تراجعات طهران وواشنطن تسهل تحقيق تقدم في «مسار فيينا» النووي

اجتماع كبار الدبلوماسيين في اللجنة المشتركة للاتفاق النووي الإيراني في فيينا السبت (أ.ف.ب)
اجتماع كبار الدبلوماسيين في اللجنة المشتركة للاتفاق النووي الإيراني في فيينا السبت (أ.ف.ب)
TT

تراجعات طهران وواشنطن تسهل تحقيق تقدم في «مسار فيينا» النووي

اجتماع كبار الدبلوماسيين في اللجنة المشتركة للاتفاق النووي الإيراني في فيينا السبت (أ.ف.ب)
اجتماع كبار الدبلوماسيين في اللجنة المشتركة للاتفاق النووي الإيراني في فيينا السبت (أ.ف.ب)

أربعة عوامل رئيسية يمكن أن تفسر {التقدم} الذي تحقق حتى اليوم، في مفاوضات فيينا غير المباشرة بين واشنطن وطهران من أجل عودة الطرفين إلى الاتفاق النووي الموقع في عام 2015. الأولى خرجت منه في عام 2018، وأعادت فرض عقوبات قاسية على إيران. والثانية، تحللت من التزاماتها تدريجياً ووصلت أخيراً إلى حد تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة وتهدد بالذهاب إلى 90 في المائة، وهي النسبة الضرورية لإنتاج القنبلة النووية.
تقول مصادر أوروبية إن العامل الأول والرئيسي يكمن في {حاجة الطرفين للعودة للاتفاق ولكن لأسباب مختلفة}. فإيران تحتاجه لرفع العقوبات التي أوصلت اقتصادها وماليتها إلى الحضيض. وبالمقابل، فإن إدارة الرئيس بايدن ترى فيه {الضمانة الوحيدة} لإبقاء الملف {تحت رقابة الأسرة الدولية}، وبالتالي {منع طهران من التحول إلى قوة نووية} في الشرق الأوسط. والعامل الثاني أن الطرفين المعنيين قبلا العودة إلى العمل بمبدأ {الواقعية السياسية}، بحيث تراجع كلاهما عن مطالبه الأولى. فالجانب الإيراني قبل المفاوضات غير المباشرة بعد أن كان رفضها بداية، معتبراً أن لا حاجة لها. كذلك، فإن طهران تخلت عن المطالبة برفع كل العقوبات الأميركية أولاً ودفعة واحدة ليعقبها لاحقاً تخليها عن انتهاكاتها لبنود الاتفاق. وبدلاً من ذلك، فقد قبلت العمل بالمبدأ {الثلاثي}: التماثلية، والتزامن والتدرج والاكتفاء بالمطالبة برفع القيود التي فرضت بموجب الملف النووي وحده.
أما واشنطن، فقد قدمت هي الأخرى عدة {تنازلات}، ليس فقط رمزية كتوسيع نطاق تحرك الدبلوماسيين الإيرانيين المنتدبين لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بل ذات معنى مثل التخلي عن تراجع إيران أولاً عن كل انتهاكاتها، وتبني المبدأ {الثلاثي}. كذلك {تجاوزت} إدارة بايدن ما سمته {ابتزاز} طهران، حين قررت تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة وغضت النظر عن تهديدها بالذهاب أبعد من ذلك، فقررت الاستمرار في المفاوضات. ويمثل الدور الأوروبي العامل الثالث للتقدم، حيث لم يحصر في دور ناقل الرسائل، بل يعمل الدبلوماسيون الأوروبيون بالتعاون والتفاهم مع باريس وبرلين ولندن على تدوير الزوايا وطرح المقترحات وتقريب وجهات النظر المتباعدة و{تجزيء} المشكلات واتباع أسلوب تفاوضي مرن.
وأخيراً، فإن الطرفين متفقان على الحاجة لتحقيق اختراق في فترة زمنية وجيزة بسبب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الإيراني في 18 يونيو (حزيران) المقبل، حيث يريد الرئيس روحاني وفريقه أن يكون رفع العقوبات الأميركية أحد إنجازاته قبل خروجه من السلطة، فيما الطرف الأميركي يسعى إليه للتأثير على مجرياته لجهة توفير دعم {عن بعد} لرئيس {معتدل} يمكن التعامل معه، رغم أن القرار الأخير في الملف النووي والسياسة الخارجية بشكل عام يعود لـ{المرشد} الأعلى علي خامنئي.
كثيرون يرون في مقاربة بايدن {تسرعاً}، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً داخل الإدارة والكونغرس بمجلسيه. البعض يرى أن إدارة بايدن تخضع لـ{الابتزاز} النووي الإيراني. والبعض الآخر يتساءل عما إذا كانت طهران ستقبل الجلوس مجدداً إلى طاولة المفاوضات لمناقشة مستقبل برنامجها الباليستي ومآل سياستها الإقليمية، وحالة حقوق الإنسان، ومصير الأميركيين المحتجزين لديها، بعد أن تكون واشنطن قد رفعت العقوبات الرئيسية التي تضرب اقتصادها وأهمها اثنتان: حظر تصدير النفط ومنع إيران من الولوج إلى السوق المالية الدولية. كذلك ثمة تساؤلات عن وعود بايدن بضم دول إقليمية ذكر منها المملكة السعودية والإمارات وإسرائيل، إلى المفاوضات، لأنها معنية بكل الملفات قيد المناقشة اليوم وغداً.
وتجدر الملاحظة أن إيران ترفض قطعاً توسيع إطار المفاوضات وتعتبر أن برنامجها الصاروخي {محض دفاعي وخاص} بأمنها القومي، وبالتالي هو خارج إطار التفاوض... وتتساءل مصادر دبلوماسية عربية في باريس عن الأسباب التي تمنع الأميركيين والأوروبيين من اعتماد مبدأ تفاوضي معروف تم العمل به خلال المحادثات التي أفضت إلى اتفاق 2015، والقائل إنه {لا اتفاق نهائياً على أي جزء ما لم يتم الاتفاق على كل الأجزاء}. وبكلام آخر، يتم التفاهم على تعليق الاتفاقات الجزئية التي تتحقق بانتظار التفاهم على كل الأجزاء، وإن لم يتحقق لا يكون هناك أي اتفاق.
ولم يعد خافياً على أحد أن إيران ساعية لتثبيت المعادلة التالية بوجه الغربيين: إما أن ترفع واشنطن العقوبات أو أن طهران ماضية في تطوير برنامجها النووي. ورغم تراجعها المتكرر عن مواقفها {المبدئية} التي كانت فقط من منطق تفاوضي {اطلب الكثير لتحصل على ما يرضيك}، فإن الشعور العام في إيران أن {استراتيجيتها التفاوضية} سائرة على درب النجاح. بيد أن الأمور ليست بهذه البساطة: فمن جهة، يمكن أن تشهد الأيام المقبلة اشتداد المعارضة لنهج بايدن في الداخل والخارج. ومن جهة ثانية، يعترف المفاوضون بأن الملف {معقد}، وقال نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن هناك {خلافات شديدة} بين المتفاوضين رغم التقدم الذي تحقق. وأخيراً، لا يمكن الاستهانة بالعامل الإسرائيلي وقدرة تل أبيب على خلط الأوراق.



إردوغان تحت ضغط المعارضة لصمته تجاه الحوار مع أوجلان

صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)
صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان تحت ضغط المعارضة لصمته تجاه الحوار مع أوجلان

صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)
صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)

يواجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضغوطاً من أحزاب بالمعارضة لتوضيح موقفه من الاتصالات الجارية مع زعيم حزب «العمال» الكردستاني السجين عبد الله أوجلان في مسعى جديد لإنهاء الإرهاب وحل المشكلة الكردية في تركيا.

من ناحية أخرى، أجلت محكمة في إسطنبول، الأربعاء، النطق بالحكم في قضية يواجه فيها رئيس بلدية إسطنبول، المعارض، أكرم إمام أوغلو، حكماً بالحبس وحظر نشاطه السياسي إلى أبريل (نيسان) المقبل.

ورغم تأييد إردوغان المبادرة التي أطلقها حليفه في «تحالف الشعب»، رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للسماح لأوجلان بالحديث أمام البرلمان وإعلان حل حزب «العمال» الكردستاني، المصنف منظمة إرهابية، وإلقاء أسلحته وانتهاء مشكلة الإرهاب في تركيا مقابل النظر في إطلاق سراحه، لم يدل بتصريحات تعكس موقفه من الإفراج عن أوجلان بعد 25 عاماً أمضاها بسجن جزيرة إيمرالي ضمن عقوبة السجن مدى الحياة، لتأسسيه وقيادته منظمة إرهابية.

جانب من لقاء داود أوغلو ووفد إيمرالي (موقع حزب المستقبل التركي)

وقال رئيس حزب «المستقبل» المعارض، أحمد داود أوغلو، خلال كلمة بالبرلمان الأربعاء، جاءت بعد لقائه «وفد إيمرالي الجديد»، الذي يضم نائبي حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» سري ثريا أوندر وبروين بولدان والسياسي الكردي المخضرم، أحمد تورك، الاثنين: «هناك من يحاولون تعبئة الشارع وتأليب الأتراك ضد الأكراد والعرب، معتبراً أنهم يخدمون إسرائيل، لقد تكلم الجميع، لكن من يتحدث باسم الدولة هو الرئيس، وهو من سيتحمل عواقب الفشل الذي قد يحدث، وعليه أن يخرج ويشرح موقفه بوضوح».

بابا جان ووفد إيمرالي (موقع حزب الديمقراطية والتقدم)

بدوره، أكد رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم»، علي باباجان، الذي التقى وفد إيمرالي بمقر حزبه، الثلاثاء، ضرورة الإعلان عن خريطة طريق للعملية الجارية حالياً، قائلاً: «نعلم أن البرلمان هو مكان الحل، لكن عندما نأخذ في الاعتبار نظام إدارة البلاد، يحتاج إردوغان إلى توضيح وجهة نظره».

جولة «وفد إيمرالي»

واختتم «وفد إيمرالي»، الثلاثاء، جولة على الأحزاب السياسية، عقب اللقاء الذي تم مع أوجلان في سجن إيمرالي في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، للتباحث حول ما دار في اللقاء، والتصور المطروح لحل المشكلة الكردية في تركيا، وإنهاء الإرهاب وحل حزب «العمال» الكردستاني.

لقاء وفد إيمرالي مع رئيس البرلمان نعمان كورتولموش الخميس الماضي (موقع حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب)

وبدأت الجولة بلقاء رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، ورئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي، الخميس الماضي، ثم لقاءات مع رئيس حزبي «المستقبل» أحمد داود أوغلو، و«السعادة» محمود أريكان، ورئيس المجموعة البرلمانية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم عبد الله غولر، وعدد من نواب رئيس الحزب، الاثنين، ثم لقاء رؤساء أحزاب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، أوزغور أوزال، و«الديمقراطية والتقدم»، علي باباجان، و«الرفاه من جديد» فاتح أربكان، الثلاثاء.

واستثني من اللقاءات حزب «الجيد» القومي، الذي رفض أي مفاوضات مع أوجلان.

الرئيسان المشاركان السابقان لحزب «الشعوب الديمقراطية» صلاح الدين دميرطاش وفيجن يوكسكداغ (أرشيفية)

وأعلن حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الأربعاء، أن «وفد إيمرالي» سيلتقي، السبت، الرئيس المشارك السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية»، صلاح الدين دميرطاش، في محبسه في ولاية أدرنه، (غرب تركيا)، والرئيسة المشاركة السابقة للحزب، فيجن يوكسكداغ، في سجن كانديرا بولاية كوجا إيلي، بشمال غربي تركيا، الأحد، في إطار عرض ما دار خلال اللقاء مع أوجلان، والخطوات التي ستتخذ لاحقاً في إطار العملية الجديدة، والتي قد تتضمن لقاءات جديدة مع أوجلان.

ويقبع دميرطاش ويوكسكداغ في السجن بتهم تتعلق بدعم الإرهاب، والاتصال مع منظمة إرهابية (حزب «العمال» الكردستاني).

صدام بين القوميين

ونشب صدام بين أحزاب الجناح القومي في تركيا حول اللقاءات مع أوجلان ودعوته إلى البرلمان واحتمال إطلاق سراحه، ووقع تراشق بين رئيس حزبي «الحركة القومية» دولت بهشلي، ورئيس حزب «الجيد» مساوات درويش أوغلو، الذي رفض الحوار مع أوجلان ووصفه بـ«خطة الخيانة» ورفض استقبال «وفد إيمرالي».

بهشلي خلال لقاء مع وفد إيمرالي الخميس الماضي (موقع حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب)

وبعدما هاجم بهشلي درويش أوغلو بطريقة مبطنة في البرلمان، الثلاثاء، رد الأخير قائلاً: «نحن نعرف جيداً من يديرك كما تدار الكرة».

واتهم رئيس حزب «النصر»، أوميت أوزداغ، بهشلي بأنه يرتكب جريمة ضد الدولة والأمة التركية، ويحاول تركيع تركيا أمام منظمة إرهابية (العمال الكردستاني).

وانتقد الأمين العام لحزب «الحركة القومية»، عصمت بويوكتامان، درويش أوغلو، قائلاً «إن تعبيراته (الفاحشة) تعني أنه لا يستطيع أن يضبط فمه عندما ينقطع الخيط ويدرك أنه سيخسر».

كما رد على تصريحات أوزداغ قائلاً: «لا أحد يستطيع إخضاع الدولة التركية، ويجب على أوزداغ أن يعرف ذلك جيداً، أينما كان السيد دولت بهشلي، فإن الخيانة والاستسلام غير واردين».

في السياق ذاته، أكد نائب رئيس حزب «الحركة القومية»، فيتي يلدز، أن «هناك شرطاً واحداً لكي يستفيد أوجلان من (الحق في الأمل) في إطلاق سراحه، وهو أن يصدر تقرير عن الطب الشرعي يؤكد أنه مريض وغير قادر على تلبية احتياجاته الخاصة».

محاكمة إمام اوغلو

على صعيد آخر، أجلت محكمة في إسطنبول جلسة النطق بالحكم في قضية اتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول من حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، أكرم إمام أوغلو، بـ«التزوير في المناقصات» خلال فترة رئاسته لبلدية «بيلك دوزو» في إسطنبول، قبل فوزه برئاسة بلديتها الكبرى في عام 2019.

أكرم إمام أوغلو (من حسابه في إكس)

وكان المدعي العام طالب بحبس إمام أوغلو لمدة تتراوح بين 3 و7 سنوات، وحظر نشاطه السياسي لمدة مماثلة للحكم، لكنه طلب الحصول على وقت إضافي في الجلسة الثامنة التي عقدت، الأربعاء، وكان مقرراً أن يقدم فيها مذكرة تتضمن رأيه، وقررت المحكمة التأجيل إلى جلسة 11 أبريل المقبل.

وقبل انعقاد الجلسة قال محامي إمام أوغلو، كمال بولاط، إن تقرير الخبراء في الملف وقرار مجلس الدولة الصادر فيها، يوضحان أنه لا يمكن اتخاذ قرار آخر غير البراءة.