عون يطيح مبادرة بري الحكومية... وباسيل يقصفها

هيل يلاحق تجميد المفاوضات البحرية بين لبنان وإسرائيل

رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري لدى استقباله وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام في بيروت (الوكالة الوطنية)
رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري لدى استقباله وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام في بيروت (الوكالة الوطنية)
TT

عون يطيح مبادرة بري الحكومية... وباسيل يقصفها

رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري لدى استقباله وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام في بيروت (الوكالة الوطنية)
رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري لدى استقباله وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام في بيروت (الوكالة الوطنية)

حمّل مصدر نيابي لبناني بارز، رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن ورائه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، مسؤولية الإطاحة بالجهود الرامية لتفعيل المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لإخراج تشكيل الحكومة من التأزم الذي تتخبط فيه. وكشف لـ«الشرق الأوسط» أن بري أعاد تشغيل محركاته باتجاه الأطراف المعنية بتأليفها التي أبدت تجاوبها مع الأفكار التي طرحها باستثناء عون وباسيل اللذين تواصل معهما «حزب الله» في محاولة لإقناعهما بتنعيم موقفهما لتهيئة الظروف المواتية لولادتها اليوم قبل الغد، لكنه لم يلقَ أي تجاوب منهما.
ولفت المصدر النيابي إلى أن بري، بعد أن لمس تأييداً لمبادرته من وزير الخارجية المصرية سامح شكري والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، بادر إلى التواصل من خلال معاونه السياسي النائب علي حسن خليل مع عدد من القيادات المعنية بتأليف الحكومة. وأكد أن بداية التواصل انطلقت من اتصال جرى بين الرئيس المكلف سعد الحريري وبري الذي أوفد النائب خليل للقائه في بيت الوسط، الذي عاد إلى عين التينة حاملاً معه موافقته على تزخيم المبادرة وتفعيلها، مبدياً كل مرونة للوصول بها إلى بر الأمان. وقال إن بري تواصل أيضاً مع قيادة «حزب الله» التي لم تتردد في دعم مبادرته وأوفد مساعده النائب خليل للقاء نظيره المعاون السياسي لأمينه العام حسين خليل.
في هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن قيادة «حزب الله» تواصلت بعيداً عن الأضواء مع عون وباسيل في محاولة لإقناعهما بالسير في مبادرة بري استجابة لتعهدها لرئيس المجلس بأنها ستبذل قصارى جهدها وصولاً للطلب منهما بعدم الخروج عنها بانضمامهما للذين يؤيدونها.
لكن «حزب الله»، حسب المصادر النيابية، أخفق في إقناع حليفيه عون وباسيل بسحب تحفظهما على مبادرة بري وإسقاط شروطهما التي تعيق تأليف الحكومة، وتبلغ بري لاحقاً من خلال النائب خليل بأن الحزب لم يفلح في مهمته لدى حليفيه، وهذا ما دفعه إلى التريث في تفعيل مبادرته بعد أن كان تواصل مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ولمس منه كل تأييد تحت عنوان بأن الأخير يؤيد أي تسوية تُخرج البلد من النفق المظلم وتقطع الطريق على ما هو أسوأ في حال تعثرت الجهود الرامية إلى تشكيل الحكومة.
ورأت المصادر نفسها أن الفتور الذي يسيطر حالياً على علاقة الحريري بجنبلاط لم يكن حاضراً على جدول أعمال الأخير الذي يطمح لعدم أخذ البلد إلى المجهول، مع أن منسوب هذا الفتور ارتفع في ضوء الأجواء التي سادت اجتماع رئيس «التقدمي» بالوزير شكري في حضور عدد من القياديين في الحزب، وقالت بأن باريس التي هي على تشاور مستمر مع بري لم تتردد في دعم مبادرته كونها تشكل الإطار العام للمبادرة الإنقاذية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون لوقف انهيار لبنان وانتشاله من الهاوية التي باتت تهدد وجوده بشطبه عن خريطة الاهتمام الدولي الذي سارع لمساعدته بعد الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت.
وعزت عدم تجاوب عون مع المبادرة الفرنسية من جهة، وإصراره على تعطيل المحاولات لإعادة الاعتبار لمبادرة بري إلى أنه أخفق منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في تحقيق الحد الأدنى من تعهداته التي التزم بها في خطاب القسم الذي ألقاه أمام البرلمان، وبالتالي لم يعد لديه ما يخسره، وأن همه الأوحد يكمن في تأمين استمرارية إرثه السياسي من خلال وريثه باسيل، وهذا ما يفسر التفافه على المبادرة واستحضاره لعدد من الأمور من خارجها التي ما هي إلا مواد مشتعلة.
وتوقفت المصادر أمام البيان الذي صدر عن المجلس السياسي لـ«التيار الوطني الحر»، ورأت فيه تجاوزاً للمبادرة الفرنسية والتفافاً عليها لأنها ليست في وارد التسليم بشروط باسيل التي تؤمن له الانتعاش السياسي وصولاً إلى تعويمه، وإلا لماذا فتح النار بطريقة أو بأخرى على الحريري وحزب «القوات اللبنانية» وبري، ولا يكترث للنصائح الدولية التي أُسديت له، محذرة إياه من مواصلة قصفه للمبادرة الفرنسية ما يعيد مشاورات التأليف إلى نقطة الصفر؟
وقالت إن باسيل يستحضر الاشتباك السياسي تلو الآخر الذي يزيد من إطباق الحصار الدولي والعربي المفروض عليه، لأنه يقف على رأس المعرقلين لتشكيل الحكومة مستفيداً من رعاية عون له التي أتاحت له أن يتصرف على أنه رئيس الظل. وسألت: كيف يوفق رئيس الجمهورية بين التزامه بـ«اتفاق الطائف»، وبين تحميل تياره السياسي «القوات» مسؤولية التفريط في عام 1990 بصلاحيات رئيس الجمهورية؟ وهو يدرك أن هذا التاريخ يتزامن مع التوصل إلى الاتفاق المذكور.
وأكدت المصادر أن مجموعة من «الإنذارات الناعمة» وُضعت على نار حامية من قبل فرنسا بدعم أوروبي ودولي وعربي يفترض أن تطال من يعرقل تشكيل الحكومة. وقالت إن المجتمع الدولي يضع عون على خانة من لا يلتزم بـ«اتفاق الطائف»، ليس بسبب إصرار فريقه السياسي على إدخال تعديلات على الدستور فحسب، وإنما لخلو ورقة التفاهم التي أبرمها مع «حزب الله» في فبراير (شباط) 2006 من أي إشارة إليه، ربما لأنه كان وراء إخراجه من بعبدا بعملية عسكرية على خلفية منعه انتخاب رئيس جديد للبنان خلفاً للرئيس أمين الجميل.
لذلك تأتي زيارة نائب وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل للبنان خلال الساعات المقبلة، في ظروف سياسية شديدة الخطورة، مع أن محادثاته ستبقى محصورة في استكشاف الأسباب التي أدت إلى توقف المفاوضات المباشرة الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة إثر مطالبة لبنان بمساحات إضافية في المنطقة البحرية المتنازع عليها، من دون أن يُسقط الموفد الأميركي من حسابه التطرق إلى الأزمة الحكومية.
في هذا السياق، يحاول الفريق السياسي المحسوب على عون «الثأر» من بري على خلفية موقفه من تشكيل الحكومة متهماً إياه بالتفريط بالحقوق الوطنية للبنان، مع أن دوره اقتصر في رسم الإطار العام لبدء المفاوضات من دون الدخول في تحديد المساحة الجغرافية المنوي التفاوض عليها، وبالتالي لا جدوى من لجوء هذا الفريق إلى المزايدة الشعبوية عليه، فيما أعدت نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر، مسودة للتعديلات المقترحة على المرسوم الصادر عام 2011، آخذة بلوائح الإحداثيات التي أعدتها قيادة الجيش، التي بينت فيها أن مساحة إضافية تعود للبنان تستدعي إعداد مرسوم جديد.
كانت عكر أحالت هذه المسودة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لإصدار مرسوم جديد بهذه التعديلات يتم بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراحه ووزير الأشغال العامة والنقل. وعليه، فإن الكرة الآن في مرمى دياب، فهل يرى مرسوم تعديل الحدود البحرية النور في حال عدم انعقاد مجلس الوزراء، وكيف؟ لأن السباق على أشده بين مطالبة هيل بمعاودة مفاوضات الترسيم وبين إصرار لبنان على التمسك بالتعديلات التي أدخلت على المساحة البحرية العائدة له.



خوف في غزة من الجوع والغلاء بعد وقف إسرائيل دخول المساعدات

يخشى فلسطينيو قطاع غزة من نقص الغذاء وارتفاع الأسعار (أ.ف.ب)
يخشى فلسطينيو قطاع غزة من نقص الغذاء وارتفاع الأسعار (أ.ف.ب)
TT

خوف في غزة من الجوع والغلاء بعد وقف إسرائيل دخول المساعدات

يخشى فلسطينيو قطاع غزة من نقص الغذاء وارتفاع الأسعار (أ.ف.ب)
يخشى فلسطينيو قطاع غزة من نقص الغذاء وارتفاع الأسعار (أ.ف.ب)

يخشى فلسطينيو قطاع غزة الذي مزقته الحرب من نقص الغذاء وارتفاع الأسعار بعد أن أوقفت إسرائيل دخول المساعدات للضغط على حركة «حماس» للموافقة على شروطها لتمديد وقف إطلاق النار.

ووفقا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، كان تأثير إعلان إسرائيل قرارها (الأحد) فوريا وانعكس بشكل مباشر على الأسواق في شتى أنحاء القطاع، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية رغم محاولات الهيئات المحلية التي تديرها «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) الإبقاء عليها مستقرة، حسبما أفاد المتسوقون والعاملون في مجال الإغاثة «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال بلال الحلو في سوق مكتظ في مدينة غزة: «هناك شعور عام بالقلق والخوف، توافد اليوم كثير من الناس لشراء ما يحتاجونه والأسعار ارتفعت كثيرا... وسترتفع أكثر فأكثر» مع بقاء المعابر مغلقة.

وأضاف: «سعر كيلو السكر اليوم 10 أو 12 شيقلاً (3 دولارات)»، وهو أغلى بأكثر من مرتين مما كان عليه قبل الحرب، «الغلاء يزيد والناس خائفة من نقص الطعام».

وقال عدلي الغندور: «الأسعار ارتفعت بنسبة 80% حتى الآن، وإذا بقي المعبر مغلقا، فسترتفع الأسعار بنسبة 200%».

حول المتسوقين، كانت البسطات ممتلئة بالخضار والفاكهة وغيرهما من المنتجات التي دخلت القطاع وفق تفاهمات المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار التي بدأت في 19 يناير (كانون الثاني) وانتهت رسميا السبت، أول أيام رمضان.

وعرض التجار أيضا زينة رمضان من الفوانيس الصغيرة ولافتات كُتب عليها «رمضان كريم»، بينما كان باعة الحلوى يعدون القطائف.

ليس حلاً

قالت كارولين سوغان، منسقة الطوارئ لدى منظمة «أطباء بلا حدود» في غزة، إنه تم إرجاع الشاحنات التي كانت من المفترض أن تصل الأحد بحمولتها. وأضافت الإثنين «تمكنا من إدخال بعض الشاحنات خلال الأسابيع الستة من وقف إطلاق النار، لكن ذلك ليس حلاً دائماً» للوضع الإنساني في غزة.

على الرغم من تجديد جزء من مخزون المنظمة من المستلزمات الطبية، فإن إسرائيل لم تسمح بدخول مواد أساسية أخرى مثل المولدات ومعدات تحلية المياه لأنها تصنفها مواد «ثنائية الاستخدام» وقد تستفيد منها الفصائل الفلسطينية لصنع الأسلحة.

أضافت سوغان أن «المساعدات الإنسانية لا ينبغي أن تكون جزءا من مفاوضات وقف إطلاق النار بينما يحتاج سكان غزة إلى المساعدة».

وفي مدينة جباليا شمال القطاع، يعيش النازحون الذين عادوا فور دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في خيام نصبتها الجمعيات والمنظمات الخيرية على قطعة أرض أزيلت منها الأنقاض والركام، تحيط بها مبان دمرها القصف والغارات الجوية.

وقال القيادي في «حماس» أسامة حمدان، اليوم الاثنين، إن 15 منزلا متنقلا دخلت القطاع من أصل 65 ألفا كان يفترض دخولها خلال وقف إطلاق النار.

ولم ترد وكالة «كوغات» التابعة للحكومة الإسرائيلية والمسؤولة عن تنظيم تدفق المساعدات إلى غزة على استفسار «وكالة الصحافة الفرنسية» بهذا الشأن.

إحباط تام

سوغان أيضا قالت إنها لاحظت زيادة فورية في الأسعار في أسواق غزة، بما في ذلك البيض الذي ارتفع سعره بنسبة 150%.

لكن ما يزيد من صعوبة الأمر، وفق سوغان، هو أن وقف المساعدات يوجه ضربة مؤلمة للغزيين الذين «يشعرون بإحباط تام»، متحدثة عن زملائها في غزة الذين صمدوا طوال 15 شهرا من الحرب المدمرة. وقالت: «هم يخشون العودة إلى ما كانت عليه الحال في نوفمبر (تشرين الثاني) - ديسمبر (كانون الأول)... عندما كان يتعذر العثور على الخبز ولم يكن هناك أي لحوم في المدينة».

لكن المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر اتهم «حماس» بتجميع المؤن، وقال إن الحركة لديها «ما يكفي من الطعام للتسبب بوباء السمنة... الإمدادات موجودة لكن (حماس) لا تشاركها مع الناس».

وصلت المفاوضات بين إسرائيل و«حماس» بشأن استمرار الهدنة إلى طريق مسدود في الأيام الأخيرة.

وتضغط إسرائيل لتمديد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، في حين تطالب «حماس» بالانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تنص على انسحاب إسرائيل من غزة وإنهاء الحرب.