الأحزاب اللبنانية تواجه فقر جماهيرها بـ«الحصص الغذائية»

تشمل المساعدات المالية والغذائية وتوزيع لقاحات «كورونا»

TT

الأحزاب اللبنانية تواجه فقر جماهيرها بـ«الحصص الغذائية»

نشطت مبادرات اجتماعية تقوم بها الأحزاب اللبنانية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، حيث بدأت بتقديم المساعدات والحصص الغذائية في مناطق نفوذها، في محاولة لتأمين ركائز الصمود للبيئة الداعمة لها، في حل جزئي يؤمن الأمن الغذائي بعدما فشلت الدولة في إيجاد حلول جذرية شاملة تنفذ لبنان من الانهيار. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية صور لصناديق مساعدات، تتضمن حصصاً غذائية يقوم بعض الأحزاب بتوزيعها على بيئته، ما أثار غضب عدد من الناشطين الذين عدوا أنّ لبنان بات بحجم صندوق إعاشة.
ولا تقتصر المساعدات الحزبية على الحصص الغذائية، بل تتخطاها إلى مساعدات مالية شهرية توزع على عدد من العائلات، انطلاقاً من قاعدة معلومات تمتلكها الأحزاب، فضلاً عن دفع فروقات الضمان للمستشفيات وتأمين أدوية ومازوت وعبوات أوكسيجين لمرضى كورونا، وحتى توزيع بذور وشتلات ودواجن، كما يفعل «الحزب التقدمي الاشتراكي» على سبيل المثال.
ويوضح مصدر في «الاشتراكي» لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب يهتم بالمساعدات الاجتماعية منذ سنوات، إلا أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي تسوء يوماً بعد يوم فرضت توسيع الدائرة، بهدف تأمين عناصر الصمود للفئات الأكثر تضرراً من الأزمة، ليس فقط من بيئة الحزب، إذ إن المساعدات لا تفرق بين المواطنين، لا على أساس طائفي ولا مناطقي. ويتم توزيع المساعدات، حسب المصدر، إما من قبل الحزب مباشرة أو من قبل المؤسسات الرديفة، مثل «مؤسسة الفرح الاجتماعية». أما مصدر تمويل هذه المساعدات، فمنها ما يأتي عن طريق رئيس الحزب مباشرة، ومنها ما يقدم من المتمولين أو مغتربين حزبيين أو مقربين من الحزب.
ويعد المصدر أن «الاشتراكي» لا يعلن عما يفعله بهذا الإطار حتى لا يوضع الأمر خارج سياقه، فالمساعدات بالنسبة له لا تدخل ضمن إطار التوظيف السياسي، بل تنطلق من التزام الحزب بالعمل المجتمعي.
وبدوره، يعمل «تيار المستقبل» منذ فترة، ومن خلال مكاتبه المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، على توزيع حصص غذائية ومساعدات مالية، وتأمين أدوية، من خلال قاعدة معلومات يتم تجديدها بشكل مستمر، ويتم تمويل هذه المساعدات عبر التبرعات ومن جهات مانحة، وكذلك من مشاريع.
وبالإضافة إلى هذا النوع من المساعدات، دخل «تيار المستقبل» على خط اللقاح ضد كورونا، إذ فتح مؤخراً باب التسجيل للراغبين في الحصول على اللقاح مجاناً، وذلك بعدما أحضر الرئيس سعد الحريري عدداً من اللقاحات من الخارج.
ويوضح مصدر من «تيار المستقبل» لـ«الشرق الأوسط» أن الأحزاب السياسية تتعاطى الشأن العام، وعليها واجبات تجاه بيئتها والمحيطين بها، وعليها الوقوف إلى جانبهم كما وقفوا إلى جانبها، واضعاً الأمر في إطار التفاعل الطبيعي البعيد عن التوظيف السياسي، لا سيما أن تيار المستقبل يعمل منذ أكثر من 30 عاماً على خط المبادرات الاجتماعية، خصوصاً الصحية والتعليمية.
ولطالما اعتاد اللبنانيون على مساعدات الأحزاب التي غالباً ما كانت تأتي على شكل منح دراسية أو تسهيل توظيفات في مؤسسات تابعة لها، لتتحول إلى صناديق حصص غذائية أو حتى مبالغ مالية، لا سيما في فترة الانتخابات، إلا أن هذه المساعدات باتت بشكل منظم مؤخراً، واتسعت دائرتها مع اتساع رقعة الفقر في لبنان.
وكانت دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الإسكوا) قد أشارت إلى أن نسبة الفقراء من سكان لبنان تضاعفت، لتصل إلى 55 في المائة في عام 2020، بعد أن كانت 28 في المائة في عام 2019، وأن نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع تضاعفت 3 مرات، من 8 في المائة إلى 23 في المائة، في الفترة نفسها.
وأشارت الدراسة إلى أن العدد الإجمالي للفقراء من اللبنانيين أصبح يفوق 2.7 مليون، بحسب خط الفقر الأعلى (أي عدد الذين يعيشون على أقل من 14 دولاراً في اليوم)، ما يعني تآكل الطبقة الوسطى، وانخفاض نسبة ذوي الدخل المتوسط إلى أقل من 40 في المائة من السكان، فضلاً عن تقلص الفئة الميسورة إلى ثلث حجمها، من 15 في المائة في عام 2019 إلى 5 في المائة في عام 2020.
ويدخل حزب «القوات اللبنانية» أيضاً على خط دعم بيئته، على قاعدة «بحصة تسند خابية»، من خلال تقديم حصص غذائية وأدوية، وغيرها من المساعدات المحدودة التي تأتي ضمن قدراته، معتمداً على القاعدة الحزبية في الخارج، كما يؤكد مصدر في «القوات» لـ«الشرق الأوسط».
ويشير المصدر إلى أنه مع الأزمة الاقتصادية، يسعى كل فريق سياسي لأن تبقى قاعدته صامدة، في ظل هذه الأزمة الخطيرة، لافتاً إلى أن حزب «القوات» معني ببيئته السياسية، ولكن بالنسبة له لا يمكن لأي حزب سياسي أن يحل محل الدولة، فالأزمة يجب أن تعالج بشكل شامل، وليس بشكل جزئي عبر تقديم المساعدات، رافضاً ربط المساعدات بأي توظيف سياسي، انطلاقاً من أن الأحزاب أولويتها دعم البيئة القريبة منها والملاصقة لها، والتوظيف السياسي يبدأ عندما يكون هناك إمكانات كبيرة جداً.
أما «حزب الله» الذي تفوق إمكانياته المادية إمكانيات معظم الأحزاب، فكانت مساعداته الشغل الشاغل للبنانيين في الآونة الأخيرة، إذ إنه بالإضافة إلى الحصص الغذائية والمساعدات المالية، افتتح فروعاً لتعاونيات «السجاد»، و«مخازن النور» التي تقبل استخدام بطاقة اسمها «السجاد» وزعها بدءاً من الشهر الماضي على عشرات الآلاف من الأشخاص غير المحازبين. وتمكن هذه البطاقة حاملها من شراء منتجات غذائية بسعر أقل من 60 في المائة تقريباً من سعرها في السوق.



الأمم المتحدة: مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي في اليمن

الفيضانات الأخيرة في اليمن أدت إلى نزوح 400 ألف شخص (الأمم المتحدة)
الفيضانات الأخيرة في اليمن أدت إلى نزوح 400 ألف شخص (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة: مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي في اليمن

الفيضانات الأخيرة في اليمن أدت إلى نزوح 400 ألف شخص (الأمم المتحدة)
الفيضانات الأخيرة في اليمن أدت إلى نزوح 400 ألف شخص (الأمم المتحدة)

زاد عدد اليمنيين الذين واجهوا مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية بمقدار 100 ألف شخص خلال الثلاثة الأشهر الماضية، ليصل العدد الإجمالي إلى نصف عدد السكان في هذه المناطق في ظل أزمة اقتصادية خانقة تواجهها الحكومة بسبب استمرار الحوثيين في منعها من استئناف تصدير النفط.

وحسب تحليل حديث للأمم المتحدة، فقد عانى ما يقرب من نصف السكان في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية (4.7 ملايين شخص) من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال الفترة من يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) الماضيين، وتم تصنيف هؤلاء على أنهم في المرحلة 3 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أو أعلى (أزمة أو أسوأ).

من المتوقع أن تستمر أزمة الغذاء حتى الأشهر الأولى من عام 2025 (الأمم المتحدة)

ووفق هذه البيانات، فإن ذلك يشمل 1.2 مليون شخص عانوا من مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي - المرحلة 4 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (الطوارئ) - التي تتميز بفجوات غذائية كبيرة ومستويات عالية من سوء التغذية الحاد.

ويعكس هذا، وفق التحليل، مستوى مرتفعاً باستمرار من الأمن الغذائي مقارنة بتحديث التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي السابق من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 إلى فبراير (شباط) من العام الحالي، عندما تم تصنيف حوالي 4.6 ملايين شخص في المرحلة 3 أو أعلى.

أسباب التفاقم

ومع دعوة الحكومة اليمنية، المجتمع الدولي، إلى مساعدتها على مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة نتيجة استمرار منعها من تصدير النفط الخام بسبب استهداف الحوثيين موانئ التصدير منذ عامين، أكد التحليل أن السبب في تسجيل مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد يعود إلى الاقتصاد المتدهور، الذي يتميز بانخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة أسعارها، إلى جانب استمرار الصراع والمساعدات الغذائية الإنسانية غير المنتظمة.

بالإضافة إلى ذلك، يذكر التحليل أن الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد في أغسطس (آب) الماضي أدت إلى فيضانات محلية دمرت المنازل وعطلت الأنشطة الزراعية وأسفرت عن خسارة الماشية والأراضي الزراعية ونزوح ما يقدر بنحو 400 ألف شخص، خصوصاً في أجزاء من محافظات مأرب والحديدة وتعز والضالع.

رجلان يحملان مساعدات غذائية في صنعاء من إحدى الوكالات الدولية (إ.ب.أ)

وخلال فترة التوقعات من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وحتى فبراير (شباط) من العام المقبل، يبين التحليل أن الوضع سيتحسن بشكل طفيف مع توقع وجود 4.6 ملايين شخص في المرحلة 3 أو أعلى.

ومن بين هؤلاء، من المتوقع أن يواجه 1.1 مليون شخص مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة 4)، وتوقع أن يواجه 3.5 مليون شخص مستويات أزمة من انعدام الأمن الغذائي، المصنفة على أنها المرحلة 3 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (الأزمة).

استمرار الأزمة

في حين توقع التحليل الأممي أن ينخفض عدد المديريات المصنفة في المرحلة 4 من انعدام الأمن الغذائي بنسبة 50 في المائة، من 24 إلى 12 مديرية، فإن عدد السكان في هذه المرحلة سيظل دون تغيير، وذكر أنه وبشكل عام، من المرجح أن تشهد جميع المديريات الـ118 التي تم تحليلها مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الثالثة أو أعلى) خلال الفترة الحالية وفترة التوقعات.

والتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي هو مبادرة مبتكرة متعددة الشركاء لتحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذية واتخاذ القرارات، وباستخدامه، تعمل الحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة معاً لتحديد شدة وحجم انعدام الأمن الغذائي الحاد والمزمن وحالات سوء التغذية الحاد في بلد ما، وفقاً للمعايير العلمية المعترف بها دولياً.

12 مليون يمني عانوا من مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

وقد تم تطوير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في الأصل في عام 2004 لاستخدامه في الصومال من قبل وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.

ومنذ ذلك الحين، تقود شراكة عالمية تضم 15 منظمة تطوير وتنفيذ التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي على المستوى العالمي والإقليمي والقطري.

وبعد أكثر من 10 سنوات من تطبيقه، أثبت التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أنه أحد أفضل الممارسات في مجال الأمن الغذائي العالمي، ونموذج للتعاون في أكثر من 30 دولة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.