تونس والجزائر ضد التدخل في ليبيا

مراقبون عدوه يضع حدا للتنسيق بين الدولتين بخصوص ضرورة حل الأزمة سلميا

الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أثناء حضوره اجتماعا للحكومة الجديدة أمس (رويترز)
الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أثناء حضوره اجتماعا للحكومة الجديدة أمس (رويترز)
TT

تونس والجزائر ضد التدخل في ليبيا

الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أثناء حضوره اجتماعا للحكومة الجديدة أمس (رويترز)
الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أثناء حضوره اجتماعا للحكومة الجديدة أمس (رويترز)

أعلنت الحكومة التونسية الجديدة، أمس، أنها «ضد تدخل عسكري» أجنبي في ليبيا المجاورة التي تصاعدت فيها قوة تنظيم داعش، مؤكدة أنها اتخذت «احتياطات» لمنع التنظيم من دخول تونس.
وقال الحبيب الصيد رئيس الحكومة للصحافيين: «نحن دائما ضد التدخل العسكري (في ليبيا)، الحل السياسي هو الحل الوحيد».
وأضاف أن الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، «السبب فيها أساسا التدخل العسكري، لذا فموقفنا واضح: الحل السياسي هو الأسلم».
وقال الصيد إن بلاده تقف على «المسافة نفسها من كل المتدخلين (الأطراف الفاعلة في ليبيا). وعلى ضوء تطور الأمور وتوضيحها سنتخذ القرار».
وأضاف الصيد أن «الحكومة التونسية اتخذت كل الإجراءات لحماية حدودنا، وكثفنا من وجودنا الأمني والعسكري» على الحدود البرية المشتركة مع ليبيا والممتدة على نحو 500 كلم.
وردا عن سؤال حول ما إذا كان تنظيم داعش موجود في تونس أم لا، قال الصيد: «أخذنا الاحتياطات اللازمة لتفادي دخول (داعش) إلى تونس».
من جهة ثانية تبدي السلطات الجزائرية صمتا غير معهود، بعد العمل العسكري الذي نفذته مصر في ليبيا وطلبها من الأمم المتحدة تدخلا دوليا لمحاربة الإرهاب في أراضي الجارة الغربية، رغم أن الجزائريين كانوا حريصين بشدة على تفادي أي تدخل عسكري لحسم الأوضاع في ليبيا. وتضع التطورات الجديدة الجزائر في وضع حرج للغاية، زيادة على أنها تخشى من إفرازات حملة عسكرية على أمنها القومي.
واتصلت «الشرق الأوسط» بمسؤولين في وزارة الخارجية، لمعرفة موقف الجزائر من الطلب المصري، بعدما كانت القاهرة منخرطة مع دول جوار ليبيا، في البحث عن توافق بين فرقاء الأزمة درءا لشبح حملة عسكرية غربية، فرنسية بالأساس، لاحت في الأفق في الأشهر الماضية. غير ألا أحد منهم وافق على الخوض في الموضوع، بحجة أنهم «يترقبون ضوءا أخضر من السلطات العليا»، في إشارة إلى انتظار رأي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الموضوع.
وقال الدكتور قوي بوحنية عميد كلية العلوم السياسية بجامعة ورقلة، بخصوص الحرج التي توجد فيه الجزائر، التي تقود مبادرة لاحتضان حوار بين أطراف الصراع في ليبيا: «لا أتصور أن الجزائر ستلتزم الصمت كما فعلت مع الحالة المالية، (العمل العسكري الفرنسي في شمال مالي مطلع 2013)، لاختلاف الأسباب والظروف. لقد تصرفت مصر كدولة عظمى وكان لها تفويض دولي، وهي خطوة استباقية عادة ما تلجأ إليها الدول العظمى مسلحة بشرعية دولية». والمتوقع أن الجزائر ستمارس من جديد دبلوماسية أمنية تتحدث عن لغة حوار بين أطراف الأزمة الليبية، وضرورة تقوية المؤسسة العسكرية الليبية، لمواجهة الإرهاب وكذا تعزيز المؤسسات الدستورية. ولكن هذا الخطاب غير كاف في ظل عدم التنسيق الأمني بين الجزائر ومصر، في قضية الضربة العسكرية. فالجزائر التي عارضت تدخل الناتو في ليبيا عام 2011، وإن بمرونة، لا يمكن أن تقف مع مصر في أي عمل عسكري. وإن كانت الخارجية الجزائرية أرسلت برقية مواساة لمصر وشجبت ما تعرض له المجني عليهم من الأقباط المصريين، لا أتوقع أن ترفع نبرتها بحدة تجاه العمل العسكري المصري، وعلى الأرجح ستطالب بتنسيق أمني كبير لدول جوار ليبيا.
وأضاف بوحنية: «يمكن القول إن تدخل مصر في ليبيا مخالف للأعراف الدبلوماسية، وفيه خرق لدولة ذات سيادة خصوصا أنه لم يتم بالتنسيق مع المؤسسة الشرعية والبرلمان المنتخب، وهذا التصرف غير المحسوب سيدخل مصر في مستنقع لا تستطيع التخلص منه، وسيورط جيران ليبيا ومنها الجزائر بل سيحرج النظام السياسي والمؤسسة العسكرية الجزائرية».
وقال المحلل السياسي عبد الوهاب بن خليف، إن «طلب مصر من الأمم المتحدة تدخلا دوليا في ليبيا يضع حدا للتنسيق الذي كان بين الدولتين، بخصوص ضرورة حل الأزمة الليبية بالطرق السياسية السلمية، باعتبار أن الدولتين تعدان الجغرافيا الليبية عمقا استراتيجيا للقاهرة من جهة حدودها الغربية، وللجزائر من جهة حدودها الشرقية، لأن كلتا الدولتين تعيان تماما بن استمرار التدهور الأمني الخطير في ليبيا، وما ينجر عنه من تسرب أسلحة وتسلل العناصر الإرهابية من الحدود الشرقية والغربية، ستكون له انعكاسات أمنية كارثية ليس فقط على ليبيا، وإنما على كافة دول الجوار الجغرافي خاصة الجزائر ومصر وتونس، وحتى على الجهة الجنوبية لا سيما تشاد».
وصرح وزير الخارجية رمضان لعمامرة، لصحافيين الأسبوع الماضي، أن «ما تعيشه ليبيا أزمة معقدة نتعامل معها على أنها شأن داخلي ليبي، انطلاقا من المبدأ الثابت للجزائر وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. غير أن ذلك لا يعني أن الجزائر لا تبالي بما يحدث في ليبيا، فهي لن تقف مكتوفة الأيدي في وقت تزداد فيه الأزمة تعقيدا، وذلك من منطلق المصير المشترك بين البلدين والتاريخ الحافل بالتضامن».



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.