عبد المنعم رمضان: القصيدة عندي في حاجة دائماً إلى أنفاس بشر

صاحب «غريب على العائلة» يتحدث عن تجربته الشعرية بمناسبة بلوغه السبعين

عبد المنعم رمضان
عبد المنعم رمضان
TT

عبد المنعم رمضان: القصيدة عندي في حاجة دائماً إلى أنفاس بشر

عبد المنعم رمضان
عبد المنعم رمضان

يعد الشاعر عبد المنعم رمضان أحد أبرز شعراء جيل السبعينيات في مصر. شارك في تأسيس جماعة «أصوات» الشعرية، وأصدر عدة دواوين منها، «الحلم ظل الوقت... الحلم ظل المسافة» 1980، و«الغبار» 1994، و«لماذا أيها الماضي تنام في حديقتي» 1995، و«غريب على العائلة» 2000، وله كتابان نثريان ينتميان لأدب السيرة الذاتية. نال جائزتي «المنتدى الثقافي اللبناني في باريس» 1998، و«كفافيس» 2000 من اليونان.
بمناسبة بلوغه السبعين، وحول تجربته الشعرية والمرتكزات الجمالية والفكرية التي تأثر بها، ودلالات رموزه وعالمه... هنا حوار معه.
> يتضمن ديوانك «لماذا أيها الماضي»... خمسة كتب: قصائد للحاكم بأمر الله، وثلاثة لأنور كامل، وأربعة لمحمد عفيفي مطر، وغيرها إلى ليليان... ما هي الرؤية التي استند إليها هذا النوع من التجاور؟
- الاسم الأول للديوان كانت قامته أطول، كان هكذا: «لماذا أيها الماضي تنام في حديقتي»، وذلك عندما نشرته مفرداً، ولما نشرته في الأعمال الكاملة رأيت ضرورة أن أخفي عبارة «تنام في حديقتي»، التي أحب للقارئ أن يخمنها. الديوان تتضام قصائده المتفرقة لتسبح في فضاء تطمح للديوان أن ينشئه، فضاء مسكون بدم سري، لا يمكن أن نراه إلا إذا جرحنا القصائد، وجعلناها تنزف، مثلما تحاول أن تفعل أنت، ليس «الحاكم بأمر الله» مجرد اسم لحاكم مصري أو غير مصري، إنه تاريخ سري لم ينقطع، ومكان سري لم يندثر، الحاكم بأمر الله وجه من وجوه القاهرة، والمقطم (الجبل) وجه من وجوه الحاكم، وكلهم القاهرة والحاكم والمقطم وجه من وجوه الأزل والأبد. أيام دخلتُ متاهة الحاكم كنتُ في غمرة متاهتي. أيامها قرأتُ وبشغف ما كتبه الرواة والمؤرخون والروائيون والشعراء عن حضوره وغيابه، أيامها دخلت وبحذر حديقة أسراره، ورأيته يبحث عن السر الأعظم، ولا يصل إليه، ويموت دونه، قصة وجود الحاكم لامست وجودي، كذلك قصة غيبته، التي خرج منها فيما بعد محمد عفيفي مطر، بعضنا يدرك أن لغة عفيفي مطر تشبه أسرار الحاكم، أذكر أنني لما رأيت عفيفي لأول مرة أحسسته طريداً خارج شعراء زمنه، أحسسته يجلس وحده تحت اللغة، ويحفر على أمل أن يصل إلى جذورها، في وقت كانت تسود فيه مباشرة ما ويقين ما، يشبهان مباشرة أمل دنقل ويقينه، في وقت كانت تتخلله ولا تسوده هشاشة أبي سنة، الغريب أنني على مسافة ليست بعيدة عن عفيفي مطر. رأيت أنور كامل لأول مرة، وعرفت أن غموض عفيفي سيقودني إلى سريالية الجماعة التي انتسب إليها أنور كامل، كان وجود أنور يدلني بوضوح على غياب جورج حنين وجويس منصور ورمسيس يونان وفؤاد كامل وكامل التلمساني، ويدلني بوضوح آخر على حضور إدوار الخراط، هكذا أصبحت ضمن جماعة سرية لا تنقصها النساء، مها وناريمان وليليان، الأخيرتان ذكرتاني بسِتِ المُلك أخت الحاكم بأمر الله، وابنة المعز لدين الله من زوجة، كما قيل، مسيحية، الأخيرتان ناريمان وليليان كانتا أيضاً مرشومتين بالصليب، سيرة ست الملك تقود إلى سيرة الحاكم، وتتواطأ الأساطير أحياناً لإدانتها، وأحياناً لترفع عنها الإدانة، كل هذه الوجوه، الحاكم وعفيفي مطر وأنور كامل وليليان، ليست ذات بعد واحد، ليست مشوهة، في زمن كانت وجوه أبطاله ذات بعد واحد، يكفي أن تتذكر وجه عبد الناصر، الذي حرصت على إبعاده عن شعري، احتفلت بكل السابقين لأخفي عدم اهتمامي بمن هم على النقيض منه.
> سميت قصائد الحاكم بأمر الله، «كتباً» فيما سبقت نظيراتها إلى أنور كامل ومطر وليليان بكلمة قصائد... ما المبررات التي استندت إليها؟
- لم تتنازل اللغة العربية عن حرصها على تقديس الكتاب، كما لم تتنازل عن حقها في تقديس القراءة، حتى أنها لم تمنح صفة القداسة هذه إلا لكتب معدودة، وظلت الكتب الأخرى تطمح لبلوغ هذه المرتبة، والحاكم بأمر الله جدير بأن يكون صاحب كتاب، هكذا ظن رواته، فجعلته صاحب خمسة كتب، فيما عفيفي مطر، الذي يزهو بقصائده ويتمنى لها أن تكون كتباً، يسمي أحد دواوينه «كتاب الأرض والدم»، ولعله فيما أذكر منح الحاكم بأمر الله مساحة من قصائد هذا الكتاب، أما ليليان فمحبوبة رغبت أن أطوق عنقها بقصائدي، وسميتها قصائد ليليان، يبقى أنور كامل، فهو صاحب تجليات متتالية، رتبتها هكذا، أنور كامل، أنور كامل 1، أنور كامل 2.
> في معظم قصائد دواوينك تنتشر أسماء لأعلام وكتاب ومثقفين وروائيين ومفكرين ينتمون إلى عصور قديمة وحديثة ويتجاورون مع أسماء غربية، ماذا كنت تريد أن تقول؟
- أنا رجل يشعر بالوحشة إذا جلس في غرفة وحيداً، يشعر بالوحشة إذا مشى في شارع خالٍ من البشر والحيوانات والطيور، يشعر بالوحشة إذا ظهرت قصائده وكأنها بيوت خالية لا يسكنها أحد، وجود الآخرين بأسمائهم هو هكذا اعتداء على الوحشة التي تخيفني، أعترف أنني أحب كثيراً ترديد أسماء من أحبهم، أحب كثيراً أن أتجاهل بصوت مسموع أسماء من لا أحبهم، البشر في قصائدي ليسوا بشر الأقفاص، إنهم بشر الشعر، دماؤهم من حروف، آلامهم من حروف، أفراحهم من حروف، معهم تضيق العبارة وتتسع الرؤية، القصيدة عندي، وهي كذلك دائماً، في حاجة إلى أنفاس بشر، لأنها تخاف أن تتجرد من ثيابها، أعلم أنها ستتجرد، تخاف أن تصبح شواهد معان، أو شواهد قبور، أعلم أنها لن تصبح، القصيدة هكذا أتمنى لها أن تحيا بالآخرين، كل الآخرين.
> في كتاب السيرة الذاتية «متاهة الإسكافي» سعيت إلى خلط الواقع بالمتخيل والرمزي بالأسطوري... كيف ترى ذلك؟ وهل يمكن للكاتب وهو يكتب سيرته الذاتية أن يلجأ لخلط الأساليب التعبيرية؟
- «متاهة الإسكافي» هي كتابي النثري، الذي حلمت له أن يحقق طموحاتي الضائعة من شعري، بسبب قسوة الشعر، في المتاهة خلعت كل ملابسي دون حياء، ودون حياء أيضاً خلقت عالماً بعضه موجود بالفعل، وبعضه موجود بالرغبة، وبعضه موجود بالاستحالة، وارتفعت بفعلي ورغباتي واستحالاتي تلك إلى حد أنها أصبحت جميعاً أكثر حقيقية من الوجود ذاته. المتاهة كتاب لا يكتبه صاحبه مرتين، قد يصبح مشنقتي، وقد يصبح قاعدة تمثالي، كل ما هو خيالي في المتاهة يبدو لي أكثر واقعية مما هو واقعي فعلاً، لم أحاول أن ألوث سيرة أحد من عائلتي أو من غير عائلتي، ولكنني حاولت أن أضع نفسي قرب ما أريده من نفسي، لأنني حقيقة وادعاءً، أريد من زمني ذا أن يبلغني ما ليس يبلغه من نفسه الزمن.
> تنفتح القصيدة الشعرية لديك على مسارات الروح والوجدان والعقل كيف يمكن مقاربة ذلك بالنظر إلى علاقتك بشعراء الرومانسية المصريين والعرب أمثال محمود حسن إسماعيل وعلى محمود طه وأبو القاسم الشابي من ناحية، وأدونيس في جانبه الفلسفي من ناحية أخرى؟
- أظنك تعني بالروح والوجدان شعراء الرومانسية، وتعني بالعقل شعر أدونيس، ربما أوافقك، ربما أسير معك مسافة من الطريق، ولكنها مسافة قصيرة، بعدها سنفترق، لأن أدونيس بالقطع ليس شاعر العقل، وبالقطع أيضاً ليس شاعر الوجدان، إن شعريته قد تكون خارج هذا التقسيم التقليدي، عموماً أنا لم أنكر اطلاعي المبكر لحد التتلمذ على شعراء الرومانسية المصرية محمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه وإبراهيم ناجي وعبد المعطي الهمشري... إلخ إلخ، وترتيبهم مقصود، وإن كنت بمضي الزمن قد ميزت من بينهم محمود حسن إسماعيل، ليس بسبب الروح والوجدان، ولكن بسبب التشكيل، أعترف أنني تعرفت أيضاً على شعراء الرومانسية العرب، التيجاني يوسف بشير، وعبد السلام عيون السود، وعبد الباسط الصوفي، والترتيب غير مقصود، وكان أقلهم مقاماً عندي هو أبو القاسم الشابي، أعرف أنه أكثرهم شهرة، أعترف أنهم جميعاً وضعوا في إنائي بعضاً ليس هيناً من عصيرهم، ولما انتفضت ضد رخاوتهم الشعرية اكتشفت أن علاقتي بهم لم تبلغ حد أن تكون علاقة عصب، أما أدونيس فحصره في تعبير شاعر العقل أكبر من خيانة شعرية.
> يمثل حضور المرأة في قصيدتك جانباً أساسياً، وهناك قصائد تحمل أسماء الكثير من النساء... ما الذي كنت تريد أن تؤسسه من وجود شعري للمرأة في قصيدتك؟
- الأسماء في قصائدي علامة كبرى من علامات أنسنة القصيدة، سواء كانت الأسماء لرجال أو لنساء، سواء كانت تاريخية أو شعرية، والمرأة في عالمي ليست أداة زينة، ليست محض عاطفة أو محض شهوة، ليست مثيراً شعرياً، إنها شاهد من شواهد الوجود، الأصح أنها شاهد الوجود، يصعب اكتمال قصيدتي دونها، ولأنها هكذا فلا بد أن توجد بجسدها أولاً الذي هو جسد الوجود، وباسمها ثانياً الذي هو اسمي أيضاً.



سعرها 35 سنتاً... بائع فواكه في مانهاتن يتحسّر على «موزة» بيعت بملايين الدولارات

الموزة الصفراء المثبتة على الحائط الأبيض بشريط لاصق فضي هي عمل بعنوان «كوميدي» للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان (أ.ب)
الموزة الصفراء المثبتة على الحائط الأبيض بشريط لاصق فضي هي عمل بعنوان «كوميدي» للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان (أ.ب)
TT

سعرها 35 سنتاً... بائع فواكه في مانهاتن يتحسّر على «موزة» بيعت بملايين الدولارات

الموزة الصفراء المثبتة على الحائط الأبيض بشريط لاصق فضي هي عمل بعنوان «كوميدي» للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان (أ.ب)
الموزة الصفراء المثبتة على الحائط الأبيض بشريط لاصق فضي هي عمل بعنوان «كوميدي» للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان (أ.ب)

في حي هادئ في مانهاتن، حيث يعمل عامل مهاجر يبلغ من العمر 74 عاماً في محل فواكه بسيط، باع موزة أصبحت لاحقاً جزءاً من عمل فني عبثي بيع بمبلغ مذهل بلغ 6.2 مليون دولار في مزاد «سوذبيز». لكن بالنسبة لهذا البائع، كان المبلغ أكبر بكثير من أن يتخيله. وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز».

يعيش شاه علم، الذي يعمل في محل فواكه في الجهة العليا الشرقية من مانهاتن، حياة متواضعة. يبيع الموز يومياً بسعر 35 سنتاً للموزة، ويدير عملاً صغيراً خارج دار «سوذبيز»، حيث تُعرض الأعمال الفنية الرفيعة.

إلا أن بائع الفواكه البسيط لم يكن يعلم أن إحدى الموزات التي باعها في يوم عادي ستتحول إلى قطعة فنية تُباع بملايين الدولارات.

كشك الفواكه أمام دار «سوذبيز» للمزادات (نيويورك تايمز)

ففي مزاد «سوذبيز» الذي أقيم يوم الأربعاء الماضي، بيعت الموزة التي باعها علم، والتي تم لصقها على الجدار باستخدام شريط لاصق، كجزء من عمل فني للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان. فاز رائد الأعمال في مجال العملات الرقمية، جوستين صن، بالموزة بسعر بلغ 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى أكثر من مليون دولار من الرسوم.

علم، الذي لم يكن على علم بأن الموزة ستتحول إلى قطعة فنية، تلقى الخبر بصدمه، وتكشفت مشاعره خلال حديثه مع الصحافيين في شارع يورك وشارع 72 الشرقي. وقال بصوت مكسور: «أنا رجل فقير. لم أمتلك هذا النوع من المال أبداً. ولم أرَ هذا النوع من المال من قبل».

تكاثرت الحشود الباحثة عن التقاط صورة مع الموزة (أ.ب)

تعود بداية قصة هذه الموزة إلى عام 2019، حين عرض كاتيلان عمله الفني «الكوميدي» لأول مرة في معرض «آرت بازل» في ميامي. كان العمل عبارة عن موزة تم لصقها بشريط لاصق على الجدار، وهو تعبير ساخر عن عبثية عالم الفن. لكن لم يكن أحد يتوقع أن هذه الموزة ستصل إلى هذا المبلغ الهائل في مزاد «سوذبيز» بعد خمس سنوات.

وبينما استفاد فنان العمل من الشهرة العالمية لهذا الحدث، لم يحصل بائع الفواكه على أي تعويض عن بيع الموزة في المزاد، ما ترك لديه شعوراً بالحسرة.

أما بالنسبة لعلم، الذي يعيش في شقة قبو مع خمسة رجال آخرين في حي برونكس، فكل شيء بقي على حاله. ولا يزال يبيع الفواكه بأسعار زهيدة في محل صغير، مشهد مغاير تماماً للضجة العالمية التي أثارتها موزته.

تساءل علم في حزن، الذين اشتروا ذلك، أي نوع من الناس هم؟ ألا يعرفون ما هي الموزة؟ في حين استمر الفنانون والمشترون في مناقشة العمل الفني الذي يعتبر عبثياً بقدر ما هو جدلي.