كشفت أوسع دراسة أجريت حتى الآن على التمويل الذي سمح بتطوير اللقاحات ضد «كوفيد – 19»، أن المختبرات التي طوّرت هذه اللقاحات والشركات التي تقوم حالياً بإنتاجها لم تتكبد سوى نسبة ضئيلة جداً من تكاليف البحوث. ولفتت إلى أن لقاح «أسترازينيكا» الذي عوّلت عليه حكومات كثيرة كرهان أساسي في حملات التطعيم ضد الوباء، لم تمول الشركة سوى 3 في المائة من تكاليف البحوث التي أشرفت عليها جامعة أكسفورد، فيما تحملت القسم الباقي حكومة المملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية وبعض مراكز البحوث الممولة هي أيضاً من الخزينة العامة.
وأعادت نتائج هذه الدراسة التي بينت مدى أهمية التمويل العام لتطوير اللقاحات والعلاجات ضد «كوفيد – 19»، طرح موضوع تحرير براءات الاختراع ودفعت بما يزيد على 170 شخصية سياسية وعلمية عالمية بارزة إلى توجيه رسالة، يوم الخميس الماضي، إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، تطلب منه السعي إلى تعليق مفاعيل هذه البراءات حتى نهاية الجائحة، خاصة أن الحكومة الأميركية هي التي موّلت القسم الأكبر من الأبحاث لتطوير اللقاحات التي تنتجها شركات «فايزر» و«مودرنا» و«جونسون آند جونسون».
وتفيد الدراسة التي أجراها باحثون مستقلون في «تحالف الجامعات من أجل الأدوية الأساسية»، والتي شملت مبالغ ضخمة من المال العام تم تخصيصها لتطوير اللقاحات ضد «كوفيد»، أن «الاستثمارات العامة، إلى جانب التعاون العلمي الدولي غير المسبوق، هي التي سمحت بإنتاج هذه اللقاحات في فترة قياسية».
وتكشف الدراسة أيضاً أن الحكومة الأميركية خصصت 3.4 مليار دولار لتمويل بحوث التطوير والتجارب السريرية وإنتاج لقاح «مودرنا» الذي يستخدم تقنية RNA المرسال الجديدة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المبلغ يضاعف أربع مرات ما خصصته الشركة للبحوث والتطوير خلال العام الماضي.
ومن المتوقع أن تشهد منظمة التجارة العالمية نقاشاً حاداً حول موضوع التعليق المؤقت لبراءات اختراع الأدوية بما يتيح للبلدان النامية أن تنتج اللقاحات، خاصة أن الحجة الرئيسية للشركات والدول التي تعترض على هذا الطلب الذي تقدمت به الهند وجنوب أفريقيا ويحظى بتأييد نحو مائة دولة، هي أن البراءات ضرورية من أجل استعادة الاستثمارات الضخمة وتغطية المخاطر في تطوير اللقاحات وإنتاجها.
وتفيد آخر بيانات منظمة الصحة العالمية بأن 90 في المائة من جرعات اللقاحات التي وزعت حتى الآن في العالم كانت في البلدان الغنية، فيما على البلدان الفقيرة أن تنتظر أشهراً طويلة وسنوات للحصول على اللقاحات الكافية لسكانها. ويكرر خبراء المنظمة أن تعميم اللقاحات بسرعة وإنصاف على جميع دول العالم، لا ينبع فحسب من اعتبارات أخلاقية واجتماعية، بل هو ضروري لمنع ظهور طفرات جديدة للفيروس قد تبطل مفاعيل اللقاحات التي تم توزيعها.
وتقول مصادر دبلوماسية مطلعة في منظمة التجارة العالمية إن الاتصالات والتحركات الأخيرة للوفد الأميركي تحمل تفاؤلاً باحتمال تجاوب إدارة بايدن مع مطالب البلدان النامية، التي تقودها الهند وجنوب أفريقيا ونيجيريا، لتعليق العمل مؤقتاً بقواعد الملكية الفكرية في المنظمة حتى نهاية الجائحة. وتجدر الإشارة إلى أن منظمة التجارة هي المنتدى الذي تدافع فيه الدول الغنية، حيث توجد معظم شركات الأدوية الكبرى، عن مصالح هذا القطاع. وتقود جهود تعطيل قرار تعليق البراءات المعروض على المنظمة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حفنة ضئيلة من الحكومات هي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وسويسرا واليابان.
واللافت في هذا الصدد، أنه برغم الانتقادات الشديدة التي وجهها عدد من القادة الأوروبيين مؤخراً لشركة «أسترازينيكا» بسبب عدم وفائها بشروط العقد الموقع معها والتأخيرات المتكررة في تسليم كميات اللقاح الموعودة إلى الاتحاد الأوروبي، تصر المفوضية الأوروبية على أن مشكلة قلة اللقاحات لن تحل بتعليق البراءات، لأن سببها الأساسي هو عدم توفر القدرة الكافية على الإنتاج.
ويرى بعض الخبراء أن تعديل النظام العالمي للبراءات ضروري جداً، رغم صعوبته نظراً للنفوذ الكبير الذي تتمتع به شركات الأدوية الكبرى، لكن تعديله الآن ليس كافياً لحل المشكلة الراهنة، وهي إنتاج اللقاحات الكافية وتوزيعها على جميع الدول في الأشهر المقبلة. ويدعو هؤلاء إلى زيادة الدعم لبرنامج «كوفاكس» الذي تشرف عليه منظمة الصحة العالمية، واستحداث آلية لإعادة توزيع اللقاحات الفائضة لدى الدول الغنية بواسطة هذا البرنامج.
ويقول خبراء منظمة التجارة العالمية إن آلية الإلغاء المؤقت لبراءات الاختراع موجودة وسبق أن استخدمت في السابق، ولا ينقصها سوى الإرادة السياسية من طرف الحكومات والتوصل إلى اتفاق فيما بينها لتعويض الشركات.
وأمام المعارضة الشديدة لهذا الاقتراح من طرف بعض الدول الغنية، طرحت مؤخراً أستراليا وكندا والبرازيل وتشيلي وكولومبيا مبادرة «البراءات الطوعية» التي تقضي بأن تبرم شركات الأدوية التي تملك البراءات اتفاقات مع شركات أخرى لإنتاج كميات إضافية من اللقاحات. وتقول مصادر دبلوماسية إن هذه المبادرة يمكن أن تحظى بموافقة الاتحاد الأوروبي، خاصة أنها الصيغة الأفضل لزيادة إنتاج اللقاحات في الأشهر المقبلة، لكنها لا تحل المشكلة الأساسية لإيصال اللقاحات والأدوية إلى كل الذين يحتاجون إليها.
وفيما تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يتراوح إنتاج اللقاحات هذا العام بين 9 و12 مليار جرعة، يفترض أن تكفي لتحصين ما لا يقل عن 70 في المائة من سكان العالم، يخشى خبراؤها ألا يصل إلى البلدان الفقيرة سوى 5 في المائة منها حتى نهاية العام الجاري.
تفاؤل باحتمال تجاوب واشنطن مع طلب تعليق براءات اللقاحات
الهند وجنوب أفريقيا ونيجيريا تقود الجهود في «التجارة العالمية»
تفاؤل باحتمال تجاوب واشنطن مع طلب تعليق براءات اللقاحات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة