تجدد إدارة أوباما جهودها لمواجهة الآلة الدعائية لتنظيم داعش، اعترافا منها بأن الجماعة الإرهابية كانت فعالة في استمالة المجندين الجدد، وفي التمويل، وسوء السمعة العالمية، أكثر من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في إحباطها. في قلب الخطة، يتوسع «مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب» التابع لوزارة الخارجية الأميركية، لاستغلال كل محاولات الرسائل المضادة الحالية من الهيئات الفيدرالية الكبرى، مثل وزارة الدفاع، ووزارة الأمن الداخلي، ووكالات الاستخبارات. يعمل المركز كذلك على تنسيق وتضخيم الرسائل المماثلة من قبل الحلفاء الأجانب والوكالات غير الحكومية، فضلا عن الأكاديميين المسلمين البارزين، وقادة المجتمع المدني، والزعماء الدينيين الذين يعارضون تنظيم داعش، والمعروف اختصارا باسم «ISIS» أو «ISIL»، والذين قد يتمتعون بدرجة من المصداقية لدى الجمهور الذي يستهدفه «داعش» من الشباب والفتيات الصغار أكثر من الحكومة الأميركية ذاتها.
يقوم تنظيم داعش وأنصاره بنشر ما يقرب من 90 ألف تغريدة يوميا وغير ذلك من الردود على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، ويعترف المسؤولون الأميركيون بأنه تواجههم مهمة شاقة لإضعاف الزخم الرقمي الذي يتمتع به التنظيم بالأسلوب نفسه الذي أبطأت به حملة الغارات الجوية بقيادة الولايات المتحدة من تقدم «داعش» في ميدان القتال في العراق، وفي سوريا بدرجة أقل.
يقول ريتشارد إيه. ستينغل، وكيل وزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة والشؤون العامة، عبر اتصال هاتفي أجري معه يوم الاثنين الماضي: «إنهم يتفوقون في المحتوى الذي ينشرونه، لذلك فالسبيل الوحيد أمامنا هو تجميع، وضبط، وتضخيم المحتوى الحالي». وحتى الآن، كما قال، فإن الجهود المبذولة لمواجهة «داعش» كان ينبغي أن تكون أفضل من حيث التنسيق.
يستمر العمل حاليا على كثير من تفاصيل الخطة، ولكن يتوقع من مسؤولي الإدارة الإعلان عن الخطوط العريضة للخطة خلال 3 أيام من الاجتماعات، التي يشرف عليها البيت الأبيض والمفترض أن تبدأ الثلاثاء، وتهدف إلى تسليط الضوء على الجهود الحالية التي تبذل من قبل الولايات المتحدة ومن غيرها لمحاربة ما تصفه السلطات بأنه التطرف العنيف.
ووصف كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، يوم الاثنين الماضي، المؤتمر، الذي يأتي في أعقاب الهجمات المتطرفة في باريس وكوبنهاغن، بأنه سبيل لمساعدة المجتمعات في مواجهة جهود التنظيمات الإرهابية على غرار «داعش» و«القاعدة». ومن المفترض أن يتحدث الرئيس أوباما مرتين خلال الاجتماعات، التي من المتوقع أن تجتذب القادة المحليين من كل أنحاء الولايات المتحدة والوزراء الأجانب من نحو 60 دولة.
أنشئ «مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب» بتوجيه من الرئيس أوباما في عام 2011، وتمكن من تنسيق الرسائل المضادة ضد الجماعات المتطرفة التي تصطف بشكل رئيسي مع تنظيم القاعدة، واستطاع المركز ابتكار الوسائل لمكافحة الخطابات المتطرفة. كما يوظف المركز المتخصصين في التواصل الرقمي والبارعين في اللغات العربية، والأردية، والبنجابية، والصومالية لمواجهة الدعاية الإرهابية والتضليل حول الولايات المتحدة على شبكة الإنترنت في الوقت المناسب.
يقوم المحللون أنفسهم كذلك بنشر الرسائل على المواقع الناطقة باللغة الإنجليزية التي يستخدمها المتطرفون في التجنيد، وجمع الأموال، ونشر قضيتهم.
تهدف الرسائل عبر الإنترنت إلى إيجاد خطاب منافس الذي يضرب على وتر عاطفي حساس لدى المتشددين المحتملين الذين يفكرون فيما إذا كانوا سيلتحقون بالجماعة المتطرفة العنيفة أم لا. وكانت هناك صورة نشرت قبل عامين، على سبيل المثال، أظهرت ثلاثة رجال أميركيين سافروا إلى الصومال وماتوا هناك، ومن بينهم عمر همامي، وهو شاب من ولاية ألاباما الذي تحول إلى متشدد شهير. وكانت الرسالة المصاحبة تقول: «أتوا إلينا.. فقتلوا على يد تنظيم الشباب».
أظهرت صورة أخرى شابا يبكي على نعش، وتقول الرسالة المصاحبة: «كيف يمكن لذبح الأبرياء أن يكون هو الصراط المستقيم؟».
كانت كل المنشورات على الإنترنت تحمل تحذيرا واحدا: «فكر مرة أخرى.. ابتعد».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، حذر أنصار «داعش» المقاتلين من تغريدات حساب المركز على «تويتر» وعدم التواصل معه.
يقول السيد ستينغل، وكان مديرا لتحرير مجلة الـ«تايم» سابقا، إن الحملة الجديدة ضد «داعش» تعمل على تنفيذ استراتيجيات في الوقت الحالي يطبقها كثير من الشركات والأفراد بشكل روتيني لزيادة بصماتهم الرقمية، ومن بين ذلك إعادة مشاركة الأخبار أو مقالات الرأي على «تويتر»، ومبادلة روابط نصوص الإنترنت واتخاذ خطوات أخرى لتحسين المحتوى المنشور على الشبكة.
وسوف يستخدم هذا المنهج أكثر من 350 حسابا تابعا لوزارة الخارجية، وكذلك السفارات، والقنصليات، والمراكز الإعلامية، والمكاتب، والأفراد، وكذلك حسابات أخرى تحت إشراف وزارة الدفاع، ووزارة الأمن الداخلي، والحلفاء الخارجيون. وقال السيد ستينغل إن وزارة الخارجية تستخدم هذا المنهج في إدانة الهجمات على مجلة «تشارلي إيبدو» الفرنسية.
وأعرب المتشككون في الحملة الجديدة عن مخاوفهم من أن البرنامج ليس إلا محاولة من جانب البيت الأبيض لإنهاء الحرب المستعرة المستمرة مع ألبرتو فرنانديز مدير مركز مكافحة الإرهاب، وممارسة المزيد من السيطرة على نوعيات الرسائل المنتجة والتنسيق مع الشركاء المحليين والدوليين. كما شكك مسؤولون آخرون من إمكانية أن يكون المركز الجديد لدى وزارة الخارجية الأميركية على مستوى المهمة الموكلة إليه؛ حيث اشتكى السيد فرنانديز، وهو من المختصين البارزين في شؤون الشرق الأوسط ومن موظفي وزارة الخارجية المحترمين، وأنصاره مرارا من أن وزارة الخارجية والبيت الأبيض لا يقدمون الدعم الكامل أو التمويل المناسب لأنشطة المركز الذي يعمل بميزانية صغيرة تبلغ 5 ملايين دولار في العام.
يقول دانيال بنيامين، وهو منسق سابق لمكافحة الإرهاب لدى وزارة الخارجية الأميركية من «دارتماوث»: «بعد عامه الأول أو الثاني، لم يتعامل أحد مع المركز بجدية، وتلقى دعما باهتا من المسؤولين الكبار».
وقد أحجم السيد فرنانديز، الذي سوف يحال إلى التقاعد في أبريل (نيسان) المقبل، عن التعليق على هذا المقال.
* خدمة «نيويورك تايمز»