تفاؤل باحتمال تجاوب واشنطن مع طلب تعليق براءات اللقاحات

الهند وجنوب أفريقيا ونيجيريا تقود الجهود في «التجارة العالمية»

جرعات من لقاح «جونسون آند جونسون» في نيويورك (رويترز)
جرعات من لقاح «جونسون آند جونسون» في نيويورك (رويترز)
TT

تفاؤل باحتمال تجاوب واشنطن مع طلب تعليق براءات اللقاحات

جرعات من لقاح «جونسون آند جونسون» في نيويورك (رويترز)
جرعات من لقاح «جونسون آند جونسون» في نيويورك (رويترز)

كشفت أوسع دراسة أجريت حتى الآن على التمويل الذي سمح بتطوير اللقاحات ضد «كوفيد – 19»، أن المختبرات التي طوّرت هذه اللقاحات والشركات التي تقوم حالياً بإنتاجها لم تتكبد سوى نسبة ضئيلة جداً من تكاليف البحوث. ولفتت إلى أن لقاح «أسترازينيكا» الذي عوّلت عليه حكومات كثيرة كرهان أساسي في حملات التطعيم ضد الوباء، لم تمول الشركة سوى 3 في المائة من تكاليف البحوث التي أشرفت عليها جامعة أكسفورد، فيما تحملت القسم الباقي حكومة المملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية وبعض مراكز البحوث الممولة هي أيضاً من الخزينة العامة.
وأعادت نتائج هذه الدراسة التي بينت مدى أهمية التمويل العام لتطوير اللقاحات والعلاجات ضد «كوفيد – 19»، طرح موضوع تحرير براءات الاختراع ودفعت بما يزيد على 170 شخصية سياسية وعلمية عالمية بارزة إلى توجيه رسالة، يوم الخميس الماضي، إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، تطلب منه السعي إلى تعليق مفاعيل هذه البراءات حتى نهاية الجائحة، خاصة أن الحكومة الأميركية هي التي موّلت القسم الأكبر من الأبحاث لتطوير اللقاحات التي تنتجها شركات «فايزر» و«مودرنا» و«جونسون آند جونسون».
وتفيد الدراسة التي أجراها باحثون مستقلون في «تحالف الجامعات من أجل الأدوية الأساسية»، والتي شملت مبالغ ضخمة من المال العام تم تخصيصها لتطوير اللقاحات ضد «كوفيد»، أن «الاستثمارات العامة، إلى جانب التعاون العلمي الدولي غير المسبوق، هي التي سمحت بإنتاج هذه اللقاحات في فترة قياسية».
وتكشف الدراسة أيضاً أن الحكومة الأميركية خصصت 3.4 مليار دولار لتمويل بحوث التطوير والتجارب السريرية وإنتاج لقاح «مودرنا» الذي يستخدم تقنية RNA المرسال الجديدة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المبلغ يضاعف أربع مرات ما خصصته الشركة للبحوث والتطوير خلال العام الماضي.
ومن المتوقع أن تشهد منظمة التجارة العالمية نقاشاً حاداً حول موضوع التعليق المؤقت لبراءات اختراع الأدوية بما يتيح للبلدان النامية أن تنتج اللقاحات، خاصة أن الحجة الرئيسية للشركات والدول التي تعترض على هذا الطلب الذي تقدمت به الهند وجنوب أفريقيا ويحظى بتأييد نحو مائة دولة، هي أن البراءات ضرورية من أجل استعادة الاستثمارات الضخمة وتغطية المخاطر في تطوير اللقاحات وإنتاجها.
وتفيد آخر بيانات منظمة الصحة العالمية بأن 90 في المائة من جرعات اللقاحات التي وزعت حتى الآن في العالم كانت في البلدان الغنية، فيما على البلدان الفقيرة أن تنتظر أشهراً طويلة وسنوات للحصول على اللقاحات الكافية لسكانها. ويكرر خبراء المنظمة أن تعميم اللقاحات بسرعة وإنصاف على جميع دول العالم، لا ينبع فحسب من اعتبارات أخلاقية واجتماعية، بل هو ضروري لمنع ظهور طفرات جديدة للفيروس قد تبطل مفاعيل اللقاحات التي تم توزيعها.
وتقول مصادر دبلوماسية مطلعة في منظمة التجارة العالمية إن الاتصالات والتحركات الأخيرة للوفد الأميركي تحمل تفاؤلاً باحتمال تجاوب إدارة بايدن مع مطالب البلدان النامية، التي تقودها الهند وجنوب أفريقيا ونيجيريا، لتعليق العمل مؤقتاً بقواعد الملكية الفكرية في المنظمة حتى نهاية الجائحة. وتجدر الإشارة إلى أن منظمة التجارة هي المنتدى الذي تدافع فيه الدول الغنية، حيث توجد معظم شركات الأدوية الكبرى، عن مصالح هذا القطاع. وتقود جهود تعطيل قرار تعليق البراءات المعروض على المنظمة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حفنة ضئيلة من الحكومات هي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وسويسرا واليابان.
واللافت في هذا الصدد، أنه برغم الانتقادات الشديدة التي وجهها عدد من القادة الأوروبيين مؤخراً لشركة «أسترازينيكا» بسبب عدم وفائها بشروط العقد الموقع معها والتأخيرات المتكررة في تسليم كميات اللقاح الموعودة إلى الاتحاد الأوروبي، تصر المفوضية الأوروبية على أن مشكلة قلة اللقاحات لن تحل بتعليق البراءات، لأن سببها الأساسي هو عدم توفر القدرة الكافية على الإنتاج.
ويرى بعض الخبراء أن تعديل النظام العالمي للبراءات ضروري جداً، رغم صعوبته نظراً للنفوذ الكبير الذي تتمتع به شركات الأدوية الكبرى، لكن تعديله الآن ليس كافياً لحل المشكلة الراهنة، وهي إنتاج اللقاحات الكافية وتوزيعها على جميع الدول في الأشهر المقبلة. ويدعو هؤلاء إلى زيادة الدعم لبرنامج «كوفاكس» الذي تشرف عليه منظمة الصحة العالمية، واستحداث آلية لإعادة توزيع اللقاحات الفائضة لدى الدول الغنية بواسطة هذا البرنامج.
ويقول خبراء منظمة التجارة العالمية إن آلية الإلغاء المؤقت لبراءات الاختراع موجودة وسبق أن استخدمت في السابق، ولا ينقصها سوى الإرادة السياسية من طرف الحكومات والتوصل إلى اتفاق فيما بينها لتعويض الشركات.
وأمام المعارضة الشديدة لهذا الاقتراح من طرف بعض الدول الغنية، طرحت مؤخراً أستراليا وكندا والبرازيل وتشيلي وكولومبيا مبادرة «البراءات الطوعية» التي تقضي بأن تبرم شركات الأدوية التي تملك البراءات اتفاقات مع شركات أخرى لإنتاج كميات إضافية من اللقاحات. وتقول مصادر دبلوماسية إن هذه المبادرة يمكن أن تحظى بموافقة الاتحاد الأوروبي، خاصة أنها الصيغة الأفضل لزيادة إنتاج اللقاحات في الأشهر المقبلة، لكنها لا تحل المشكلة الأساسية لإيصال اللقاحات والأدوية إلى كل الذين يحتاجون إليها.
وفيما تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يتراوح إنتاج اللقاحات هذا العام بين 9 و12 مليار جرعة، يفترض أن تكفي لتحصين ما لا يقل عن 70 في المائة من سكان العالم، يخشى خبراؤها ألا يصل إلى البلدان الفقيرة سوى 5 في المائة منها حتى نهاية العام الجاري.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.