العام الدراسي للطلاب في لبنان انتهى قبل أن يبدأ

11 أسبوعاً من التعليم المتقطع خلال السنة بسبب الأزمة الاقتصادية وجائحة «كورونا»

TT

العام الدراسي للطلاب في لبنان انتهى قبل أن يبدأ

يقترب العام الدراسي من نهايته ولكنّه فعلياً كأنه لم يبدأ بالنسبة إلى عدد كبير من تلامذة المدارس الحكومية من لبنانيين ونازحين سوريين، فعامهم الدراسي انطلق متأخراً بسبب جائحة «كورونا» وانتقل من حضوري إلى مدمج ومن ثمّ أكمل عن بُعد وسط غياب أدنى مقومات البنية التحتيّة اللازمة من كهرباء وإمدادات إنترنت وأجهزة حواسيب، هذا فضلاً عن إضراب الأساتذة المتكرّر بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم واستمرار الأزمة المعيشيّة التي جعلت متابعة أولياء الأمور لأبنائهم دراسياً أمراً ثانوياً.
وكانت منظمة «سايف ذا تشيلدرن» (أنقذوا الأطفال) قد قالت في تقرير نشرته مؤخراً إنّ الفقر في لبنان يشكّل عائقاً حاداً أمام حصول الأطفال على التعليم، إذ إن كثيراً من الأسر لا تتمكن من توفير تجهيزات التعلم أو عليها أن تعتمد على الأطفال لتوفير الدخل، محذرةً من أنّ أكثر من 1.2 مليون طفل باتوا خارج المدارس في لبنان منذ بدء أزمة «كورونا» العام الماضي. ولفتت المنظمة إلى أنّ من حالفهم الحظ بالحصول على التعليم لم يتلقوا سوى 11 أسبوعاً على الأكثر من الدراسة وأنّ الأطفال السوريين تلقوا ساعات أقل.
ويصف رئيس دائرة التعليم الرسمي في وزارة التربية هادي زلزلي العام الدراسي الحالي في المدارس الحكوميّة بـ«غير التقليدي والصعب»، إذ اضطرت الوزارة إلى اللجوء إلى التعليم عن بُعد وهي تعرف أنّ البلد بأكمله غير مجهّز بسبب ضعف خدمات الإنترنت وانقطاع الكهرباء المتكرّر، هذا فضلاً عن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعانيها أولياء الأمور والتي تجعل حتى تكاليف الذهاب إلى المدرسة في حال العودة هماً فكيف يمكنها تأمين جهاز لوحي أو حاسوب؟
ويشير زلزلي في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ الهدف الأساسي حالياً للوزارة إبقاء التلميذ في جو دراسي وعدم انقطاعه عن الدراسة، لذلك تتابع الوزارة وضمن الإمكانيات الموجودة المدارس الحكومية التي تتابع بدورها التلامذة إلّا أنّ هذا لا يمنع حقيقة أنّه من الصعب البناء على هذا العام الدراسي، حسب تعبيره، إذ لا توجد إمكانيّات الوصول إلى جميع الطلاب المسجلين ولا آليّة للتقييم عن بُعد، لذلك تحاول الوزارة إزالة العقبات أمام عودة التلامذة إلى التعليم الحضوري عبر تأمين بيئة آمنة في ظلّ جائحة «كورونا».
ويبلغ عدد تلامذة المدارس الحكوميّة (دوام قبل الظهر) 385 ألف تلميذ منهم 337 ألف لبناني والباقون من جنسيات أخرى لا يمثّل النازحون السوريون نسبة كبيرة منهم، إذ إنّ معظم التلامذة السوريين مسجّلون في تعليم بعد الظهر حيث تجاوز عددهم عام 2019 100 ألف تلميذ.
ويشير زلزلي إلى أنّ عدداً لا بأس به من المدارس الحكومية تسجّل حضوراً للطلاب (عن بُعد) يتجاوز الـ60% ولكنّ هذه النسبة تنخفض في مدارس أخرى حيث تقلّ إمكانيات الطلاب لتأمين جهاز حاسوب أو لوحي أو حتى هاتف ذكي وتأمين الإنترنت.
وفي سؤال عمّا إذا كانت هذه النسبة تبشّر بتسرب مدرسي، رأى زلزلي أنّه من الصعب الحسم حالياً، فالأمر يتطلب مقارنة بين أعداد الطلاب العام الحالي والعام المقبل حسب الصفوف، لافتاً إلى أنّ الأمر سيصبح أكثر وضوحاً مع بداية العام المقبل.
كانت منظمة «أنقذوا الأطفال» قد أشارت إلى أن الأطفال الضعفاء يواجهون خطراً حقيقياً من عدم العودة إطلاقاً إلى المدرسة، إذ إنّ جائحة «كورونا» والتراجع الاقتصادي الذي يشهده لبنان يشكّلان ظروفاً تعني أن الأطفال الذين ابتعدوا عن مدارسهم بسبب القيود المفروضة قد لا يعودون إليها أبداً.
ولفت التقرير إلى أن الخطر بات واقعاً ليس فقط على الأسر اللبنانية التي يعيش أكثر من نصفها تحت خط الفقر، بل يمتد لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين صارعوا من أجل الحصول على التعليم قبل أن تبدأ الأزمة اللبنانية التي جعلت الأمر أكثر تعقيداً.
كان التلامذة السوريون (دوام بعد الظهر) قد توقفوا عن التعليم منذ منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي، بسبب إضراب أساتذتهم لأنّهم لم يتلقوا رواتبهم منذ عام ونصف العام، حسبما توضح رولا وهبي وهي عضو في لجنة الأساتذة المستعان بهم لدوام بعد الظهر.
وتقول وهبي في حديث مع «الشرق الأوسط» إنّ الصعوبات التي واجهت تعليم السوريين عن بُعد «لا تنتهي»، متحدثةً عن تغيّب مستمر من الطلاب عن الصفوف لأسباب عدّة منها أنّ عدداً من الإخوة يتشاركون هاتفاً ذكياً واحداً فيوزّعون أيام الحضور بينهم، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء المتكرر وعدم قدرة أولياء الأمور على الحصول على خدمة الإنترنت إلّا عن طريق تفعيل خدمة «واتساب» الشهريّة والتي لا تتحمّل في كثير من الأحيان كميّة الملفات المرسلة من المعلّمات، مشيرة إلى عوائق أخرى كان الطلاب يواجهونها بشكل يومي منها مثلاً غياب البيئة المناسبة، إذ غالباً ما تكون البيوت صغيرة والطالب يدرس وسط ضجّة إخوته في غرفة واحدة، فضلاً عن عدم متابعة أولياء الأمور لأبنائهم دراسياً إمّا بسبب عدم قدرتهم على ذلك نظراً لضعف مستوياتهم التعليمية وإما لعدم اقتناع عدد كبير منهم بجدوى التعليم عن بُعد فيتعاملون مع الصفوف كأنها «مضيعة للوقت وخسارة للإنترنت»، كما قال أحد أولياء الأمور مرّة لوهبي.
ويضاف إلى هذه العوائق، حسب وهبي، عدم تدريب المعلمات وافتقار عدد منهن لمهارات تكنولوجية ضرورية في مجال التعليم عن بُعد، بالإضافة إلى تأثير الأزمة الاقتصادية على الأساتذة أنفسهم والذين بات جزء منهم غير قادر حتى على تأمين الإنترنت، كما أن بعضهم لا يتقاضون رواتبهم، وهي أقل حقوقهم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».