في زيارته لباريس ولقائه الرئيس الفرنسي على غداء عمل ثم التئام اجتماع ثلاثي «عن بُعد» بمشاركة المستشارة الألمانية، سعى الرئيس الأوكراني لتعبئة الدولتين الأوروبيتين العضوين في ما تسمى «مجموعة نورماندي» من أجل الضغط على الرئيس الروسي وخفض التوتر المتصاعد على حدود بلاده الشرقية وفي شبه جزيرة القرم. وفي الأيام الماضية، عمدت موسكو إلى حشد قوات ضخمة قريباً من الحدود الأوكرانية على خلفية عودة التوتر في منطقة «الدونباس» حيث تتواجه القوات الأوكرانية مع العناصر الانفصالية التي تحظى بدعم روسي. كذلك سعى فلوديمير زيلينسكي لهدف أسمى عنوانه حشد الدعم لانضمام كييف إلى الحلف الأطلسي من جهة وإلى الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. واستبق زيلينسكي اجتماعاته في باريس بالكشف عن مطالبه بلغة مباشرة مستفيداً من حوار أجرته معه صحيفة «لو فيغاور»، وفيه يعرب عن غيظه من «البقاء في غرفة الانتظار» الأوروبية والأطلسية في الوقت الذي تتعرض فيه بلاده «لاعتداء روسي عنيف». ويريد زيلينسكي من الرئيس إيمانويل ماكرون أن يقف إلى جانب مطالب كييف «إذ إن فرنسا بلد كبير وآمل أن توفر الدعم لمتطلباتنا». وبنظر الرئيس الأوكراني، فإن الوقت قد حان «للتسريع» في التحرك و«اتخاذ القرارات» و«عدم الاكتفاء بالخطابات». ولمن قد يعد أن أوكرانيا بعيدة، فقد ذكر زيلينسكي أن «أمن أوروبا مرهون بأمن أوكرانيا» التي خسرت شبه جزيرة القرم في عام 2014 لصالح روسيا وخسرت مناطق واسعة من شرقي البلاد التي أضحت في وضع شبه مستقل. ومنذ سبع سنوات، تشكلت «مجموعة نورماندي» التي تضم فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا من أجل إيجاد الحلول للأزمة وللعمل على تطبيق ما تسمى «اتفاقات مينسك». إلا أن المجموعة فشلت وكل طرف يرمي المسؤولية على الطرف الآخر.
من جانبها، استبقت الخارجية الروسية، بصوت الناطقة باسمها ماريا زاخاروفا، لقاءات باريس، بدعوة إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل إلى التوقف عن «المساهمة في الحملة الدعائية التي تحيط بتحركات الوحدات الروسية»، التي لا تهدد أحداً، «واستبدال بذلك دعوة كييف إلى خفض التصعيد»، معتبرة أن التدريبات العسكرية جاءت رداً على «تهديدات» الحلف الأطلسي و«الاستفزازات الأوكرانية». وتشعر كييف بأنها «مهددة» بغزو روسي غرضه ضم المناطق الشرقية التي تسكنها أكثرية روسية. والأهم من ذلك أن التصعيد جاء على خلفية احتدام التوتر بين واشنطن وموسكو وفرض البيت الأبيض عقوبات قاسية على هيئات وأفراد روس وعودة التركيز على أن القرم أوكرانية وأنه يتعين أن تعود إلى كييف. وفي هذا السياق، أعلن زيلينسكي أن الطرف الروسي «يسعى لإرهابنا ولاستفزازنا» ويحاول دفعنا «للرد على استفزازاته» لغرض توفير الذرائع لاجتياح منطقة الدونباس. ويؤكد الأخير أن بوتين يمارس «ضغوطاً سياسية وعسكرية ونفسية»، إلا أن محاولاته لن تنجح «لأننا لن نتخلى عن شبر واحد من أرضنا مهما كان الثمن». وقناعة زيلينسكي أن موسكو لا تريد أوكرانيا «قوية ومستقلة» ولا تريد خصوصاً أن تراها عضواً في الحلف الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي.
وفي أي حال، فإن مصادر رئاسية فرنسية رأت، في معرض تقديمها للزيارة، أن انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي «أمر مستبعد بسبب معارضة روسيا» وبسبب تردد عدد من أعضاء الحلف «بينهم فرنسا» الذين يتخوفون من أن أمراً كهذا سيُعدّ «استفزازاً لروسيا». أما انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي فإنه ليس على جدول أعمال الاتحاد. وما تستطيعه باريس وبرلين هو العمل على المحافظة على وقف إطلاق النار في الدونباس ومحاولة إعادة إطلاق المسار السياسي في إطار «مجموعة نورماندي» عبر التواصل مع الطرف الروسي والعودة إلى اتفاقية «مينسك 2» التي تعد «خريطة طريق» لإيجاد حلول نهائية لأزمة الدونباس. ويرى الباحث الأوكراني فولوديمير فيسنكو أن زيلينسكي سعى في باريس لأمرين: الأول، الطلب من ماكرون وميركل الضغط على بوتين «للامتناع عن أي عمل عدائي» ضد أوكرانيا. والآخر، إعادة تفعيل «مجموعة نورماندي» والعودة إلى المحادثات المباشرة على مستوى رؤساء الدول الأربع. وحسب الباحث الأوكراني، فإن المجموعة تمرّ بأزمة حقيقية لرفض بوتين التحدث إلى زيلينسكي وهو يمارس ضغوطاً عليها عبر التحشيد العسكري. وأمس، برز تصعيد إضافي من موسكو، إذ منعت لستة أشهر إبحار القطع البحرية العسكرية الأجنبية والرسمية في المياه المقابلة لثلاث مناطق من شبه جزيرة القرم في الوقت الذي أطلقت مناورات واسعة في بحر أوزوف. وردّ مصدر أوروبي على قرار روسيا معتبرا إياه «تطوراً مثيراً للقلق الشديد» كما عده بادرة روسية إضافية «في الاتجاه الخطأ» بينما عدّتها كييف «تعدياً على الحقوق السيادية» لأوكرانيا.
ودعا زيلينسكي، عقب الاجتماع الثلاثي أمس إلى عقد قمة تضم أطراف «مجموعة نورماندي» الأربعة، أي بمشاركة الرئيس بوتين «من أجل مناقشة الوضع الأمني في شرق أوكرانيا وزوال احتلال أراضينا» من قِبل روسيا. وجاء في بيان صادر عن مكتب ميركل في برلين أن القادة الثلاثة «عبّروا عن مخاوفهم من زيادة الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا بشكل غير شرعي». كذلك دعوا «لانسحاب القوات الروسية من الحدود المشتركة مع أوكرانيا لغرض خفض التصعيد». ولم يأتِ البيان على ذكر المطلبين الرئيسيين للرئيس الأوكراني، فيما لم يُعرف ما إذا كانت ميركل وماكرون سيعمدان إلى الاتصال بالرئيس الروسي من أجل ترتيب اجتماع رباعي. وتجدر الإشارة إلى أن آخر اجتماع للأربعة عُقد في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019.
ماكرون وميركل وزيلينسكي يدعون موسكو لسحب قواتها من الحدود مع أوكرانيا
اتهام لبوتين بالبحث عن «ذريعة» لاجتياح مناطق شرق البلاد
ماكرون وميركل وزيلينسكي يدعون موسكو لسحب قواتها من الحدود مع أوكرانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة