تفجير نطنز من وجهة نظر إيرانية (تحليل)

صورة وزعتها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية تظهر مستودعاً مدمراً في مجمع نطنز النووي جنوب العاصمة طهران (رويترز)
صورة وزعتها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية تظهر مستودعاً مدمراً في مجمع نطنز النووي جنوب العاصمة طهران (رويترز)
TT

تفجير نطنز من وجهة نظر إيرانية (تحليل)

صورة وزعتها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية تظهر مستودعاً مدمراً في مجمع نطنز النووي جنوب العاصمة طهران (رويترز)
صورة وزعتها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية تظهر مستودعاً مدمراً في مجمع نطنز النووي جنوب العاصمة طهران (رويترز)

بعد كل هجوم تتعرض له المنشآت النووية الإيرانية، تُوجه طهران العديد من الرسائل والإشارات إلى أنها ماضية في برنامجها، بل إنها ستعمل على تعزيزه وتطويره، وتشدد على أن كل الأضرار التي لحقت بها جراء الهجمات لن تؤثر على تصميمها على متابعته حتى النهاية.
ومعلوم أن البرنامج الإيراني الذي أسسه الشاه محمد رضا بهلوي في ستينات القرن الماضي، بدأ يتحول إلى حقيقة في السبعينات مع اتفاق إيران مع تحالف شركات ألمانية - بريطانية تضم عملاق الطاقة «سيمنز» على إنشاء مفاعل بوشهر الذي توقف العمل به بعد ثورة 1979، لكنه استؤنف بعد نهاية الحرب العراقية - الإيرانية عندما وافقت روسيا على إكمال المفاعل، وذلك قبل أن يتحول البرنامج النووي إلى موضوع سجال دولي بعد الكشف عن جوانب عسكرية أدت إلى إصدار مجلس الأمن ابتداء من 2006 سلسلة قرارات تحظر على إيران تخصيب اليورانيوم. أعقب ذلك تقارير من المنظمة الدولية للطاقة الذرية تقول فيها إنها لا تستطيع الجزم بسلمية البرنامج النووي الإيراني. في 2007، بدأت مفاوضات بين المنظمة وطهران لفتح المراكز النووية الإيرانية أمام المفتشين الدوليين والالتزام بقرارات مجلس الأمن وبمقتضيات معاهدة الحد من الانتشار النووي الموقعة من إيران.
شهدت هذه العملية صعوداً وهبوطاً والكثير من التعقيدات والمماطلات والتهويل والتهديد وصولاً إلى الاتفاق الشهير سنة 2015. وكانت أشهر محاولات تعطيل البرنامج تسريب فيروس «ساتكسنيت» في 2009 الذي أدى إلى تعطيل أنظمة الحاسب الآلي في منشأة نطنز.
ويعكس الإصرار الإيراني على مواصلة المشروع، الموقع المركزي الذي يحتله في الخطاب الإيراني الداخلي والخارجي كمُكَوّن أساسي من مكونات تقدم البلاد وسيرها على طريق التحول إلى قوة صناعية واقتصادية ناجزة الاستقلال وقادرة على تخطي كل العقبات أمام نموها. يضاف إلى ذلك، أن المشروع موضع إجماع وطني، حيث يتفق الإصلاحيون والمحافظون على ضرورة النجاح في إدخال الطاقة النووية إلى بلادهم؛ بل إن قسماً من الإصلاحيين يتهمون المحافظين بالتفريط بالمشروع طمعاً في الحصول على رضا الغرب، بحسب مواقف راجت في ولاية الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الأولى.
يرجع الإجماع الإيراني في الدرجة الأولى إلى السمة القومية التي أضفتها السلطة على المشروع النووي وتصويره على أنه الباب الذي لا بد من دخوله للانتقال إلى مصاف الدول المتطورة. الجانب العسكري الذي يدور الكثير من الحديث عنه في وسائل الإعلام الأجنبية، جانب واحد من الرؤية متعددة الزوايا للمشروع في الخطاب الإيراني.
عليه، يرغب الإيرانيون في إقناع خصومهم أن لا الفيروسات ولا الحرائق على غرار تلك التي أصابت نطنز في يوليو (تموز) 2020 ولا الانفجارات مثل التي وقعت يوم الأحد الماضي، قادرة على وقف تقدم البرنامج أو إعاقته وأن ما تقوم به إيران لن ينتهي بضربة واحدة على النحو الذي انتهى به مفاعل «أوزيراك» (أو «تموز») العراقي بغارة إسرائيلية واحدة في 1981. وأنهم لن يقعوا في الأخطاء التي وقع بها الرئيس صدام حسين عندما حاول الدفع ببرنامج نووي عسكري قبل غزوه الكويت في 1990، ما سهّل حشد تحالف عالمي ضده.
بهذا المعنى، ترى بعض الجهات الإيرانية أن الرد الحقيقي على الهجوم الذي لن يكون الأخير، يتمثل في مواصلة العمل على المشروع ضمن استراتيجية متماسكة تنطوي على تهديد واضح بتجاوز الحد الأقصى للتخصيب المخصص للمفاعلات النووية ويلامس المستوى العسكري، وهو ما كانت إيران قد باشرت به برفعها مستوى التخصيب إلى عشرين في المائة وهو «العتبة» التي يُعتبر تجاوزها انتقالاً إلى «الدرجة الحربية» من التخصيب، حيث تقتصر حاجة المفاعلات المنتجة للطاقة على يورانيوم تقل درجة تخصيبه عن العشرين في المائة (تعمل أكثر المفاعلات بدرجة تخصيب 3.5 في المائة). بيد أن ذلك لا يلغي إمكان توجيه إيران ضربات عسكرية أو سيبرانية إلى المصالح الإسرائيلية في الأسابيع المقبلة لضرورات الحفاظ على هيبة الدولة الإيرانية التي وجهت اتهامات قاطعة إلى إسرائيل.
في المقابل، يبدو اندفاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التوظيف السياسي لتفجير نطنز، في خروج صريح على «تقليد» عدم الإعلان عن مسؤولية الأجهزة الإسرائيلية عن عمليات في العمق الإيراني، علامة على الحاجة الشديدة إلى تحسين الموقع السياسي بعد سلسلة الانتكاسات مثل محاكمته بتهم الفساد وإساءة الأمانة والإهانة التي وجهها له رئيس الدولة روفن ريفلين عند تكليفه بتشكيل الحكومة، حيث أشار إلى «صعوبة أخلاقية» واجهته عند اختياره نتنياهو المفتقر إلى ما يكفي من الحلفاء يوفرون له الأصوات الضرورية لتقديم حكومته إلى الكنيست. وقد تفرض الحاجة الماسة إلى إنجاز قابل للتسويق في الداخل الإسرائيلي على نتنياهو خطوات تقود إلى المزيد من التصعيد.



إردوغان تحت ضغط المعارضة لصمته تجاه الحوار مع أوجلان

صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)
صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان تحت ضغط المعارضة لصمته تجاه الحوار مع أوجلان

صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)
صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)

يواجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضغوطاً من أحزاب بالمعارضة لتوضيح موقفه من الاتصالات الجارية مع زعيم حزب «العمال» الكردستاني السجين عبد الله أوجلان في مسعى جديد لإنهاء الإرهاب وحل المشكلة الكردية في تركيا.

من ناحية أخرى، أجلت محكمة في إسطنبول، الأربعاء، النطق بالحكم في قضية يواجه فيها رئيس بلدية إسطنبول، المعارض، أكرم إمام أوغلو، حكماً بالحبس وحظر نشاطه السياسي إلى أبريل (نيسان) المقبل.

ورغم تأييد إردوغان المبادرة التي أطلقها حليفه في «تحالف الشعب»، رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للسماح لأوجلان بالحديث أمام البرلمان وإعلان حل حزب «العمال» الكردستاني، المصنف منظمة إرهابية، وإلقاء أسلحته وانتهاء مشكلة الإرهاب في تركيا مقابل النظر في إطلاق سراحه، لم يدل بتصريحات تعكس موقفه من الإفراج عن أوجلان بعد 25 عاماً أمضاها بسجن جزيرة إيمرالي ضمن عقوبة السجن مدى الحياة، لتأسسيه وقيادته منظمة إرهابية.

جانب من لقاء داود أوغلو ووفد إيمرالي (موقع حزب المستقبل التركي)

وقال رئيس حزب «المستقبل» المعارض، أحمد داود أوغلو، خلال كلمة بالبرلمان الأربعاء، جاءت بعد لقائه «وفد إيمرالي الجديد»، الذي يضم نائبي حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» سري ثريا أوندر وبروين بولدان والسياسي الكردي المخضرم، أحمد تورك، الاثنين: «هناك من يحاولون تعبئة الشارع وتأليب الأتراك ضد الأكراد والعرب، معتبراً أنهم يخدمون إسرائيل، لقد تكلم الجميع، لكن من يتحدث باسم الدولة هو الرئيس، وهو من سيتحمل عواقب الفشل الذي قد يحدث، وعليه أن يخرج ويشرح موقفه بوضوح».

بابا جان ووفد إيمرالي (موقع حزب الديمقراطية والتقدم)

بدوره، أكد رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم»، علي باباجان، الذي التقى وفد إيمرالي بمقر حزبه، الثلاثاء، ضرورة الإعلان عن خريطة طريق للعملية الجارية حالياً، قائلاً: «نعلم أن البرلمان هو مكان الحل، لكن عندما نأخذ في الاعتبار نظام إدارة البلاد، يحتاج إردوغان إلى توضيح وجهة نظره».

جولة «وفد إيمرالي»

واختتم «وفد إيمرالي»، الثلاثاء، جولة على الأحزاب السياسية، عقب اللقاء الذي تم مع أوجلان في سجن إيمرالي في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، للتباحث حول ما دار في اللقاء، والتصور المطروح لحل المشكلة الكردية في تركيا، وإنهاء الإرهاب وحل حزب «العمال» الكردستاني.

لقاء وفد إيمرالي مع رئيس البرلمان نعمان كورتولموش الخميس الماضي (موقع حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب)

وبدأت الجولة بلقاء رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، ورئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي، الخميس الماضي، ثم لقاءات مع رئيس حزبي «المستقبل» أحمد داود أوغلو، و«السعادة» محمود أريكان، ورئيس المجموعة البرلمانية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم عبد الله غولر، وعدد من نواب رئيس الحزب، الاثنين، ثم لقاء رؤساء أحزاب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، أوزغور أوزال، و«الديمقراطية والتقدم»، علي باباجان، و«الرفاه من جديد» فاتح أربكان، الثلاثاء.

واستثني من اللقاءات حزب «الجيد» القومي، الذي رفض أي مفاوضات مع أوجلان.

الرئيسان المشاركان السابقان لحزب «الشعوب الديمقراطية» صلاح الدين دميرطاش وفيجن يوكسكداغ (أرشيفية)

وأعلن حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الأربعاء، أن «وفد إيمرالي» سيلتقي، السبت، الرئيس المشارك السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية»، صلاح الدين دميرطاش، في محبسه في ولاية أدرنه، (غرب تركيا)، والرئيسة المشاركة السابقة للحزب، فيجن يوكسكداغ، في سجن كانديرا بولاية كوجا إيلي، بشمال غربي تركيا، الأحد، في إطار عرض ما دار خلال اللقاء مع أوجلان، والخطوات التي ستتخذ لاحقاً في إطار العملية الجديدة، والتي قد تتضمن لقاءات جديدة مع أوجلان.

ويقبع دميرطاش ويوكسكداغ في السجن بتهم تتعلق بدعم الإرهاب، والاتصال مع منظمة إرهابية (حزب «العمال» الكردستاني).

صدام بين القوميين

ونشب صدام بين أحزاب الجناح القومي في تركيا حول اللقاءات مع أوجلان ودعوته إلى البرلمان واحتمال إطلاق سراحه، ووقع تراشق بين رئيس حزبي «الحركة القومية» دولت بهشلي، ورئيس حزب «الجيد» مساوات درويش أوغلو، الذي رفض الحوار مع أوجلان ووصفه بـ«خطة الخيانة» ورفض استقبال «وفد إيمرالي».

بهشلي خلال لقاء مع وفد إيمرالي الخميس الماضي (موقع حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب)

وبعدما هاجم بهشلي درويش أوغلو بطريقة مبطنة في البرلمان، الثلاثاء، رد الأخير قائلاً: «نحن نعرف جيداً من يديرك كما تدار الكرة».

واتهم رئيس حزب «النصر»، أوميت أوزداغ، بهشلي بأنه يرتكب جريمة ضد الدولة والأمة التركية، ويحاول تركيع تركيا أمام منظمة إرهابية (العمال الكردستاني).

وانتقد الأمين العام لحزب «الحركة القومية»، عصمت بويوكتامان، درويش أوغلو، قائلاً «إن تعبيراته (الفاحشة) تعني أنه لا يستطيع أن يضبط فمه عندما ينقطع الخيط ويدرك أنه سيخسر».

كما رد على تصريحات أوزداغ قائلاً: «لا أحد يستطيع إخضاع الدولة التركية، ويجب على أوزداغ أن يعرف ذلك جيداً، أينما كان السيد دولت بهشلي، فإن الخيانة والاستسلام غير واردين».

في السياق ذاته، أكد نائب رئيس حزب «الحركة القومية»، فيتي يلدز، أن «هناك شرطاً واحداً لكي يستفيد أوجلان من (الحق في الأمل) في إطلاق سراحه، وهو أن يصدر تقرير عن الطب الشرعي يؤكد أنه مريض وغير قادر على تلبية احتياجاته الخاصة».

محاكمة إمام اوغلو

على صعيد آخر، أجلت محكمة في إسطنبول جلسة النطق بالحكم في قضية اتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول من حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، أكرم إمام أوغلو، بـ«التزوير في المناقصات» خلال فترة رئاسته لبلدية «بيلك دوزو» في إسطنبول، قبل فوزه برئاسة بلديتها الكبرى في عام 2019.

أكرم إمام أوغلو (من حسابه في إكس)

وكان المدعي العام طالب بحبس إمام أوغلو لمدة تتراوح بين 3 و7 سنوات، وحظر نشاطه السياسي لمدة مماثلة للحكم، لكنه طلب الحصول على وقت إضافي في الجلسة الثامنة التي عقدت، الأربعاء، وكان مقرراً أن يقدم فيها مذكرة تتضمن رأيه، وقررت المحكمة التأجيل إلى جلسة 11 أبريل المقبل.

وقبل انعقاد الجلسة قال محامي إمام أوغلو، كمال بولاط، إن تقرير الخبراء في الملف وقرار مجلس الدولة الصادر فيها، يوضحان أنه لا يمكن اتخاذ قرار آخر غير البراءة.