الولايات المتحدة تكثف جهودها لإضعاف ماكينة «داعش» الإعلامية

أنصار التنظيم الإرهابي ينشرون يوميا نحو 90 ألف تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي

عناصر «داعش» من جنسيات مختلفة انضموا للتنظيم الإرهابي (نيويورك تايمز)
عناصر «داعش» من جنسيات مختلفة انضموا للتنظيم الإرهابي (نيويورك تايمز)
TT

الولايات المتحدة تكثف جهودها لإضعاف ماكينة «داعش» الإعلامية

عناصر «داعش» من جنسيات مختلفة انضموا للتنظيم الإرهابي (نيويورك تايمز)
عناصر «داعش» من جنسيات مختلفة انضموا للتنظيم الإرهابي (نيويورك تايمز)

تجدد إدارة أوباما جهودها لمواجهة الآلة الدعائية لتنظيم داعش، اعترافا منها بأن الجماعة الإرهابية كانت فعالة في استمالة المجندين الجدد، وفي التمويل، وسوء السمعة العالمية، أكثر من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في إحباطها. في قلب الخطة، يتوسع «مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب» التابع لوزارة الخارجية الأميركية، لاستغلال كل محاولات الرسائل المضادة الحالية من الهيئات الفيدرالية الكبرى، مثل وزارة الدفاع، ووزارة الأمن الداخلي، ووكالات الاستخبارات. يعمل المركز كذلك على تنسيق وتضخيم الرسائل المماثلة من قبل الحلفاء الأجانب والوكالات غير الحكومية، فضلا عن الأكاديميين المسلمين البارزين، وقادة المجتمع المدني، والزعماء الدينيين الذين يعارضون تنظيم داعش، والمعروف اختصارا باسم «ISIS» أو «ISIL»، والذين قد يتمتعون بدرجة من المصداقية لدى الجمهور الذي يستهدفه «داعش» من الشباب والفتيات الصغار أكثر من الحكومة الأميركية ذاتها.
يقوم تنظيم داعش وأنصاره بنشر ما يقرب من 90 ألف تغريدة يوميا وغير ذلك من الردود على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، ويعترف المسؤولون الأميركيون بأنه تواجههم مهمة شاقة لإضعاف الزخم الرقمي الذي يتمتع به التنظيم بالأسلوب نفسه الذي أبطأت به حملة الغارات الجوية بقيادة الولايات المتحدة من تقدم «داعش» في ميدان القتال في العراق، وفي سوريا بدرجة أقل.
يقول ريتشارد إيه. ستينغل، وكيل وزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة والشؤون العامة، عبر اتصال هاتفي أجري معه يوم الاثنين الماضي: «إنهم يتفوقون في المحتوى الذي ينشرونه، لذلك فالسبيل الوحيد أمامنا هو تجميع، وضبط، وتضخيم المحتوى الحالي». وحتى الآن، كما قال، فإن الجهود المبذولة لمواجهة «داعش» كان ينبغي أن تكون أفضل من حيث التنسيق.
يستمر العمل حاليا على كثير من تفاصيل الخطة، ولكن يتوقع من مسؤولي الإدارة الإعلان عن الخطوط العريضة للخطة خلال 3 أيام من الاجتماعات، التي يشرف عليها البيت الأبيض والمفترض أن تبدأ الثلاثاء، وتهدف إلى تسليط الضوء على الجهود الحالية التي تبذل من قبل الولايات المتحدة ومن غيرها لمحاربة ما تصفه السلطات بأنه التطرف العنيف.
ووصف كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، يوم الاثنين الماضي، المؤتمر، الذي يأتي في أعقاب الهجمات المتطرفة في باريس وكوبنهاغن، بأنه سبيل لمساعدة المجتمعات في مواجهة جهود التنظيمات الإرهابية على غرار «داعش» و«القاعدة». ومن المفترض أن يتحدث الرئيس أوباما مرتين خلال الاجتماعات، التي من المتوقع أن تجتذب القادة المحليين من كل أنحاء الولايات المتحدة والوزراء الأجانب من نحو 60 دولة.
أنشئ «مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب» بتوجيه من الرئيس أوباما في عام 2011، وتمكن من تنسيق الرسائل المضادة ضد الجماعات المتطرفة التي تصطف بشكل رئيسي مع تنظيم القاعدة، واستطاع المركز ابتكار الوسائل لمكافحة الخطابات المتطرفة. كما يوظف المركز المتخصصين في التواصل الرقمي والبارعين في اللغات العربية، والأردية، والبنجابية، والصومالية لمواجهة الدعاية الإرهابية والتضليل حول الولايات المتحدة على شبكة الإنترنت في الوقت المناسب.
يقوم المحللون أنفسهم كذلك بنشر الرسائل على المواقع الناطقة باللغة الإنجليزية التي يستخدمها المتطرفون في التجنيد، وجمع الأموال، ونشر قضيتهم.
تهدف الرسائل عبر الإنترنت إلى إيجاد خطاب منافس الذي يضرب على وتر عاطفي حساس لدى المتشددين المحتملين الذين يفكرون فيما إذا كانوا سيلتحقون بالجماعة المتطرفة العنيفة أم لا. وكانت هناك صورة نشرت قبل عامين، على سبيل المثال، أظهرت ثلاثة رجال أميركيين سافروا إلى الصومال وماتوا هناك، ومن بينهم عمر همامي، وهو شاب من ولاية ألاباما الذي تحول إلى متشدد شهير. وكانت الرسالة المصاحبة تقول: «أتوا إلينا.. فقتلوا على يد تنظيم الشباب».
أظهرت صورة أخرى شابا يبكي على نعش، وتقول الرسالة المصاحبة: «كيف يمكن لذبح الأبرياء أن يكون هو الصراط المستقيم؟».
كانت كل المنشورات على الإنترنت تحمل تحذيرا واحدا: «فكر مرة أخرى.. ابتعد».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، حذر أنصار «داعش» المقاتلين من تغريدات حساب المركز على «تويتر» وعدم التواصل معه.
يقول السيد ستينغل، وكان مديرا لتحرير مجلة الـ«تايم» سابقا، إن الحملة الجديدة ضد «داعش» تعمل على تنفيذ استراتيجيات في الوقت الحالي يطبقها كثير من الشركات والأفراد بشكل روتيني لزيادة بصماتهم الرقمية، ومن بين ذلك إعادة مشاركة الأخبار أو مقالات الرأي على «تويتر»، ومبادلة روابط نصوص الإنترنت واتخاذ خطوات أخرى لتحسين المحتوى المنشور على الشبكة.
وسوف يستخدم هذا المنهج أكثر من 350 حسابا تابعا لوزارة الخارجية، وكذلك السفارات، والقنصليات، والمراكز الإعلامية، والمكاتب، والأفراد، وكذلك حسابات أخرى تحت إشراف وزارة الدفاع، ووزارة الأمن الداخلي، والحلفاء الخارجيون. وقال السيد ستينغل إن وزارة الخارجية تستخدم هذا المنهج في إدانة الهجمات على مجلة «تشارلي إيبدو» الفرنسية.
وأعرب المتشككون في الحملة الجديدة عن مخاوفهم من أن البرنامج ليس إلا محاولة من جانب البيت الأبيض لإنهاء الحرب المستعرة المستمرة مع ألبرتو فرنانديز مدير مركز مكافحة الإرهاب، وممارسة المزيد من السيطرة على نوعيات الرسائل المنتجة والتنسيق مع الشركاء المحليين والدوليين. كما شكك مسؤولون آخرون من إمكانية أن يكون المركز الجديد لدى وزارة الخارجية الأميركية على مستوى المهمة الموكلة إليه؛ حيث اشتكى السيد فرنانديز، وهو من المختصين البارزين في شؤون الشرق الأوسط ومن موظفي وزارة الخارجية المحترمين، وأنصاره مرارا من أن وزارة الخارجية والبيت الأبيض لا يقدمون الدعم الكامل أو التمويل المناسب لأنشطة المركز الذي يعمل بميزانية صغيرة تبلغ 5 ملايين دولار في العام.
يقول دانيال بنيامين، وهو منسق سابق لمكافحة الإرهاب لدى وزارة الخارجية الأميركية من «دارتماوث»: «بعد عامه الأول أو الثاني، لم يتعامل أحد مع المركز بجدية، وتلقى دعما باهتا من المسؤولين الكبار».
وقد أحجم السيد فرنانديز، الذي سوف يحال إلى التقاعد في أبريل (نيسان) المقبل، عن التعليق على هذا المقال.

* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.