المحافظون يختارون لاشيت مرشحاً للمستشارية في ألمانيا

أرمين لاشيت (إ.ب.أ)
أرمين لاشيت (إ.ب.أ)
TT

المحافظون يختارون لاشيت مرشحاً للمستشارية في ألمانيا

أرمين لاشيت (إ.ب.أ)
أرمين لاشيت (إ.ب.أ)

ثبّت التيار المحافظ في ألمانيا، اليوم (الثلاثاء)، ترشيح أرمين لاشيت المثير للجدل، لمنصب المستشارية في انتخابات سبتمبر (أيلول)، بينما أقر خصمه بالهزيمة بعد معركة صعبة أثارت انقسامات عميقة في صفوف التكتل.
وبعد ساعات على حصول لاشيت (60 عاماً) على دعم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، تراجع رئيس وزراء مقاطعة بافاريا ماركوس زودر، أخيراً بعد أسبوع من تمسّكه بالترشّح.
وقال زودر: «حُسم الأمر... أرمين لاشيت هو مرشّح المستشارية» عن تحالف الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي المحافظ، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف: «هناك أيام مخصصة للنقاشات... هناك أيام مخصصة للقرار... تم ذلك كله وبات من المهم الآن أن نتطلع معاً إلى المستقبل»، متمنياً النجاح للاشيت ومؤكداً دعم حزبه له.
ويأتي التراجع بعد صراع استمر تسعة أيام في أوساط النواب والشخصيات البارزة وضمن التكتل المحافظ الذي كاد يدفع التحالف إلى حافة الانفجار الداخلي في وقت تستعد ميركل لمغادرة عالم السياسة بعد 16 عاماً في السلطة.
وبينما حصل لاشيت، حليف ميركل منذ زمن طويل، على تأييد قادة الاتحاد المسيحي الديمقراطي، يحظى زودر بدعم أكبر بكثير في أوساط العامة.
وكشف استطلاع للرأي أجرته صحيفة «بيلد» بشأن السياسيين الأكثر شعبية في ألمانيا، أن زودر يحتل الصدارة، ويتجاوز ميركل بقليل بينما حل لاشيت في المرتبة الثانية عشرة.
وظل لاشيت موالياً لميركل ودعمها بينما كانت تواجه انتقادات على خلفية أزمة الهجرة عام 2015.
ورغم التململ في المزاج العام في تلك الفترة على خلفية وصول أكثر من مليون طالب لجوء، فاز لاشيت في ولاية شمال الراين - وستفاليا، وهي منطقة صناعية شاسعة تعد معقلاً للاشتراكيين الديمقراطيين، في انتخابات إقليمية سنة 2017، ما أعطى دفعة مهمة للاتحاد المسيحي الديمقراطي.
كما فاز لاشيت، الطليق باللغة الفرنسية والذي يصف نفسه بأنه «أوروبي بشغف»، في معركة رئاسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي، منتصراً على خصم شرس هو فريدريش ميرز.
لكن بدا أنه يشق طريقه بعيداً عن ميركل في مارس (آذار)، عندما تحدى دعوات المستشارة لقادة ولايات ألمانيا الست عشرة إلى تشديد تدابير الإغلاق.
ودافع لاشيت عن مقاربة ولاية شمال الراين - وستفاليا الفضفاضة للإجراءات الوطنية المعلنة لاحتواء الفيروس، داعياً إلى «مزيد من الحرية والمرونة».
ومع إظهار استطلاع حديث لشبكة «إيه آر دي» للبث أن 44% من الألمان يرون أن زودر هو الأكثر كفاءة للترشح للمستشارية عن تحالف «الاتحاد المسيحي الديمقراطي - الاتحاد المسيحي الاجتماعي» بينما أيّدت لاشيت نسبة 15%، ستكون مهمة السياسي الستيني صعبة في تولي أعلى منصب في ألمانيا.
وسيتعيّن عليه قبل كل شيء توحيد الصفوف خلفه، وهو أمر أشار أعضاء بارزون في الاتحاد المسيحي الديمقراطي إلى أنه قد يكون معقّداً.
وبعد مؤتمر عبر الفيديو عُقد خلال ليل (الاثنين) وحصل فيه لاشيت على دعم مجلس الاتحاد المسيحي الديمقراطي، حذّر رئيس وزراء هسن، فولكر بوفيير، من أن القرار «قد لا يحظى بموافقة» قاعدة الحزب وأنصاره.
وأضرّت السجالات بموقف الحزب حينها في وقت تكافح أكبر قوة اقتصادية في أوروبا لطي صفحة الوباء الذي أودى بثمانين ألف شخص وأضر بآلاف الأعمال التجارية.
كما تمثل الفوضى في المعسكر المحافظ تناقضاً صارخاً مع الوضع في حزب الخضر (يسار وسط)، الذي يحل في المرتبة الثانية بعد تحالف المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي، إذ أعلن (الاثنين) ترشيح رئيسته المشاركة أنالينا بيربوك للمستشارية في مؤتمر صحافي هادئ في غياب أي مؤشرات على وجود انقسامات في صفوفه.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟