التطبيع بين واشنطن وهافانا ينعش السياحة الطبية في كوبا

أبرز وجهات الأميركيين الراغبين في العلاج بالخارج تضم كندا وبريطانيا وإسرائيل

التطبيع بين واشنطن وهافانا ينعش السياحة الطبية في كوبا
TT

التطبيع بين واشنطن وهافانا ينعش السياحة الطبية في كوبا

التطبيع بين واشنطن وهافانا ينعش السياحة الطبية في كوبا

بمجرد سماعها الرئيس الأميركي باراك أوباما يعلن عن عزمه تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، أسرعت أنوجا أغراوال، التي تدير شركة تعنى بالسياحة الطبية في مدينة أورلاندو التابعة لولاية فلوريدا، إلى الهاتف، واتصلت مع مسؤول في القطاع الصحي بكوبا. اعتبرت أغراوال الإعلان الرئاسي عن تطبيع العلاقة «فرصة سانحة» بالنسبة لها، واتفقت خلال المحادثة الهاتفية على صفقة كانت تناقشت بشأنها على مدى أشهر، يتمكن بموجبها المرضى الأميركيون في السفر إلى كوبا من أجل الحصول على علاج طبي.
وقالت أغراوال، وهي رئيس تنفيذي لشركة «هيلث فلايتس سوليوشنز»: «هناك كثير من الإثارة في هذا الموضوع»، مضيفة أنه «في حال بدأ الأميركيون بالسفر إلى كوبا من أجل العلاج بأسعار مقبولة، فهذا يعني دفعة اقتصادية كبيرة للنظام الصحي في البلاد». وأضافت: «بالنسبة لهم، الأمر يشبه الفوز بجائزة اليانصيب».
يتوجه آلاف الأشخاص من دول أخرى سنويا إلى كوبا في إطار ما يسمى بالسياحة الطبية، أي السفر إلى الخارج لإجراء عملية جراحية أو الحصول على رعاية طبية مختلفة أخرى، ويكون ذلك غالبا بسبب وفرة العلاج وقلة كلفته. والآن، بعدما خففت إدارة الرئيس أوباما من القيود المفروضة على السفر إلى كوبا، بات بإمكان الأميركيين القدوم إلى هنا نظرا لمجموعة من الغايات مثل القيام بزيارات عائلية أو حضور مؤتمرات علمية أو حضور عروض عامة أو غيرها. ورغم أن السياحة الطبية ما زالت محظورة، فإن الإدارة الأميركية ألغت قيودا كانت تفرضها على كثير من الأميركيين عند السفر مع مجموعات مصرح لها أو الحصول على ترخيص مسبق لزيارة الجزيرة. وقالت أغراوال: «إنه تسهيل وتخفيف للقيود»، مضيفة أن مجرد فتح الباب يعني أن الأمر «سيصبح أكثر مرونة».
وقالت متحدثة باسم وزارة الخزانة الأميركية إن «الأميركيين الراغبين في السفر إلى كوبا لأسباب خارجة عن الأنشطة المصرح بها يمكنهم التقدم بطلب للحصول على تصريح، وهو معروف باسم ترخيص خاص، وسيتم تقييم مثل هذه الطلبات على أساس كل حالة». لكن المتحدثة، التي قالت إنها «مصرح لها بالحديث فقط عن خلفية الموضوع»، قالت إن «الأميركيين المسافرين إلى كوبا ينبغي عليهم الاحتفاظ بسجلات عن رحلتهم لمدة 5 سنوات، إذ قد يخضعون لعمليات مراجعة لإثبات أن سفرهم كان مطابقا للتوجيهات».
من جانبه، قال جوناثان إيديلهايت، الرئيس التنفيذي لـ«جمعية السياحة الطبية» (مقرها فلوريدا) إن «بعض المستشفيات في الولايات المتحدة أعربت عن رغبتها في إنشاء شراكات مع مؤسسات طبية كوبية، قد تشمل تدريب أطباء كوبيين». وغالبا ما تسير مثل هذه الشراكات في دول أخرى جنبا إلى جنب مع السياحة الطبية، وهو ما قد يصير إليه الحال في كوبا في نهاية المطاف.
ومعروف أن «كوبا جعلت منذ ثورة 1959 من الرعاية الصحية إحدى أولوياتها، وحظيت بسمعة طيبة في توفير رعاية طبية جيدة أغلبها مجاني لسكان البلاد. كما يعمل آلاف الأطباء الكوبيين في الخارج، بدول مثل فنزويلا والبرازيل وغيرها من الدول النامية، في عمليات تبادل توفر لحكومة الرئيس راؤول كاسترو مبالغ من العملة الصعبة أو بضائع مقابلها مثل النفط». وقال إيديلهايت إن «الرعاية الصحية الكوبية ستروق على الأرجح لبعض الأميركيين وذلك لأن الجزيرة قريبة للغاية، فالرحلة الجوية من ميامي إلى هافانا تستغرق ساعة تقريبا».
حاليا، تعد الوجهات الأكثر شعبية للأميركيين الذين يسافرون للخارج بهدف الحصول على رعاية صحية هي كندا وبريطانيا وإسرائيل وسنغافورة وكوستاريكا، وفقا لدراسة أجرتها «جمعية السياحة الطبية». كما كشفت الدراسة أن بعض العمليات الأكثر شيوعا تشمل جراحات العمود الفقري وفقدان الوزن وجراحة التجميل وعلاج السرطان.
وعلى عكس الأميركيين، لا يعاني الكنديون من أي قيود على السفر، وتعتبر كوبا وجهة مشهورة لقضاء العطلات. كما يسافر كثير من الكنديين إلى هناك للحصول على رعاية صحية كذلك. فقد سافر مثلا ديفيد ماك بين (47 عاما)، وهو مهندس تنسيق حدائق من تورونتو أصيب بكسر في عموده الفقري في حادث سيارة، إلى كوبا 3 مرات العام الماضي للخضوع لعلاج طبيعي مكثف. وقال ماك بين «إن إخصائيي العلاج الطبيعي والأطباء في كوبا يتمتعون بخبرة عالية للغاية وحاصلون على تدريب جيد، ولا يمكن أن تحصل على مثل هذه الأسعار. فالسعر يعتبر كسرا بسيطا مقارنة بالأرقام التي يحصل عليها إخصائي العلاج الطبيعي في كندا أو الولايات المتحدة». وأضاف ماك بين، الذي يعاني من شلل جزئي ويستخدم كرسيا متحركا، إنه «كان يخضع للعلاج لعدة أسابيع خلال كل زيارة في أحد مستشفيات هافانا». وأضاف أن «العلاج في كوبا يتكلف نحو 200 دولار يوميا ويشمل 6 ساعات علاج طبيعي يوميا، وغرفة مريحة وإقامة». وقال إن «النظام الصحي القومي في كندا لا يوفر مثل هذا النوع من العلاج الذي يحتاجه وتبلغ أتعاب إخصائي العلاج الطبيعي العصبي الخاص نحو 93 دولارا في الساعة». قام ماك بين بالترتيب للحصول على رعاية طبية في كوبا من خلال شركة يقع مقرها في تورونتو وتسمى «غلوبال هيلثكويست». وقال بن سواف وروزماري توسكاني، اللذان يديران هذه الشركة، إنهما «يرسلان مرضى باستمرار إلى كوبا للحصول على علاج بدني وإعادة تأهيل من إدمان المخدرات والمشروبات الكحولية ومن أجل تلقي العلاج من مرض معين في العين يسمى التهاب الشبكية الصباغي».
في غضون ذلك، أعلنت الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة وكوبا ستعقدان جولة ثانية من المحادثات حول تطبيع العلاقات الثنائية بينهما في 27 فبراير (شباط) الحالي في واشنطن بهدف إنهاء نصف قرن من العداء بين البلدين. وجاء هذا الإعلان فيما أصبحت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي إحدى أبرز أعضاء الكونغرس الأميركي الذين يزورون الجزيرة الشيوعية منذ أكثر من 50 عاما بعدما بدأت واشنطن وهافانا عملية تقارب غير مسبوقة. وكانت الجولة الأولى من المحادثات جرت أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي في هافانا حيث بحث البلدان إعادة فتح سفارات واستئناف العلاقات.
وكان الرئيسان الأميركي باراك أوباما والكوبي راؤول كاسترو فاجآ العالم في 17 ديسمبر (كانون الأول) بإعلانهما عن بدء التقارب التاريخي بين البلدين على أن تكون المرحلة الأولى تبادل السفراء. ومنذ ذلك الحين قامت واشنطن ببعض الخطوات لتخفيف القيود على التجارة والسفر فيما أطلقت كوبا سراح 53 سجينا في إجراء كانت تطالب به الولايات المتحدة. لكن كاسترو حذر من أن العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا لن تعود إلى طبيعتها قبل أن ترفع واشنطن الحظر الذي فرضته على هافانا عام 1962.
وطلب الرئيس أوباما من الكونغرس «البدء بالعمل من أجل وضع حد للحصار» الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على كوبا في إطار مساعي التقارب بين البلدين. وبدأ وفدان من الكونغرس الأميركي زيارة إلى هافانا مساء أول من أمس أحدهما برئاسة بيلوسي. وقالت بيلوسي في بيان «هذا الوفد سيعمل على دفع العلاقات الأميركية - الكوبية قدما واستثمار العمل الذي قام به كثيرون في الكونغرس على مدى سنوات وخصوصا فيما يتعلق بالزراعة والتجارة». وضم وفد بيلوسي الذي يزور كوبا بدافع «الصداقة» كما قالت، 8 أعضاء ديمقراطيين في مجلس النواب. ودعا أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي زاروا كوبا أول من أمس أيضا إلى تفاهم مع نظرائهم الجمهوريين الذين يرفض بعضهم التطبيع مع كوبا، على غرار السيناتور الجمهوري عن فلوريدا والذي يتحدر من أصل كوبي ماركو روبيو. في المقابل، أعرب السيناتور الديمقراطي عن فرجينيا مارك وارنر أمام الصحافيين في هافانا أول من أمس عن «أمله في أن تتيح اجتماعات الأسبوع المقبل في واشنطن بين الحكومة الكوبية ووزارة الخارجية الأميركية إحراز تقدم» من أجل تحقيق تقارب بين البلدين اللذين لا يقيمان علاقات دبلوماسية منذ 1961.
* خدمة «نيويورك تايمز»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.