّر المناخ. وسيكون الهدف الرئيسي لكل من قمة القادة هذا الشهر، وقمة الأمم المتحدة الدولية لتغيُّر المناخ لاحقاً، تحفيز الجهود التي تجعل هدف الـ1.5 درجة في متناول اليد سريعاً. وستسلّط القمة الضوء أيضاً على أمثلة حول كيف يمكن لخطة مناخية طموحة أن تخلق وظائف ذات أجور جيدة وتعزّز التقنيات المبتكرة وتساعد البلدان الأكثر فقراً وتأثُّراً على التكيُّف مع تأثيرات المناخ. ويُنتظر أن تعلن الولايات المتحدة في المناسبة عن هدف طموح يتعلّق بتخفيض أكبر لانبعاثاتها الكربونية لسنة 2030 كمساهمة جديدة بموجب اتفاقية باريس. كما شجّع بايدن في دعوته القادة على استخدام القمة كفرصة للإعلان عن كيف ستسهم بلدانهم أيضاً في تحقيق طموح مناخي أقوى.
وسيشارك في القمة الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، رغم التوترات القائمة بين واشنطن وكل من بكين وموسكو على خلفية عدد من الملفات.
وتترقب أسواق المال التوصيات والقرارات التي ستخرج من هذه القمة فيما يتعلق بصناعات الفحم والغاز والسيارات. ومن المتوقع أن يعلن الرئيس بايدن خلال القمة خطة صارمة لخفض انبعاثات الغازات الضارة وثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بحلول عام 2030 وهو معدل أسرع من الخطط السابقة، التي وعدت للوصول لهذه النسبة بحلول عام 2050، كما تعتزم إدارة بايدن حشد جهود الاقتصادات الكبرى في «تقليل الانبعاثات الغازية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية.
ويعتقد خبراء المناخ في الأمم المتحدة أنه يمكن أن يؤدي خفض هذه الانبعاثات بنسبة 30 في المائة إلى تحقيق فوائد صحية تصل قيمتها 68 مليار دولار كل عام. وأعلن الكرملين في بيان أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيشارك بكلمة في القمة يحدد فيها رؤية روسيا في سياق إقامة تعاون دولي واسع النطاق للتغلب على العواقب السلبية لتغير المناخ. وقبل المؤتمر، اتفقت الولايات المتحدة والصين، أكبر ملوثين للبيئة في العالم، على التعاون لمكافحة التغير المناخي على وجه السرعة. وتوصل إلى الاتفاق المبعوث الأميركي الخاص للمناخ جون كيري ونظيره الصيني شي جينهوا خلال يومين من المحادثات في شنغهاي الأسبوع الماضي.
ويقول المحللون إن العلاقة بين واشنطن وبكين بشأن تغير المناخ متوترة، حيث تهدد انتهاكات حقوق الإنسان والمفاوضات التجارية ومطالبات الصين الإقليمية بتايوان وبحر الصين الجنوبي بتقويض مثل هذه الجهود. لكن اللافت أن الرئيس الصيني شي جينبينغ شارك الأسبوع الماضي في قمة مناخية مصغرة دعت إليها ألمانيا وفرنسا، وجاءت بمثابة استباق لقمة بايدن. فكأن الدول الأوروبية والصين قصدت توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة أنها لم تتنكر يوماً لالتزاماتها المناخية ولم تنسحب من المعاهدات كي تعود إليها، كما فعلت أميركا تحت إدارتي الرئيسين بوش وترمب. وهي، إذ ترحب اليوم بالعودة الأميركية، ستبقى سيدة قراراتها ولن تقبل بالظهور كأنها تخضع لإملاءات أميركية.
وقد ظهر هذا الموقف عملياً في تأخُّر الصين بقبول الدعوة الأميركية، وإعلانها مع أوروبا عن التزامات مناخية جديدة مسبقاً، لئلا يظهر كأنها جاءت نتيجة لضغط أميركي. وستجمع القمة مجدداً منتدى الاقتصادات الكبرى حول الطاقة والمناخ، الذي يضمّ 17 دولة مسؤولة عمّا يقرب من 80 في المائة من الانبعاثات العالمية والناتج المحلي الإجمالي العالمي. كما دعا بايدن رؤساء الدول الأخرى التي تبدي دوراً قياديا قوياً في مجال المناخ، أو تلك المعرّضة بشكل خاص لتأثيرات المناخ، أو التي ترسم مسارات مبتكرة للوصول إلى اقتصاد «صفر كربون».
ويشارك في القمة عدد من رجال الأعمال وقادة المجتمع المدني. ومن المقرر أن يصدر أمر تنفيذي بشأن الاستثمارات في المناخ في أسواق رأس المال، وهي خطوة يمكن أن تحول الاستثمارات بشكل عام مع تداعياتها على قطاعي الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة.
وأشار محللون بصندوق النقد الدولي خلال اجتماعات الربيع في وقت سابق من هذا الشهر أن القرار التنفيذي الذي سيصدره الرئيس بايدن سوف يغير توجهات تخصيص رأس المال. وبناء على هذا القرار سيقوم المستثمرون بإجراء تقييمات مع الأخذ في الاعتبار المخاطر طويلة الأجل على الاستثمار بناءً على أزمة المناخ».
وقالت إدارة بايدن إنها ستضع خطة تمويل مناخي حول كيفية استخدام الولايات المتحدة بشكل استراتيجي للمؤسسات المالية المختلفة لمساعدة الدول النامية في اتخاذ إجراءات مناخية طموحة. ومن المرجح أن تشمل الالتزامات الجديدة 60 مليار دولار لمشاريع النقل الأخضر، و46 مليار دولار للبحث والتطوير المتعلقين بالمناخ، وتركيب محطات شحن السيارات الكهربائية في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وتبحث جميع الوكالات الفيدرالية الأميركية الآن عن طرق للحد من الانبعاثات خاصة غاز الميثان، نظراً لأن الميثان ملوث قوي ولكنه قصير العمر مقارنة بثاني أكسيد الكربون.
ويراقب المستثمرون في صناعات الفحم والغاز بشكل خاص الخطوات التي تنوي إدارة بايدن اتخاذها ودفع بقية الدول للمضي قدما فيها. فمن المرجح أن يتم استهدافهم قبل الغاز الطبيعي المسال. الصناعة الأخرى التي من المحتمل أن تتأثر بقرارات القمة ستكون صناعة السيارات، فمن المتوقع أن تخضع أسواق السيارات للتنظيم المتعلق بانبعاثات أنبوب العادم، وهذا من شأنه أن يكون له آثار على الأسواق الجديدة والمستعملة خلال السنوات الخمس المقبلة. وتعتبر الزراعة وقطع الأشجار من الصناعات الأخرى أيضاً في دائرة الضوء نظراً للدفع نحو حبس الكربون في التربة وإنشاء مصارف للكربون.
وفي الوقت نفسه، يتوقع المحللون أن يرتفع الإنفاق العالمي على الطاقة المتجددة بنسبة 8.5 في المائة في عام 2021 أي 243 مليار دولار أميركي في عام 2021. وهو أقل بنسبة 22 في المائة فقط من الإنفاق المتوقع على النفط والغاز، والذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 1.6 في المائة.
أهداف القمة في سطور
> تحفيز الجهود التي تبذلها الاقتصادات الكبرى في العالم للحدّ من الانبعاثات خلال هذا العقد الحرج لجعل الحدّ الأقصى للاحترار العالمي البالغ 1.5 درجة مئوية في متناول اليد.
> حشد تمويل القطاعين العام والخاص لدفع التحول لصافي الانبعاث الصفري ومساعدة البلدان الضعيفة على التعامل مع تأثيرات المناخ.
> جلب الفوائد الاقتصادية للعمل المناخي، مع التركيز القوي على خلق فرص العمل، وأهمية ضمان استفادة جميع المجتمعات والعمال من الانتقال إلى اقتصاد الطاقة النظيفة الجديد.
> تحفيز التقنيات التحويلية التي يمكن أن تساعد في تقليل الانبعاثات والتكيُّف مع تغيُّر المناخ، مع خلق فرص اقتصادية جديدة وبناء صناعات المستقبل.
> دعم الجهات الفاعلة المحلية وغير الحكومية، الملتزمة بالتعافي الأخضر وبرؤية عادلة لإبقاء الاحترار العالمي عند حدود 1.5 درجة مئوية، والعمل عن كثب مع الحكومات الوطنية لتعزيز الطموح والقدرة على الصمود.
> مناقشة فرص تعزيز القدرة على حماية الأرواح وسبل العيش من تأثيرات تغيُّر المناخ، والتصدي للصعوبات الأمنية العالمية التي يفرضها تغيُّر المناخ وتأثيره على الجاهزية، ومعالجة دور الحلول القائمة على الطبيعة في تحقيق هدف «صفر كربون» بحلول سنة 2050.