«إقبال رقمي» على دراما رمضان «يُهدد» الإعلام التقليدي

«إقبال رقمي» على دراما رمضان «يُهدد» الإعلام التقليدي
TT

«إقبال رقمي» على دراما رمضان «يُهدد» الإعلام التقليدي

«إقبال رقمي» على دراما رمضان «يُهدد» الإعلام التقليدي

رصد مراقبون مع بدء شهر رمضان «زيادة مطّردة في الإقبال على متابعة الدراما الرمضانية، على منصات المشاهدة الرقمية، هرباً من زيادة مدد الفواصل الإعلانية، التي تحرم الجمهور من الاستمتاع بالمشاهدة».
وفي ظل ارتفاع نسب المشاهدة الإلكترونية، تنافست المنصات الرقمية على تقديم عروض تسويقية للجمهور العربي، والاستحواذ على حقوق عرض الدراما الرمضانية، وهو ما اعتبره خبراء وإعلاميون منافسة تُهدد مستقبل المحطات التلفزيونية التقليدية، ورأوا أن «القنوات التلفزيونية التي لا تمتلك منصات مشاهدة رقمية من الصعب أن تجد لها مكاناً في المستقبل»، لافتين إلى أن «هذه المنصات غيرت العادات التقليدية للجمهور، خاصة في رمضان، الذي اعتاد فيه الجمهور العربي الالتفاف حول شاشة التلفزيون، فجاءت هذه المنصات لتجذب الجمهور إليها».
الإعلامي السعودي ناصر حبتر، مقدم البرامج في هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «القنوات التلفزيونية تواجه حالياً مصير الصحافة، وهي في أفول. إذ لم يعد لدى الجمهور الوقت لمتابعتها، ولذا انصرف إلى منصات المشاهدة، هرباً من كثرة الإعلانات. وهنا أقول إنه إذا كان من حق هذه المحطات بث الإعلانات للحصول على عوائد مادية نظير تعبها وجهدها؛ فللمشاهد رأي آخر وانصرف للمنصات والتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، وظهر ذلك بوضوح خلال رمضان».
ويتفق مع هذا الكلام خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، الذي أكد أن «كل من لديه إمكانية الدخول على شبكة الإنترنت، أصبح يتجه لمنصات المشاهدة، خاصة أن الشركات القائمة على هذه المنصات بدأت تقدم عروضاً تنافسية لجذب الجمهور». وأشار إلى أن «هذه المنصات غيرت العادات التقليدية للجمهور، خاصة في شهر رمضان، الذي اعتاد خلاله الجمهور العربي الالتفاف حول شاشة التلفزيون، فجاءت المنصات لتغير هذه العادات وتجذب الجمهور إليها».
وأضاف البرماوي لـ«الشرق الأوسط» أن «السبب في اتجاه الجمهور إلى منصات المشاهدة يرجع إلى زيادة الفواصل الإعلانية، وجائحة (كوفيد - 19) التي سرعت من اتجاه الجميع نحو التحول الرقمي. إلا أن مشكلة هذه المنصات في المنطقة العربية يظل في سرعة الإنترنت، الذي حتى الآن لا يفي بالاحتياجات خاصة في مصر، وإن كان الأمر أفضل في الإمارات والمملكة العربية السعودية». ويتابع البرماوي: «غالبية ما يشاهده العرب من مسلسلات يكون على المنصات، سواءً كان «نتفليكس» أو شاهد أو المنصة المصرية أو ووتش إت». ويلفت إلى أنه «بنظرة سريعة على (غوغل) والموضوع الأكثر بحثاً على محركات البحث في المنطقة العربية، سنجد فيها مسلسلات وأعمالاً لا تعرض؛ إلا على المنصات الرقمية». ويربط البرماوي «زيادة الإقبال هذا العام بوجود محتوى مناسب للجيل المرتبط بالإنترنت في المرحلة العمرية من 18 وحتى 45 سنة، وهي شريحة واسعة في الوطن العربية، وكذا تحسن مستوى الإنتاج الموجود على هذه المنصات».
في سياق متصل، لا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم المشاهدة خلال شهر رمضان خلال السنوات الماضية، لكن منصة «ووتش إت» أعلنت «وصول عدد مشتركيها إلى مليون مشترك بعد أقل من عشرين يوماً على إطلاقها في مايو (أيار) 2019. وتزامن ذلك مع رمضان». كذلك، تشير البيانات الرسمية إلى أن «عدد مشتركي منصتي (شاهد) و(شاهد بلس) وصل إلى 27 مليون مشترك في رمضان 2019. وأن فيروس (كوفيد - 19) تسبب في زيادة نسب المشاهدة الإلكترونية، إذ تضاعف عدد مشتركي منصة «شاهدVIP » ليصل إلى مليون ونصف مشترك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بـ100 ألف مشترك عند إطلاق المنصة في يناير (كانون الثاني) 2020. ثم إن المتابعة لتعليقات مواقع التواصل الاجتماعي و(الترند) على محركات البحث، تظهر بحث الجمهور عن منصات المشاهدة وطرق الاشتراك فيها، ولجوء البعض لمشاهدة الأعمال الدرامية عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل (تليغرام) وغيرها، تاركين محطات التلفزيون التقليدي التي يشكو متابعوها من كثرة الإعلانات.
البرماوي يتوقع أن تشهد السنوات الخمس المقبلة زيادة في الإقبال على المنصات، وتفوقها على التلفزيون التقليدي، قائلاً: «ربما نجد دراما رمضانية منتجة خصيصاً للعرض على هذه المنصات، لأن الجمهور اعتاد على فكرة المشاهدة وفقاً لرغباته وفي الوقت الذي يريد... ومتابعة التلفزيون التقليدي قد تستمر في الساعتين المرتبطتين بوقت الإفطار لا غير».
غير أن حبتر يبدو أكثر تشاؤماً حول مستقبل التلفزيون التقليدي. إذ يقول إن «السنوات المقبلة لن يكون فيها إنتاج للمحطات التلفزيونية، بل سيكون الإنتاج الدرامي كله للمنصات. هذا سيخفف الضغط على المنتجين، لأن الإنتاج للمنصات أقل تكلفة من الإنتاج للمحطات التلفزيونية التقليدية، وستكون هناك شراكات بين منتجي الدراما وبين المنصات، وهو ما نراه حالياً في نتفليكس وغيرها».
ووفق حبتر فإن «المشاهد لم يعد يتابع التلفزيون وربما لا يهمه البث المباشر؛ إلا في مباريات كرة القدم، وأخبار (كوفيد - 19). في حين تتصاعد شعبية (يوتيوب) وغيره من تطبيقات البث الإلكتروني».
وحقاً، جاء في تقرير لموقع «ستاتيستا» الإحصائي، خلال مارس (آذار) الماضي، أن «عدد مشتركي منصة نتفليكس وصل إلى 73.94 مليون مشترك في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، بينما وصل إلى 66.7 مليون مشترك في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، و37.54 مليون مشترك في أميركا اللاتينية، و25.49 مليون مشترك في آسيا».
من جهته، يؤكد البرماوي أن «الإقبال على المنصات سيكون له تأثير كبير على التلفزيون التقليدي، لأنه حتماً سيؤثر إلى سوق الإعلانات، وخاصة في شهر رمضان، إذ يعتبر موسم الإعلانات الرمضاني مصدر الدخل الأساسي للقنوات التلفزيونية في مصر طوال العام. لذلك فإن أي هزة في هذه السوق تؤثر على التلفزيون ومستقبله... والإعلانات التلفزيونية لن تختفي مع الاتجاه للمنصات، لكن ربما نشهد إعلانات مدمجة في البرامج والأعمال الدرامية»، مشيراً إلى أن «القنوات التي ليس لديها منصات ستواجه مشكلة حقيقية في البقاء في المستقبل، فالجيل الجديد ليس جيل تلفزيون».
هنا يقول ناصر حبتر: «يبدو أن هذا الضغط، هو ما دفع هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودي لإطلاق منصة رقمية تسمى الأولى»، ويضيف إن «هذه الخطوة جاءت، لأن الجمهور السعودي الآن يتابع كل شيء على المنصات الرقمية، وهو ما يهدد مستقبل التلفزيون، خاصة أن المعلنين اتجهوا بالفعل للإعلانات الرقمية، لأنها تحقق المطلوب بتكلفة أقل». وحول هذا الأمر، ووفق دراسة لمركز «غراند فيو ريسيرش»، المركز البحثي الأميركي المتخصص في دراسة السوق، في فبراير (شباط) الماضي، فإن «سوق البث الرقمي بلغ ما يزيد على 50 مليار دولار في عام 2020. ومن المتوقع أن يتوسع بنسبة 21 في المائة بحلول عام 2028». كذلك نشر موقع «إي ماركتير»، المتخصص في دراسة التسويق الرقمي بأميركا، خلال مارس الماضي، إحصائية تشير إلى أن «متوسط مدة مشاهدة المواطن الأميركي للبث الرقمي بلغت 140 دقيقة يومياً، في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بـ133 دقيقة يومياً عام 2020، ويتوقع أن يزيد ذلك لـ145 بنهاية عام 2022، وتبلغ حصة (نتفليكس) نحو 30 في المائة من السوق الأميركية، تليها (ديزني) بـ25.9 في المائة، ثم (يوتيوب) بـ13.2 في المائة».
في ضوء ما سبق، يتساءل خالد البرماوي، هل سيتحول إقبال المشاهد العربي على منصات المشاهدة الرقمية إلى عادة مستمرة، أم سيبقى مرتبطاً بشهر رمضان؟. ثم يقول إن «إقبال الناس على منصات المشاهدة يساهم في دفع عجلة الإعلام الرقمي بشكل عام، لأنه يخلق عادة جديدة لدى الجمهور العربي، هي الدفع مقابل الحصول على الخدمة الإعلامية، وهذا أمر سيفيد المواقع الإلكترونية في المستقبل».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.