مصريتان تنقلان تجربة الكشري والفلافل إلى لاس فيغاس

الحمص والبليلة يجذبان النباتيين

TT

مصريتان تنقلان تجربة الكشري والفلافل إلى لاس فيغاس

إذا أتيحت لك فرصة السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً لاس فيغاس، ربما لا تفكر سوى في تناول البرغر، لكن لن يخطر ببالك أن تحظى بطبق من الفلافل المصرية مزينة بالسلطة «البلدي»، مع حبات الفول بالزيت والليمون. فعلى أعتاب مطعم «بوتس إل في» ففي قلب المدينة، تتصاعد رائحة الحمص والكشري والقرنبيط المقلي والفول والفلافل ومشروب القمح الكامل على الطريقة المصرية المعروف باسم «البليلة»، ليس احتفاءً بالمطبخ المصري فحسب، لكن كدليل واقعي على أن النمط النباتي كانت مصر موطنه الأصلي من آلاف السنين.
هذا المطعم الصغير تراه مكتظًا بالزبائن من جنسيات متنوعة، يجمعهم قرار التحول إلى نمط النباتية، بالإضافة إلى حب المغامرة لتجربة أطباق جديدة، وربما تجد مارة جذبتهم رائحة أشهر الأطباق الشعبية في مصر.
تروي إيمان حجاج صاحبت المشروع لـ«الشرق الأوسط» كيف جاءتها فكرة مطعم نباتي للأكلات الشعبية المصرية في قلب الثقافة الأميركية، وتقول «لم تجمعني أنا وشقيقتي آيات أي علاقة بالطهي، سوى حنين المغترب لرائحة مطبخ وطنه، بعد أن تركت مصر منذ أربعة عشر عاماً وتزوجت أميركيا، ثم لحقت بي شقيقتي آيات».
وتضيف: «في البداية تعلمنا تحضير الأكلات المصرية، ومع تصاعد ثقافة النباتية التي أصبحت اتجاهاً أو «ترند»، بفضل فوائده الصحية وحمايته للتوازن البيئي، لاحظنا أن المطبخ المصري غني بالأكلات النباتية، بينما قد يكون المطبخ الأقدم في العالم الذي احتفى بالنباتية، فمعظم الأطباق المصرية قائمة على قاعدة الخضراوات، كذلك، الأطباق المميزة للثقافة المصرية جميعها تقريبًا نباتية، مثل الكشري والفلافل».
أطلقت الشقيقتان مطعم «بوتس إل في» في 2018، حاملاً أكثر من رسالة بعيدة عن الربحية، أهمها الاحتفاء بالمطبخ المصري وسط مجتمع ربما لا يعرف الكثير عنه، وإرساء مبدأ التنوع والاختلاف، وتعزيز الاتجاه النباتي الذي تقول عنه الشقيقتان أنه الأفضل للبشرية.
وتمضي «حجاج» في حديثها «لم نستهدف الجالية العربية أو المسلمة في البداية، فلم يكن هذا هو الهدف، بينما وضعنا نصب أعيننا أن الأطباق المصرية الشعبية مثل البابا غنوج المزين بأوراق البقدونس، والفول المعروف برائحة الليمون والكمون، وحساء العدس الدافئ، جميعها أطباق ستلقى استحسانا لدى الأميركيين، لا سيما النباتيين منهم، لأنهم أكثر انفتاحاً على التجربة، وبالفعل بعد شهور قليلة من انطلاق المطعم كانت الزبائن من جميع الفئات تقريبًا، لكن القاعدة الأكبر هم الأميركيون أنفسهم، ما اعتبرناه نجاحا، لا سيما أن المطبخ الأميركي بعيد كل البعد عن روح المطبخ المصري، ناهيك عن أن الأميركيين يميلون إلى اللحوم».
وعن تسمية المطعم تقول «حجاج» «بوتس هي إشارة لقدرة الفول وأبريق الشاي، أشعر أن هذه الكلمة مرتبطة بنمط الطهي المصري، صحيح أنها كلمة إنجليزية، لكنها في الوقت عينه تعبر عن الأطباق الشعبية في مصر التي لا تعرف سوى الطهي في القدر وليس أدوات المطبخ الحديث».
بعد عام واحد فقط من انطلاق المطعم نجحت الأطباق المصرية الشعبية أن تحجز مقعدا وسط أفضل مطاعم الولايات المتحدة، وتقول «حجاج» «حصد المطعم جائزة أفضل 100 مطعم على مستوى جميع الولايات، الأمر كان بمثابة مفاجأة سارة وغير متوقعة، خاصةً وأن عدد المطاعم الأميركية أو جميع الجنسيات هنا كبير جدا».
وتتابع: «كانت فرحة ممزوجة بالفخر، فها هي الأكلات المصرية الشهية التي تحكي قصص شعب عريق علم الشعوب الطب والكيمياء تعود لتكتب درسا جديدا في أصول المطبخ النباتي وتكسر الملل بأكلات لها مذاق لا ينسى».
تجربة جائحة كورونا كان لها وقع خاص في المجتمع الأميركي، فهي الدولة الأولى من حيث الخسائر في الأرواح وعدد المصابين، كذلك، من سافر لهذه الدولة التي تهدأ أرجاؤها من الضجيج يدرك أن تجربة كورونا ربما تكون الأسوأ في العصر الحديث، وتروي «حجاج» كيف مرت هذه التجربة على مشروع لا يزال يخطو خطواته الأولى، وتقول «في البداية لم يكن أحد مدركا طبيعة المشهد، حالة من الارتباك والقلق، اضطرت جميع المطاعم تقريبًا لإغلاق أبوابها على إثرها، لكن الحقيقة أننا قررنا عدم الإغلاق، بينما اخترنا تغيير نموذج العمل، من خلال الاستفادة مرة أخرى من الثقافة المصرية التي تحترف نموذج خدمة التوصيل إلى المنزل، بينما المجتمع الأميركي بعيد عن ذلك، وبالفعل تحولنا من التعامل المباشر مع الزبائن إلى خدمة التوصيل التي كانت المنقذ الحقيقي، ليس لمطعمنا فحسب، لكن لهؤلاء العالقين في المنازل الذين يتوقون لطبق شهي يؤنس وحدتهم».
وتمضي: «رب ضارة نافعة، تحولت الجائحة وتجربتها القاسية إلى نقطة انطلاق جديدة وفزنا مرة أخرى بتصنيف «بوتس إل في» ضمن أفضل خمسة مطاعم داخل لاس فيغاس. كما أن النجاح في الخروج من هذا النفق المظلم جعلني وشقيقتي نثق أكثر في قدراتنا كرائدات أعمال».
ثلاث سنوات ونجاحات متتالية، لكن الشقيقتين المصريتين تريان الأبرز هي متعة الرحلة، وتصف «حجاج» تجربتهما «فكرة أن تحتفي بثقافتك وسط مجتمع يضم مئات الجنسيات، هو شعور رائع، وخليط من الامتنان والفخر بوطن يكتب تاريخ الإنسانية كل يوم، وكأن الأصل في كل الأشياء هو العودة للجذور المصرية».
تصورنا أن السؤال عن الأحلام ستكون إجابته الحتمية هي افتتاح فروع أخرى للمطعم المصري النباتي، لكن فاجأتنا الشقيقتان بطموح آخر «بنحلم أن تصبح قائمة أطباق المطبخ المصري حاضرة في جميع المطاعم العالمية، على غرار المطبخ الهندي والمكسيكي، لذلك، نتمنى أن يوفقنا الله في القريب لدخول مجال التصنيع الغذائي وتوزيع الأطباق المصرية على المطاعم الشهيرة».


مقالات ذات صلة

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».