الحكومة تتهم «أطرافاً خارجية» باستخدام الحراك لاستهداف الجزائر

دفاع معتقلين مضربين عن الطعام يحتج على «تلفيق تهم» ضدهم

جانب من المظاهرات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وسط العاصمة الجزائرية (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وسط العاصمة الجزائرية (أ.ف.ب)
TT

الحكومة تتهم «أطرافاً خارجية» باستخدام الحراك لاستهداف الجزائر

جانب من المظاهرات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وسط العاصمة الجزائرية (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وسط العاصمة الجزائرية (أ.ف.ب)

في خطوة جديدة عدّها ناشطون بالحراك الشعبي في الجزائر «استفزازا» ضدهم، قال وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة الجزائرية، عمار بلحيمر، في تصريحات للصحافة أمس، إنه «لم يعد سرا أن هناك بعض الأطراف الخارجية أصبحت تستخدم شبه الحراك، أو ما يسمى بالحراك الجديد، كوسيلة في حربها على الجزائر... وهذه الأطراف تلجأ إلى كل الوسائل القذرة، لا سيما محاولة تغليط الرأي العام وتزوير الحقائق، إلا أن هذه الأساليب أصبحت مكشوفة».
ولم يذكر الوزير من يقصد، لكن فهم من كلامه بأنه يخص تنظيم «رشاد»، الذي يقوده الدبلوماسي السابق العربي زيطوط اللاجئ في بريطانيا. كما ذكرت قوات الأمن في تقارير أن خمسة نشطاء يثار حولهم جدل كبير، يقف وراءهم هذا التنظيم القريب من الإسلاميين.
وكتب الصحافي والمحلل السياسي، نصر الدين قاسم بهذا الخصوص: «إذا كان تنظيم رشاد حقا بهذه القوة والنفوذ للتأثير في الجماهير الشعبية، المتدفقة في المسيرات الشعبية، كما تقدم الحكومة رسميا وإعلاميا وتحليليا، فهو حركة جديرة بالاحترام لأنها حققت ما عجزت عن تحقيقه السلطة بأجهزتها ومؤسساتها، والطبقة السياسية برمتها، وأحق بالاعتماد (الترخيص بالنشاط رسميا) من الحركات المجهرية، التي لا وجود لها إلا في مصالح الداخلية».
وتزامنت تصريحات عمار مع احتجاج تقدم به دفاع 5 معتقلين بالحراك الجزائري، مضربين عن الطعام منذ 10 أيام، على خلفية «تلفيق تهم ضدهم تتعلق بالآداب العامة، بغرض تشويه سمعة المتظاهرين». ويواصل نشطاء الحراك التعبئة للضغط على السلطات لحملها على إطلاق سراح كل المعتقلين، بينما تبدي قوات الأمن صرامة شديدة في التعامل مع الاحتجاجات الأسبوعية.
وذكر المحامي عبد الله هبول في مؤتمر صحافي عقده ليل الثلاثاء بالعاصمة، برفقة محاميتين، من هيئة دفاع النشطاء المضربين عن الطعام في سجنهم، أن تهمة «المس بالأخلاق والآداب العامة» التي وجهت لهم، لا أثر لها في محاضر الشرطة التي استجوبتهم، ولا في لائحة الاتهامات. مبرزا أن وسائل إعلام «انساقت وراء معلومات كاذبة فأذاعتها من دون أن تتحرى في القضية»، واتهمها بـ«الخروج عن معايير المهنية والموضوعية، التي تضبط العمل الصحافي».
واتهمت النيابة النشطاء الخمسة محمد تاجديت، ومليك رياحي، وصهيب دباغي، وشقيقه طارق، ونور الدين خيمود، بـ«تنفيذ مشاريع دعائية هدامة من طرف جمعية رشاد (تنظيم معارض يوجد في الخارج)، من حيث التخطيط والتمويل لزعزعة استقرار الجزائر، والمساس بأمنها». زيادة على تهم أخرى انطلقت من فيديو، صوره اثنان من الناشطين الخمسة لقاصر كان يبكي ويصرخ، متهما الشرطة بالاعتداء عليه، بعد أن اعتقلته في مظاهرة بالعاصمة. وبسبب هذا الفيديو تم اعتقال الشبان الخمسة وأودعهم قاضي التحقيق الحبس الاحتياطي. وقد سبق لهم أن سجنوا في إطار نشاطاتهم خلال المظاهرات المعارضة للسلطة.
وطالب المحامي هبول، وهو قاضي سابق، بـ«احترام المسار القضائي في هذه القضية، من خلال توفير ضمانات المحاكمة العادلة، ليس فقط يوم المحاكمة، ولكن في كامل الإجراءات التي تسبق ذلك، وفق ما ينص عليه القانون». مشيرا إلى أن هيئة الدفاع «تحترم سرية التحقيق وترفض التشهير بالمتهمين».
يشار إلى أن الخمسة أكدوا أن إضرابهم عن الطعام طريقة لرفض التهم وإنكارها، بينما تستمر التعبئة في الميدان لتصعيد الاحتجاج غدا الجمعة، لحمل السلطات على إطلاق سراح أكثر من 60 متظاهرا معتقلا.
ونشرت «اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين» أمس، بحسابها بشبكة التواصل الاجتماعي، أسماء 18 معتقلا آخرا في إضراب عن الطعام، بحسبها، احتجاجا على التهم التي تلاحقهم، والتي يعتبرها محاموهم «سياسية ذات صلة بانخراطهم في المظاهرات».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.