سعيد: «حزب الله» يتجه لوضع يده نهائياً على لبنان

دعا في الذكرى الـ46 للحرب لعدم تكرار خطأ الاستعانة بالخارج

TT

سعيد: «حزب الله» يتجه لوضع يده نهائياً على لبنان

يستعيد رئيس «لقاء سيدة الجبل» النائب السابق فارس سعيد بشكل موجز وسريع أبرز محطات الحرب الأهلية اللبنانية في الذكرى الـ46 لاندلاعها، مستخلصا منها الدروس والعبر، وإن كان يستبعد رغم استفحال الأزمات على كل المستويات تكرار هذه التجربة في المدى المنظور، لكنه يتخوف مما هو أسوأ قد يكون مقبلاً على لبنان من خلال وضع «حزب الله» يده بشكل نهائي على مقدرات البلد.
ويشير سعيد في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إلى أنه عند اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في 13 (أبريل) نيسان 1975 كانت البلاد تعيش «مرحلة استقطاب سياسي واضح وكبير جدا بين يسار ويمين سرعان ما تحول إلى فرز طائفي، بمعنى أنه كانت هناك غالبية إسلامية تساند «الحركة الوطنية» وتساند حتى انخراط «منظمة التحرير الفلسطينية» في الشؤون الداخلية اللبنانية، وكانت هناك بالمقابل غالبية مسيحية تعترض على تدخل منظمة التحرير بالوضع اللبناني متهمة إياها بوضع يدها على القرار السياسي والعسكري اللبناني، لافتا إلى أن «هذا الاستقطاب المذهبي والطائفي أدى إلى اندلاع حرب أهلية بدأت لبنانية - فلسطينية ويسار - يمين وسرعان ما تحولت إلى مسيحية - إسلامية. ومع مراحل تقدم الحرب شهدنا داخل كل فريق انشقاقات بمعنى أن الطوائف ظنت بوقتها أنها إذا اقتطعت رقعا جغرافية بنت عليها مجتمعات صافية مذهبية وطائفية وهجرت من هم ليسوا من النسيج الاجتماعي إلى مناطق أخرى وبنوا على هذه الرقع الجغرافية المقتطعة معسكرات سياسية واقتصادية ودورة إعلامية ودورة سياسية بأنهم يبعدون العنف عنهم». ويضيف: «لكن تفتيت لبنان والانقسام اللبناني المسيحي - الإسلامي سرعان ما تحول إلى انقسام إسلامي - إسلامي وانقسام مسيحي - مسيحي».
ويتحدث سعيد عن «درس أول تعلمناه من الحرب الأهلية وهو أنه عندما تنكسر الوحدة الداخلية في لبنان ينسحب الانكسار إلى داخل المجتمعات والجماعات الطائفية باتجاه تفتيت لا نهاية له. فعلى سبيل المثال، في عام 2006 عندما صدرت الأوراق السياسية عن المجمع البطريركي الماروني كانت هناك عبارة شهيرة في متن نص «الكنيسة والسياسة»، يقول إن «الكنيسة شهدت أولادها يُقتلون ويَقتلون ويتقاتلون»، وهذا ينسحب على الطوائف الأخرى بحيث شهدنا حربا شيعية - شيعية ودرزية - شيعية وانقسامات سنية - سنية وبالتالي انكسار الوحدة اللبنانية الداخلية هو انكسار ينسحب على كل الجماعات وليس هناك من طائفة تسلم وطوائف تخسر، عندها يخسر الجميع معا وأن بمراحل مختلف أي الأضعف في البداية ومن ثم الأقوى.
أما الدرس الثاني الذي يتحدث عنه سعيد، فهو عدم وجوب الاستعانة بالخارج بوجه بعضنا البعض كلبنانيين، لافتا إلى أنه «خلال الحرب وظفت الحركة الوطنية واليسار اللبناني الذي كان يعتبر أن نظام الجمهورية الأولى مجحف بحق طوائف وجماعات في لبنان، منظمة التحرير وأقحمها بالصراع الداخلي اللبناني لحسم معركته، وأعتقد أنه أخطأ خطأ وطنيا كبيرا. تماما كما فعل المسيحيون الذين كانوا حماة الجمهورية الأولى والمستفيدين منها. فهم ومن أجل الوقوف بوجه منظمة التحرير ونظرا لقدراتهم الذاتية التي لم تكن كافية، لجأوا أيضا للاستقواء بخارج ما، مرة لجأوا للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عام ١٩٧٦ ومرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شارون عام 1982 وهذه كانت أخطاء كبيرة».
ويعتبر سعيد أن هناك اليوم «فريقا من اللبنانيين بحجة أنه كان مستضعفا خلال الجمهورية الأولى، وربما يرى نفسه مستضعفا اليوم نظرا لحجمه، يستقوي بإيران على حساب الصيغة الداخلية وعلى حساب العيش المشترك، وهذا الوضع سيؤدي إلى مزيد من التشنج والانقسام، وهذه المرة ليس فقط طائفيا إنما كان مذهبيا أيضا على مستوى سني وشيعي، وهذا أخطر ما نعيشه في المرحلة الحالية في لبنان».
ويستبعد سعيد أن نتجه إلى حرب أهلية، «لأنه كما يقال بالفرنسية للقيام برقصة التانغو يتوجب وجود شخصين أو طرفين، ومن يحمل السلاح اليوم هو (حزب الله) ومن هو قادر على تفجير البلد ويستقوي بالخارج هو فقط (حزب الله)، لذلك لا أعتقد أننا سنذهب باتجاه الحرب إنما لما قد يكون أسوأ من خلال وضع (حزب الله) وبشكل نهائي يده على مقدرات البلد، على قاعدة أن إفلاس الجمهورية اللبنانية وإنهاكها يسمح للفريق الأقوى بالداخل المتمثل بـ(حزب الله) بوضع يده على لبنان بدعم إيراني، وربما ينتظر أيضا أن يشرع هذه الغلبة من خلال الاتفاق الأميركي - الإيراني»، مشددا على أن «التصدي لهذا المشروع يكون بسلمية وديمقراطية وبإعادة تكوين الوحدة الداخلية بوجه (حزب الله) ووجه هذا المشروع الإيراني المشبوه الذي حل مكان السلاح الفلسطيني والسلاح السوري والسلاح الإسرائيلي، باعتبار أننا اليوم أمام سلاح إيراني يمنع قيام دولة في لبنان».



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.