بعد محاولات 25 عامًا.. هل تنجح حملة مقاطعة الفلسطينيين للبضائع الإسرائيلية؟

بعضهم يعتقد أنه لا يمكن تعويضها.. ويشكك في دوافع الحملة من أساسها

ناشطون يضعون داخل متجر فلسطيني بالضفة الغربية لافتات صغيرة تدعو إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية (أ.ف.ب)
ناشطون يضعون داخل متجر فلسطيني بالضفة الغربية لافتات صغيرة تدعو إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية (أ.ف.ب)
TT

بعد محاولات 25 عامًا.. هل تنجح حملة مقاطعة الفلسطينيين للبضائع الإسرائيلية؟

ناشطون يضعون داخل متجر فلسطيني بالضفة الغربية لافتات صغيرة تدعو إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية (أ.ف.ب)
ناشطون يضعون داخل متجر فلسطيني بالضفة الغربية لافتات صغيرة تدعو إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية (أ.ف.ب)

أصبحت محلات تجارية محدودة في الضفة الغربية تستقطب مزيدا من الزبائن الفلسطينيين المقاطعين للبضائع الإسرائيلية، وذلك بعد أن قرر أصحاب هذه المحلات مقاطعة كل ما هو منتج في إسرائيل، لكن بالمقابل تمتلئ رفوف أغلبية المحلات الأخرى بمختلف أنواع البضائع الإسرائيلية التي يرفض عدد من الفلسطينيين التخلي عنها.
ومرة أخرى تشتعل الحرب ويشتد الجدل هذه الأيام حول مقاطعة البضائع الإسرائيلية داخل الأسواق الفلسطينية، بعدما احتجزت إسرائيل أموال الضرائب الفلسطينية للشهر الثاني على التوالي، وتركت خزينة السلطة خاوية ومدينة للبنوك. ويفترض أن تبدأ لجان شعبية في 24 من الشهر الحالي في اعتراض السيارات التي تحمل البضائع الإسرائيلية داخل الشوارع، ومنع المحلات التجارية من بيع هذه المنتجات، في خطوة جريئة ولافتة لاقت تأييد البعض، ومعارضة آخرين، أغلبهم وكلاء وتجار ومواطنين.
وقال الناشط منذر عميرة، الذي ينسق حملة المقاطعة في مناطق جنوب الضفة الغربية، لـ«الشرق الأوسط» إنه «لن يكون مسموحا بعد 24 من الشهر الحالي بإدخال بضائع إسرائيل للأسواق في الضفة الغربية، وسنراقب مداخل المدن ونوقف السيارات التي توزع بضائع إسرائيلية بالقوة، وسنمنع المحلات من بيع أي بضائع.. وهذا هو قرار الشعب الفلسطيني».
وكانت اللجنة الوطنية العليا لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية قد أعلنت خلال الأسبوع الماضي قرار منع دخول منتجات 6 شركات تعد من كبريات الشركات الإسرائيلية، وهي «شتراوس»، و«تنوفا»، و«اوسم»، و«عيليت»، و«بريغات»، و«يعفورا»، إلى الأراضي الفلسطينية. وتتفوق هذه الشركات في مبيعاتها على المنتجات المحلية الفلسطينية.
وتجاوب فلسطينيون فورا مع القرار، بينما رفضه آخرون، وفي هذا الصدد قال الطبيب أنصار سعادة لـ«الشرق الأوسط» «أنا مقاطع للبضائع الإسرائيلية حتى قبل إطلاق الحملة.. وأعتقد أن ذلك هو أضعف الإيمان».
وبخصوص تأثير هذه الحملة على الاقتصاد الإسرائيلي وإيجابياتها أوضح سعادة أنه «يمكن في حال توسع المقاطعة أن تكبد إسرائيل خسائر أكبر، وبعد مرور شهور من تجربة المقاطعة يمكن الاستغناء عن البضائع الإسرائيلية لأنه يوجد لها بديل دائما».
وكانت هذه النقطة بالذات أحد المآخذ التي يأخذها مؤيدو البضائع الإسرائيلية على الداعين إلى مقاطعتها، إذ يعتقدون أنه لا يمكن تعويض كثير من البضائع الإسرائيلية، وأهمها الحليب والأجبان والألبان، ولهذا السبب رفض عدد من الفلسطينيين الحملة جملة وتفصيلا.
يقول إبراهيم مناصرة، أحد المعارضين للخطوة، لـ«الشرق الأوسط» إنه غير موافق على الحملة الأخيرة لأنه متشكك في دوافعها أصلا، ويضيف موضحا أن «هذه الحملة تعد مقاطعة جزئية وليست مدروسة.. فهم يريدون منا مقاطعة ما نضعه داخل الثلاجة. لكن من أين سيأتون بكهرباء الثلاجة»، في إشارة إلى أن السلطة الفلسطينية تشتري من إسرائيل الكهرباء والوقود والغاز، وتدفع ضرائب عن كل البضائع التي تدخل إلى الضفة الغربية. ولذلك يعتقد مناصرة أن الحملة فيها استخفاف بعقول الفلسطينيين، وقال بهذا الخصوص «ثمة تناقض كبير في الطرح.. أنا ضد الاحتلال كله، ولكن ليس مع تحليل شيء، وتحريم شيء آخر له علاقة به».
ويتفق كثيرون مع مناصرة، بحجة جودة البضائع الإسرائيلية وأسعارها المنافسة التي تدفعهم إلى الاستمرار في شرائها، بل إن عائلات فلسطينية بكاملها تسافر إلى مركز التسوق (مول رامي ليفي) الإسرائيلي الضخم من أجل التبضع، مدفوعة بعروضه المغرية. وقد عاينت «الشرق الأوسط» كيف أن هؤلاء المتسوقين العرب يشترون كل شيء تقريبا يحتاجه المنزل من داخل المركز الإسرائيلي، الذي ينتشر على أطراف المستوطنات الإسرائيلية.
لكن أمجد أبو عيطة، الذي يملك متجرا كبيرا في بيت لحم، رفض ما وصفه بتبريرات المستفيدين من الاحتلال، وقال أبو عيطة، الذي يخلو متجره من كل أنواع البضائع الإسرائيلية لـ«الشرق الأوسط» «دائما هناك بديل.. وإذا لم يوجد بديل عربي يوجد أوروبي وبجودة أفضل وأسعار منافسة».
وحسب أرقام رسمية تبلغ حجم الواردات الفلسطينية السنوية من إسرائيل ما يقارب 4 مليارات دولار، وتشكل ما نسبته 68.7٪ من واردات الفلسطينيين السنوية. ويقول خبراء ورجال أعمال إن اشتداد الحملات يمكن أن يساهم في التخفيف من حجم الواردات من إسرائيل من 20 إلى 30 في المائة، وهو ما سيساهم برفع حصة المنتج الفلسطيني من 11 إلى 18 في المائة، وسيخلق الآلاف من فرص العمل.
لكن وكلاء البضائع الإسرائيلية يعتقدون أن الحملة لن تستمر في النهاية، طالما لا توجد خطة واضحة، ولا يوجد قرار سياسي فلسطيني رسمي. إلا أن مسؤول اللجنة العليا محمود العالول شدد على أن كثيرا من الخطط لدعم المنتجات المحلية توجد على طاولة البحث، مؤكدا أن الأمر مرتبط بوعي الفلسطينيين قبل كل شيء.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.