الرياض.. عاصمة الصحراء قصة صمود

عين على هندسة «البيت السياسي» السعودي وأخرى على استقرار الإقليم

السعودية:«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا»
السعودية:«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا»
TT

الرياض.. عاصمة الصحراء قصة صمود

السعودية:«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا»
السعودية:«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا»

في أوائل عام 2011. بدايات ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي»، كان سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، يعقد مؤتمرا صحافيا في جدة، غرب السعودية. ويصرح بـ«أن من يشير بإصبعه تجاه السعودية سنقطعها له».
كان الفيصل يجيب عن سؤال حول احتمالية وجود تدخلات خارجية لزعزعة استقرار البلاد كما هي مؤشرات الحال في طلائع دول «الربيع العربي»، آن ذاك. كان «البيت السياسي» في الرياض، يوجه رسالة لا مواربة فيها إلى أن «عملاق الصحراء» السياسي والاقتصادي لن يتوانى عن استخدام ثقله، لخلق التوازن الإقليمي مقابل هذا الزلزال الذي يهدد الجغرافيا والأمن الوطني. مرت 4 سنوات من عمر هذا التصريح، وصمدت «الرياض» ضد رياح «ربيع المنطقة» الذي لم يكن سوى ديكور لامع لـ«ربيع أصولي» قطباه رمزي «الإسلام السياسي»، السني ممثلا في «الإخوان المسلمين» ومقابله الشيعي ممثلا في طهران، وما بينهما من حركات العنف المسلح المتطرفة، ومجاميع المرتزقة، وشذاذ الآفاق، الغرباء الذين لا أوطان لهم.

عبرت المنطقة أزمات سياسية كبرى في العقد الأخير. بدأت عندما استيقظ السعوديون مع العالم على مفاجأة 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية من تنظيم القاعدة. وكانت الصباحات الأمَرّ، تلك التي تلت تفجيرات مايو (أيار) 2003 وما تبعها من ملاحقات في كل جغرافيا المملكة انتهت إلى القضاء عليهم.
كان الجرح الوجداني للسعوديين عميقا، ليس من كون المهاجمين من أبنائهم فقط، بل ومن تشويههم لصورة «الإسلام» خاتم الأديان السماوية، ووصمه بالإرهاب.
«الإرهابيون سرقوا أهم الأشياء لدينا، أخذوا إيماننا وأطفالنا واستخدموهم لمهاجمتنا». قالها الأمير محمد بن نايف لريتشارد هولبروك، السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، في عام 2008. بحسب تقرير نشر في «نيويورك تايمز» أخيرا.
السعودية اليوم، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أعادت هندسة «البيت السياسي» من الداخل، بقرارات تعيين الأمير مقرن وليا للعهد، وتعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، وزير الداخلية الذي بزغ نجمه في العقد الأخير كأحد أبرز الوجوه السياسية في مكافحة الإرهاب.
أخيرا، في موقفين متتابعين، تؤكد فيهما الرياض على مواصلة الحرب على الإرهاب، عزّى الملك سلمان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في استشهاد الجنود في سيناء على أيدي الإرهابيين، وأعاد تأكيد وقوف الرياض مع القاهرة ضد من «يحاولون تعكير صفو» علاقتهما في مكالمة لاحقة بأيام.
> إرث التفاصيل السياسية
قبل شهور قليلة، كانت المواقع الإخبارية تضج بصور بعض نجوم «المفرقعات الإخوانية» إعلاميا، وهم يجرون عجلات حقائب سفرهم في مطار الدوحة، مغادرين عماراتها المتلألئة في خاصرة الخليج.
كنت تلك الصور المتناسلة كفيلة لدفع المراقبين للتنبه، ما هي إلا هوامش لبداية أكلاف باهظة على الدوحة تسديدها للإقليم، جراء دعمها وتبنيها لسرديات احتجاجات «الإسلام السياسي». هذه السرديات التي جعلت حتى تنظيم القاعدة ينظّر لـ«حقوق الإنسان» من خلال منبره قناة «الجزيرة»، المملوكة بالكامل للحكومة القطرية.
إرث الفوضى الذي عم جغرافيا العالم العربي، رأته القوى الإقليمية مبالغة قطرية في الرغبة في لعب دور أكبر من حجمها «الجغرافي»، هذا الإرث المعقد بالتفاصيل من الخليج إلى المغرب العربي مرورا ببلاد الشام، الذي أثقل كاهل قطر ودفعها إلى انتهاج سياسة أكثر تواضعا مع الشركاء الإقليميين والدوليين. التي انتهت باتفاقية «الرياض» الشهيرة، واقتضت عودة السفراء الخليجيين للدوحة.
«قد يستغرق الأمر سنوات كي تستعيد قطر تماما قدرا من الثقة بين الشركاء الإقليميين» بحسب كريستيان كوتس أولريشن زميل الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس.
ويضيف أولريشن في دراسة مطولة عن قطر و«الربيع العربي» نشرت في مركز كارنيغي للدراسات «إذا كانت قطر تسعى إلى استعادة سمعتها (وتحقيق الاستفادة القصوى) في مجال الوساطة بطريقة تتفوّق على قدرتها المؤسّسية المحدودة، فقد يحتاج المسؤولون في الدوحة إلى التراجع خطوة إلى الوراء والسماح للآخرين بتولّي زمام القيادة، وهو الأمر الذي قد لا يرغبون في القيام به».
الظل المجنح للرياض، امتد من مساندة القاهرة في انتفاضتها على حكم «الإخوان»، إلى مساندة الاستقرار في المنامة ضد حركات التمرد الطائفية، التي تقودها جمعية «الوفاق» البحرينية، ومرورا برفضها مقعد مجلس الأمن غير الدائم، الذي لم يتخذ موقفا حازما من التقتيل المنظم الذي يمارسه بشار الأسد ضد الشعب السوري، وقادت مبادرة مصالحة في اليمن، لكن أرادت أطراف أخرى أن تتحول صنعاء إلى دولة تمارس «ديمقراطية الميليشيات» بعد سيطرة الحوثي العسكرية عليها. وانتهاء بمشاركة القوات الملكية السعودية الجوية في توجيه ضربات، لتنظيم داعش، ضمن حلف دولي لوقف تقدم هذا التنظيم ذي الأدبيات البربرية، القادمة من العصور الوسطى الروحية.
> الرياض.. ومحور الاعتدال 2
قبل ساعات الشفق الأخيرة من يوم 3 يوليو (تموز)، ظهر المشير عبد الفتاح السيسي على شاشة التلفزيون المصري، ليعلن عزل الدكتور محمد مرسي عن كرسي الرئاسة، بعد تخييره بين الامتثال للمطالب السياسية للحشود العارمة في ميادين القاهرة والتنحي، لكنه رفض الاثنين.
لم تمر دقائق على هبوط الليل، حتى جاء بيان الرياض الصادر باسم الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، باعتبار التحول في القاهرة رغبة شعبية يعلن وقوفه معها، كانت تلك أول نافذة ضوء سياسي تفتح على القاهرة الجديدة.
في ذات الوقت، قادت أبوظبي دبلوماسية نشطة في المنطقة ضد الإرهاب، وصعود موجات «الإسلام السياسي» من جماعات التطرف الديني أو جماعات العنف المسلح، مثل «الإخوان المسلمين» و«داعش» و«القاعدة»، التنظيمات التي تتشارك العواصم الثلاث آنفة الذكر وضعهم على قوائم «الإرهاب».
الرياض مارست العقلانية السياسية تجاه فوضى المنطقة، ووضعت ميليشيا حزب الله وتنظيمي «القاعدة» و«داعش» في سلة وحدة. وقفت مع مصر وتحملت كل الأكلاف السياسية جراء موقفها الصلب ضد الفوضى. أعلنت في بيانات رسمية احترام رغبات الشعوب في كل «الثورات» التي عبرت المنطقة دون استثناء، ساندت العراق في أكثر فترات هجوم المالكي عليها، وباركت الحكومة الجديدة رافضة أي تقسيمات سياسية طائفية، وفي الوقت ذاته الذي حمّلت المجتمع الدولي مسؤوليته الأخلاقية تجاه سوريا، لامت واشنطن على تفاهماتها النووية مع طهران الممول الأول والمتبني للميليشيات الشيعية في المنطقة. لم تنجر الرياض في مستنقع السياسة الطائفية، التي تغذيها أجندة «الإسلام السياسي» الشيعي المصدرة من طهران، العاصمة التي تعاني اليوم أزمات داخلية خانقة من جراء استثمارها في اقتصاديات الحرب والقضايا الخاسرة في المنطقة.
> تجديد هيكلة صناعة القرار
قبل أشهر قليلة، كتبت مجلة «أميركان إنترست» تقريرا مطولا عن «7 دول عظمى»، وصفته بالقراءة الذاتية للمجلة، لترتيب 7 قوى كبرى يمكن «أن تهز العالم». مع اعتمادها معايير متفاوتة، عسكرية، اقتصادية، سياسية، تتيح لها تشكيل بيئاتها الإقليمية والتأثير على النظام الدولي ككل.
وضعت المجلة، السعودية، في المرتبة السابعة، مبرزة دورها في الوقوف بجانب مصر، بطريقة أزعجت واشنطن، فضلا عن مهاراتها في هندسة اقتصادها النفطي عند انهيار السوق الذي أدى إلى تغير في سياسات دول العالم. وحربها الجادة والفعالة ضد الإرهاب.
في خضم تنامي هذا التأثير الاقتصادي والسياسي والأمني للسعودية في محيطها الإقليمي، اتخذ الملك سلمان أولى خطوات تجديد هندسة المعمار السياسي والاقتصادي في البلاد، بإقراره إنشاء مجلسي «الشؤون السياسية والأمنية» و«الشؤون الاقتصادية والتنمية». يرأس الأول الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد، وزير الداخلية، فيما يرأس الثاني الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع.
وبحسب البيان الصادر عن مجلس الوزراء فـ«إن مجلس الشؤون السياسية والأمنية من ضمن مهامه تحديد التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بتلك الشؤون ومراجعة الاستراتيجيات والخطط السياسية والأمنية اللازمة لذلك، ومتابعة تنفيذها والتنسيق بينها».
بينما من مهام مجلس «الشؤون الاقتصادية والتنمية» أن يحدد «التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بالشؤون الاقتصادية والتنمية، ومراجعة الاستراتيجيات والخطط الاقتصادية والتنموية اللازمة لذلك، ومتابعة تنفيذها والتنسيق بينها».
الرياض العاصمة العربية الوحيدة ضمن مجموعة «دول العشرين» الاقتصادية، وهي المنظمة العالمية التي صنعت لمراعاة الثقل الاقتصادي الذي تتمتع به عواصم هذه الدول، تدشن عهدا جديدا، بقيادة الملك سلمان، بخيارات سياسية واقتصادية متعددة، ما يجعلها تبدو «ميناء آمنا» وسط محيط متلاطم، لا يبدو أنه سيهدأ قريبا.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.