الروس يحتفلون بـ60 عاماً على رحلة يوري غاغارين إلى الفضاء

حذاء وقفازا يوري غاغارين تعرض في متحف رواد الفضاء بموسكو  (أ.ف.ب)
حذاء وقفازا يوري غاغارين تعرض في متحف رواد الفضاء بموسكو (أ.ف.ب)
TT

الروس يحتفلون بـ60 عاماً على رحلة يوري غاغارين إلى الفضاء

حذاء وقفازا يوري غاغارين تعرض في متحف رواد الفضاء بموسكو  (أ.ف.ب)
حذاء وقفازا يوري غاغارين تعرض في متحف رواد الفضاء بموسكو (أ.ف.ب)

في 12 أبريل (نيسان) 1961، أقلعت مركبة الفضاء «فوستوك» من قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي فيما صاح غاغارين البالغ من العمر 27 عاماً عبارته الشهيرة «لننطلق!». وفي اليوم نفسه يحتفل الروس بالذكرى الستين لأول رحلة مأهولة إلى الفضاء قام بها رائد الفضاء يوري غاغارين الذي لا يزال يعتبر بطلاً قومياً وأحد أكثر الشخصيات إثارة للإعجاب في البلاد.
استغرقت رحلته 108 دقائق فقط، وهو الوقت الذي احتاج إليه إكمال رحلة واحدة حول الأرض قبل العودة إلى الوطن.
وما زالت أسطورة الرجل الذي كانت بداياته متواضعة وأصبح بطلاً سوفياتياً حيّة، ويتم الاحتفال في روسيا بيوم رحلة غاغارين سنوياً باعتباره يوم رواد الفضاء. وتعرض مركبة «فوستوك» الصدئة في «ميوزيوم أوف كوزمونوتكس» في موسكو حيث من المقرر افتتاح معرض مخصص لغاغارين غداً الثلاثاء.
وستعرض خلاله وثائق وصور وممتلكات شخصية لغاغارين، يعود بعضها إلى طفولته وسنوات دراسته.
وقال المؤرخ ونائب مدير البحوث في المتحف فياتشيسلاف كليمينتوف لوكالة الصحافة الفرنسية: «قد يكون هذا اللقب الوحيد الذي يعرفه الجميع، من الصغار في سن الرابعة إلى الأشخاص فوق الثمانين».
وأضاف: «أعتقد أن إنجاز غاغارين، وهو وصول أول رجل إلى الفضاء، يوحّد جميع الروس».
ما زالت رحلة غاغارين مصدر فخر وطني لروسيا ورمزاً لهيمنة الاتحاد السوفياتي على الفضاء خلال تلك الحقبة. قبل أربع سنوات من رحلة غاغارين إلى الفضاء، كان الاتحاد السوفياتي أول دولة ترسل إلى المدار قمراً اصطناعياً أطلق عليه «سبوتنيك». وبعد مرور 60 عاماً، تواصل روسيا إرسال روادها بشكل متكرر إلى محطة الفضاء الدولية. والجمعة، انطلق رائدا فضاء روسيان وثالث أميركي في اتجاه المحطة بصاروخ «سويوز أم إس - 18» من قاعدة بايكونور الفضائية الروسية في مهمة خاصة لمناسبة الذكرى السنوية الستين لرحلة يوري غاغارين.
لكن الذكرى تأتي أيضاً في وقت صعب بالنسبة إلى صناعة الفضاء الروسية التي عانت عدداً من الانتكاسات أخيراً، من فضائح فساد إلى عمليات إطلاق مجهضة.
ورغم أن صواريخ «سويوز» الروسية القديمة ما زالت موثوقة وتسمح لموسكو بتأدية دور حيوي في قطاع الفضاء، فإن البلاد تكافح من أجل الابتكار ومواكبة اللاعبين الرئيسيين الآخرين.
والعام الماضي، فقدت روسيا احتكارها الرحلات المأهولة إلى محطة الفضاء الدولية بعدما التحمت صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام صممتها شركة «سبايس إكس» التي يملكها الملياردير إيلون ماسك محملة برواد من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، بنجاح في محطة الفضاء الدولية. وإلى جانب التمويل المخفّض، قد يعني ذلك أوقاتاً عصيبة لوكالة الفضاء الروسية «روسكوزموس» رغم أن رئيسها ديمتري روغوزين يواصل وعوده بمشاريع طموحة، من بينها مهمة إلى كوكب الزهرة وإقامة محطة قمرية.
خمسة أمور يجب معرفتها عن رحلة غاغارين الأسطورية
اختير غاغارين، وهو عامل حديد سابق تحول إلى طيار عسكري، من بين آلاف المرشحين للخضوع للتدريب الصارم المطلوب للقيام برحلة فضائية.
وبعيداً عن النتائج الممتازة التي حققها في الاختبارات، قيل إن غاغارين الذي كان يبلغ من العمر 27 عاماً آنذاك، لفت الأنظار إليه أيضاً بعدما شلح حذاءه قبل دخول مركبة الفضاء «فوستوك» المخصصة للمهمة، وهي عادة متبعة في روسيا عند دخول منزل.
في 12 أبريل (نيسان) 1961، عندما أقلعت رحلة غاغارين من قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان، صاح بعبارته الشهيرة «فلننطلق!». استغرقت الرحلة 108 دقائق فقط أكملت خلالها «فوستوك» دورة واحدة حول الأرض. بمجرد عودة غاغارين إلى الأرض بأمان، طغى نجاح مهمته على حقيقة أن كل شيء لم يسر وفقاً لما كان مخططاً.
- - من بين عشرات الأخطاء التقنية، دخلت مركبته الفضائية المدار على ارتفاع أعلى مما كان متوقعاً.
ولو تعرض نظام الفرامل الخاص بها لأي عطل، كان سيضطر غاغارين إلى الانتظار حتى تبدأ المركبة الفضائية الهبوط التلقائي. وفيما تم تزويد «فوستوك» ما يكفي من الطعام والماء والأكسجين للصمود 10 أيام، فإن الارتفاع العالي يعني أن الانتظار كان سيكون أطول بكثير وأن إمدادات غاغارين كانت ستنفد.
ولحسن حظ غاغارين، عملت الفرامل.
حط غاغارين على مسافة أميال من نقطة هبوطه المتوقعة وخرج من مركبته فوق منطقة ساراتوف في جنوب روسيا.
هبط في حقل حيث كان أول من رآه فتاة صغيرة وجدتها كانتا تزرعان البطاطا. وكافح غاغارين بخوذته البيضاء وبدلته الفضائية البرتقالية لإقناعهما وسط توترات الحرب الباردة بأنه ليس جاسوساً أجنبياً.
تقول الأسطورة إنه قبل انطلاقه إلى الفضاء طلب غاغارين من سائق الحافلة التي كانت تقله إلى منصة الإطلاق التوقف حتى يتمكن من قضاء حاجته، قبل التبول على الإطار الأيمن الخلفي للحافلة. ومنذ ذلك الحين، اتبع رواد الفضاء الذين أقلعوا من بايكونور هذا التقليد قبل رحلاتهم إلى الفضاء. إلا أن هذه العادة مهددة، إذ إن بدلة الفضاء الروسية المستقبلية التي قدمت في عام 2019 لا تحتوي على فتحة سروال. فيما أصبح غاغارين رمزاً للاتحاد السوفياتي، لم يعرف أحد لسنوات أن العقل المدبر لبرنامج الفضاء هو سيرغي كوروليوف.
حتى إن السوفيات رفضوا جائزة نوبل الممنوحة لـ«كبير المصممين» هذا، مصرّين على إبقاء هويته سرية. ولم يعرف العالم اسمه إلا بعد وفاته عام 1966. وتحت قيادة كوروليوف، لم يرسل الاتحاد السوفياتي أول شخص إلى الفضاء فحسب، بل أرسل لاحقاً أول امرأة وكذلك نظم أول عملية سير في الفضاء.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».