جمال الكربولي أول سياسي عراقي بارز يعتقل بتهمة الفساد

القيادي السني يتزعم حزباً له 12 نائباً في البرلمان

TT
20

جمال الكربولي أول سياسي عراقي بارز يعتقل بتهمة الفساد

بدأت كرة الفساد تتدحرج في العراق الذي يصنف دائما في آخر سلم الشفافية والنزاهة. لجنة مكافحة الفساد التي شكلها منذ شهور رئيس الوزراء الحالي برئاسة المسؤول البارز في وزارة الداخلية الفريق فاضل أبو رغيف تعد المؤسسة الأولى التي نفذت عمليات اعتقال لعدد من كبار المتهمين بالفساد في البلاد. وكانت الحكومات التي سبقت الحكومة الحالية درجت على الحديث بصوت عال عن الفساد الذي نخر الدولة العراقية ومؤسساتها إلى الحد الذي يجري فيه الحديث عن أرقام فلكية تم إهدارها بسبب الفساد.
ومع وجود عدة أجهزة رقابية لمكافحة الفساد وهي فضلا عن ديوان الرقابة المالية وهو إحدى المؤسسات العريقة في البلاد، وهيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية ودائرة المفتش العام (الغيت مؤخراً) واللجنة العليا لمكافحة الفساد، فإن الفساد يتوغل في مختلف الأجهزة ودوائر الدولة بدءا من المنافذ الحدودية التي أفرد لها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أجهزة خاصة لمتابعة الفساد أشرك فيها موظفين من المخابرات وجهاز مكافحة الإرهاب.
وعلى صعيد عمل اللجنة التي شكلها الكاظمي والتي بدأت تتحارش ولأول مرة بالرؤوس الكبيرة أو ما يطلق عليها «الحيتان» وبرغم كثرة الاتهامات حولها فإنها ماضية في مشروعها طبقا لاعترافات المتهمين الذين غالبا ما يعترفون على أسماء قد لا تخطر في كثير من الأحيان على بال اللجنة وجدول عملها في متابعة المتهمين بالفساد.
التطور الجديد في أمر لجنة أبو رغيف هي بدء تحرشها بكبار السياسيين والنواب ممن يمتلكون حصانة. هذا التطور الجديد أربك منذ فجر أمس الأحد المشهد السياسي. ففي تمام الساعة الثالثة فجر أمس بدأت الأخبار العاجلة تتوالى على منصات صناعة الرأي في العراق بشأن قيام لجنة مكافحة الفساد بتطويق منزل زعيم حزب الحل جمال الكربولي وشقيقه النائب في البرلمان العراقي محمد الكربولي. وجمال الكربولي لديه نحو 12 نائبا في البرلمان العراقي ورجل أعمال ومالك مؤسسات إعلامية مهمة من بينها قناة «دجلة» التي سبق أن تعرضت للحرق والغلق العام الماضي. وطوال ساعتين كانت الأنباء تتضارب بشأن تنفيذ عملية اعتقال لجمال الكربولي بسبب وساطات من قبل جهات عليا بما فيها أطراف شيعية. لكن اللجنة التي كانت تحمل أمر قبض أصوليا نفذت عمليات الاعتقال بعد فشل الوساطات التي استمرت لنحو ثلاث ساعات.
إلى ذلك، وطبقا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» فإن «القضاء العراقي أرسل قائمة من نحو أربعة نواب لغرض رفع الحصانة عنهم بسبب صدور مذكرات اعتقال بحقهم». وطبقا للمعلومات فإن «البرلمان العراقي الذي تنتهي عطلته التشريعية في العشرين من الشهر الحالي سوف يتخذ قرارا بشأن ما إذا كان سيصوت على رفع الحصانة من عدمه». وتضيف المعلومات أن «قائمة أخرى صدرت من جهات عليا بمنع سفر عدد كبير من الشخصيات السياسية التي تحوم حولها شبهات الفساد».
وعلى الرغم أن جمال الكربولي، وهو طبيب عيون، لم يتسلم موقعا تنفيذيا إلا في بداية التغيير عام 2003 حين تسلم في وقتها رئاسة الهلال الأحمر العراقي، فإن شقيقه أحمد الكربولي تسلم حقيبة الصناعة على عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق الثانية نوري المالكي (2010 - 2014).
وأسس جمال الكربولي حزب الحل عام 2008 ودخل به الانتخابات البرلمانية للدورات الثلاث الماضية وحصل بين 13 نائبا في إحدى الدورات و8 في دورة أخرى كما حصل على أكثر من وزارة حصة لحزبه. وحتى قبل نحو أسبوع كان الكربولي جزءا من تحالف القوى العراقية الذي يقوده رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بينما شقيقه النائب محمد الكربولي كان قياديا بارزا في حزب تقدم الذي يتزعمه الحلبوسي. لكن كلا الشقيقين انسحب قبل أسبوع من تحالف القوى وتقدما وانتميا إلى تحالف جديد باسم «عزم» بزعامة رجل الأعمال السني البارز خميس الخنجر.
وباعتقال الكربولي فإن لجنة مكافحة الفساد الحالية تكون تخطت حاجز الرؤوس الصغيرة والمتوسطة المتهمة بالفساد لتصطدم ولأول مرة بالرؤوس الكبيرة أو ما يطلق عليها «الحيتان». ويعزو سياسي عراقي في حديث لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته الوساطات العديدة التي قام بها سياسيون كبار بينهم قادة شيعة للحيلولة دون اعتقال زعيم حزب الحل مع التعهد بذهابه شخصيا إلى القضاء إلى «خشية هذه الأطراف من أن اعتقال الكربولي وهو زعيم حزب كبير وحليف لهم في السراء والضراء مثلما أثبتت تجارب السنوات الماضية ربما يكون مقدمة للتحرش بهم»، مبينا أن «الغالبية العظمى من الأحزاب الكبيرة وحتى المتوسطة إن لم تكن لبعضها أجنحة عسكرية فإن لديها لجانا اقتصادية ومالية وبعضها لديه كلا الجناحين العسكري والاقتصادي وهو الأمر الذي جعل الحكومة تعاني الأمرين في تدبير رواتب الموظفين».
وفيما يستبعد السياسي العراقي «إمكانية قيام اللجنة الحالية بالتحرش ببعض رموز الفساد برغم اعترافات المتهمين على زعامات وسياسيين فإن اعتقال الكربولي لا بد له في النهاية من معادل موضوعي يتمثل في اعتقال زعيم شيعي حتى لا يقال إن لجنة مكافحة الفساد تطال فقط السنة دون الآخرين».
وطبقا للأرقام المتداولة فإن مجموع ما دخل خزينة الدولة العراقية بعد عام 2003 وإلى اليوم نحو تريليون ونصف تريليون دولار أميركي أنفق منها ما يعادل 70 في المائة منها كلف تشغيل ورواتب بينما أن 300 إلى 400 مليار دولار تعد بحكم الأموال التي أهدرت بسبب الفساد.
ويقول آخر التقارير الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية إن نسبة الفقر في العراق سجلت ارتفاعا كبيرا في الآونة الأخيرة. وتتراوح النسبة طبقا لتقرير الوزارة بين 25 إلى 27 في المائة.



خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
TT
20

خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)

برغم فشل غالبية مشاريع خدمة التوصيل في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب غلاء المعيشة، فإن الطلب عليها لم يتوقف، ويستمر مئات الشباب في تقديمها خصوصاً في شهر رمضان، وتشهد الشوارع المزدحمة قبيل مغرب كل يوم سباقاً مع الوقت يخوضه الشباب العاملون في هذه الخدمة، معرضين حياتهم للخطر.

وغالباً ما تتسبب الدراجات النارية بالكثير من الحوادث المرورية في شوارع صنعاء، ويرفع العاملون في خدمة التوصيل منسوب هذه الحوادث نتيجة رغبتهم في توصيل أكبر عدد من الطلبات لزيادة مداخيلهم، والاستجابة لإلحاح زبائنهم المطالبين بسرعة وصول الوجبات من المطاعم ومستلزمات الوجبات المنزلية من الأسواق.

ويذكر عمار سعيد، وهو عامل توصيل على دراجة هوائية، أن عمله في هذه المهنة يتطلب هدوء أعصاب وتركيزاً شديداً وقدرة على الصبر والتحمل.

ويبين سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية زبائنه يطلبون وصول الطعام بأقصى سرعة، ويستعجلونه خلال تنقلاته بإلحاح شديد وتذمر، ما قد يفقده التركيز أثناء قيادة دراجته، وكثيراً ما يكون مضطراً لتوصيل أكثر من طلب في الوقت نفسه في اتجاهات مختلفة.

عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)
عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)

وكانت خدمة التوصيل في العاصمة صنعاء ومدن أخرى قد شهدت ازدهاراً كبيراً منذ 5 أعوام بسبب حائجة كورونا (كوفيد 19) وما تسببت به من عزوف عن الاختلاط والخروج من المنازل، وهو ما دفع بعدد من المستثمرين إلى إنشاء شركات توصيل تستخدم تطبيقات على الهواتف المحمولة.

ويكشف مقيمون في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أنه، وبرغم إيقاف العديد من شركات التوصيل نشاطها وتسريح العاملين فيها خلال الأعوام الماضية، فإن الخدمة ذاتها لم تتوقف، بل تشهد تزايداً نسبياً من خلال طلب العائلات والأفراد لها من شبان يتعاملون معهم باستمرار، إلى جانب توظيف المطاعم الكبيرة لعمال توصيل.

ثراء غير متوقع

يستغرب الكثير من المتابعين للوضع في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة الحوثية من ظهور وانتشار خدمة التوصيل، في حين يعاني غالبية السكان من أوضاع معيشية صعبة ومعقدة، ولا يملكون القدرة على شراء الطعام من المطاعم، ناهيك عن دفع المزيد من الأموال مقابل خدمة توصيله.

المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)
المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)

وبحسب هؤلاء، فإن العاصمة صنعاء تشهد اتساع رقعة البطالة وإغلاق العديد من الشركات التجارية وهروب أصحاب الأموال والاستثمارات، ولم يتبقَّ فيها إلا من لا يستطيع المغادرة لعدم مقدرته على ذلك، أو من لا يخشى على نفسه وممتلكاته من ممارسات الجماعة الحوثية.

إلا أن الباحث الاقتصادي اليمني عادل شمسان يشير إلى أن الإقبال على طلب خدمة التوصيل يأتي بسبب نشوء فئة واسعة تمكنت من الإثراء مستفيدة من الانقلاب والحرب، وهي الفئة التي تسيطر مظاهر ثرائها على المشهد في صنعاء من خلال ظهور أنواع جديدة من السيارات الفارهة والقصور الكبيرة وزيادة النشاط العمراني، مقابل اتساع دائرة الفقر والفاقة.

ويوضح شمسان لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الفئة الجديدة نشأت من خلال أعمال النهب المنظم، أو العشوائي، لموارد المؤسسات العامة وأعمال الجباية والإتاوات المفروضة على غالبية السكان، وابتزاز الشركات التجارية ورجال الأعمال والمستثمرين، وتكوين طبقة من المستثمرين الطفيليين الذين سعوا للإثراء من خلال الأموال المنهوبة أو بالشراكة الإجبارية مع أصحاب رؤوس الأموال.

شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)
شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)

ويرى مراقبون للشأن اليمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أن هناك فئة أخرى تمكنت من الإثراء من خلال العمل أو النشاط في تقديم المساعدات الإغاثية، سواء مع المنظمات الدولية والأممية أو المحلية، وهو النشاط الذي يشهد فساداً واسعاً بحسب العديد من التقارير.

أطعمة جديدة

يعدّ انتشار خدمة التوصيل في صنعاء أمراً لافتاً، كون الأوضاع المعيشية فيها لا تؤهل لذلك، إلى جانب أن المطاعم الشعبية منتشرة في كل الشوارع والأحياء وبالقرب من جميع المساكن تقريباً، في حين يفضل غالبية السكان إعداد الطعام في المنازل.

تقول لبنى عقلان، وهي طبيبة أسنان، إنها وحتى سنوات قليلة مضت، لم تكن تطلب هذه الخدمة كما هي عليها الآن، وكانت تكتفي بالاتصال الهاتفي إلى الكافتيريا الموجودة في نفس البناية التي تقع فيها عيادتها لطلب الطعام، فيقوم أحد العاملين بإيصاله خلال دقائق معدودة.

انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)
انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)

لكن الأعوام الأخيرة شهدت، بحسب حديث عقلان لـ«الشرق الأوسط»، افتتاح مطاعم تقدم وجبات جديدة ومميزة، وهو ما يغري بطلب إيصالها بسبب ازدحام أوقات العمل وعدم القدرة على التنقل إليها والعودة بسرعة.

أما عصام شرف، وهو اسم مستعار لمعلم فيزياء في إحدى كبريات مدارس العاصمة صنعاء، فيلفت إلى أن طلبات توصيل الطعام تعدّ رفاهية لا يحصل عليها سوى من يملكون القدرة على ذلك، وقد حظي بها بسبب عملها في تقديم الدروس الخصوصية.

الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)
الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)

ووفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الطلاب الذين يقدم لهم الدروس الخصوصية، وغالبيتهم من عائلات ثرية، يطلبون الطعام لهم وله خلال جلسات الدراسة، فيحصل على وجبات لم يكن يفكر حتى بها بسبب أسعارها المرتفعة، وأحياناً يأخذ ما تبقى منها لعائلته في المنزل.

وتساعد مشاريع إعداد الطعام بالمنازل في استمرار خدمة التوصيل، حيث يعتمد أصحاب هذه المشاريع، وأغلبهم من النساء، على شبان يعملون على دراجات نارية أو هوائية في توصيل الطعام إلى الزبائن.