طبق «الفول المدمس» في لبنان يخرج من لائحة مأكولات الفقراء

لطالما كان طبق الفول المدمس يتصدّر موائد السحور في شهر رمضان في لبنان، ويعدّ أحد عناصرها الأساسية. فهو مكّون يشعر متناوله بالشبع لوقت طويل، ويستمتع بأكله؛ خصوصاً إذا ما جرى تحضيره وطبخه على الأصول.
ومع باقة من الخضراوات كالنعناع والفجل والبندورة والبصل وبعض حبات الزيتون، تكتمل مشهدية طبق الفول المدمس اللذيذ على المائدة. ولهذا الطبق ألقاب كثيرة، تشبه إلى حد كبير تلك التي ترافق طبق الفلافل. ومن أشهرها «أكلة الفقير» و«حبيب الشعب».
وفي جولة سريعة على مطاعم الفول في لبنان، تلمس تراجعاً كبيراً في نسبة الزبائن التي لا تزال تتمسك بهذا الطبق ليزين موائد رمضان في مواعيد الإفطار والسحور.
فالصفوف الطويلة و«عجقة» الناس التي كانت تقف أمام مداخل هذه المحلات، تغيب تماماً في الشهر الفضيل من هذا العام. أما تقييم حركة البيع لدى أصحاب تلك المحلات فتتراوح بين متوسط وسيئ. فهم يفتقدون الطوابير المزدحمة أمام محلاتهم، وكذلك الجلسات الجماعية التي كانت تسودها، في ساعات متأخرة من الليل في أوقات السحور.
يقول الحاج أحمد السوسي صاحب أشهر محلات الفول في بيروت (السوسي) في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «في ظل ما نعيشه اليوم في لبنان من أزمة اقتصادية متردية وحالة حظر ومنع التجول وعدم الاختلاط، تغيب كل هذه المشهدية عن مطاعمنا. ولمسنا انعكاسها السلبي علينا بشكل خاص في موسم رمضان هذه السنة. فـ(عجقة) أيام زمان ولّت إلى غير رجعة. وطبق الفول الذي كان لا يتجاوز سعره 5 آلاف ليرة أيام الخير أصبح اليوم بـ10 آلاف ليرة. ومع ذلك فإننا نبيعه بخسارة، إذ إنّ هبوط سعر صرف الليرة أمام الدولار، رفع من نسبة الأسعار كلها، ولم يعد الأمر وافياً أو مربحاً».
ويبلغ سعر كيلو الفول المدمس الجاهز عند مطاعم «السوسي» البيروتية 20 ألف ليرة، وهذه الكمية تكفي لإطعام 4 أشخاص. ويضيف الحاج أحمد في سياق حديثه: «نسبة كبيرة من اللبنانيين باتت تحضر هذا الطبق في منزلها، واستغنت عن شرائه جاهزاً. فالكيلوغرام الواحد من الفول (شغل البيت) يطعم 8 أشخاص، أي ضعف الكيلوغرام الواحد الجاهز».
من ناحيته، يرى صاحب محلات «النداف للفول» في صيدا أنّ مبيع هذا الطبق في زمن رمضان تراجع جداً. ويوضح: «لن أذيع سراً إذا قلت إن أهالي صيدا يعيشون اليوم أسوأ زمن اقتصادي. صحيح أني أفتح محلاتي يومياً وأحضر أطباق الفول وفتة الحمص وما إلى هنالك من أطباق محببة على السفرة الرمضانية، ولكنّي أوزعها مجاناً على الناس أكثر مما أبيعها. فالفول هو أكلة شعبية، وعندما أرى أحدهم يقف أمام بابي وإمكاناته المادية لا تسمح له بدفع مبلغ 10 آلاف ليرة مقابل كيلوغرام واحد من الفول المدمس الجاهز، فإني لا أتوانى عن تزويده به من دون أي مقابل. فنحن في حي صيدا الجنوبي كلنا يعرف بعضنا بعضاً جيداً، ولا نتوانى عن تقديم المساعدة لأهلنا. البيع شبه مفقود، ونسبة الزبائن التي تزورني قليلة جداً، وهي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة في اليوم الواحد».
وما يقوله الحاج حسن النداف يكرره زميله في المصلحة الحاج شادي السوسي في صيدا (وهو غير السوسي في بيروت)، ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك نسبة تراجع ملموسة في حركة البيع في مطعم الفول عندنا تصل إلى 40 في المائة. وأعتقد أنّ المساعدات التي تصل الناس من فول وحمص وأرز وغيرها، أسهمت بشكل أو بآخر في هذا التراجع. فالناس من باب التوفير على جيبها صارت تفضل طبخ الفول المدمس في منزلها. مع أن هذه العملية مكلفة أيضاً في حال حسبنا كمية الغاز التي تصرف في عملية الطهي. ومن دون أن ننسى ارتفاع سعر الليمون الحامض والثوم والخضار بأنواعها التي ترافق عملية تحضير هذا الطبق.
في النهاية هذا الطبق فقد أهميته عند الفقراء، وصار هو أيضاً يحسب له ألف حساب». ويتابع الحاج شادي (أبو فادي)، الذي يلقب مطعمه في مدينة صيدا الجنوبية بـ«ملك الفول»: «تخيلي أننا نقدم كيلو الفول المطبوخ للزبون مع باقة من الخضار والكبيس المنوع وعلبة صغيرة من دبس الخروب مع الطحينة للتحلية وخبز محمص أو مسخن مقابل مبلغ 10 آلاف ليرة فقط. هذا السعر اتبعناه من باب شعورنا بالغير، وفي الحقيقة لا يوفر لنا أي أرباح تذكر».