واشنطن متمسكة بالعقوبات على برامج إيران للصواريخ

الشرطة النمساوية تمنع اقتراب معارضين إيرانيين يرفعون لافتات منددة بالنظام أمام فندق «غراند أوتيل» أثناء مباحثات الاتفاق النووي في فيينا أمس (أ.ب)
الشرطة النمساوية تمنع اقتراب معارضين إيرانيين يرفعون لافتات منددة بالنظام أمام فندق «غراند أوتيل» أثناء مباحثات الاتفاق النووي في فيينا أمس (أ.ب)
TT

واشنطن متمسكة بالعقوبات على برامج إيران للصواريخ

الشرطة النمساوية تمنع اقتراب معارضين إيرانيين يرفعون لافتات منددة بالنظام أمام فندق «غراند أوتيل» أثناء مباحثات الاتفاق النووي في فيينا أمس (أ.ب)
الشرطة النمساوية تمنع اقتراب معارضين إيرانيين يرفعون لافتات منددة بالنظام أمام فندق «غراند أوتيل» أثناء مباحثات الاتفاق النووي في فيينا أمس (أ.ب)

أكدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أن «هدفها الاستراتيجي» في المفاوضات مع إيران هو «منعها بشكل دائم» من الحصول على سلاح نووي، مشددة في الوقت ذاته، على أن واشنطن ستبقي على العقوبات المرتبطة بالبرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية وانتهاكات طهران لحقوق الإنسان ودعمها لوكلائها الخبيثين ومساندتها للإرهاب، لأن هذه المسائل تشكل «تحدياً عميقاً لنا وكذلك لشركائنا الإقليميين».
جاءت هذه المواقف في ظل مواصلة المشرعين الجمهوريين ضغوطهم على الإدارة الديمقراطية من أجل الامتناع عن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وكذلك في ضوء تقارير عن مواصلة إيران تهريب مادة البنزين إلى فنزويلا، من دون أن تتخذ واشنطن أي إجراءات لردعها. ورداً على تصريحات كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي، في شأن رفع العقوبات الأميركية دفعة واحدة، فضل برايس «تقديم ردنا على مقترحات محددة بالمشاركة مع حلفائنا الأوروبيين ومع الشركاء الروس والصينيين»، موضحاً أن المبعوث الأميركي لإيران روبرت مالي، اجتمع بأعضاء «مجموعة 5 + 1»، وكذلك مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل ماريانو غروسي، ومع وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالينبرغ. وتوقع أن يعود الوفد الأميركي إلى واشنطن، اليوم أو غداً، على أن يعود إلى فيينا خلال الأسبوع المقبل. ووصف المحادثات بأنها «بناءة، وعملية»، في موقف مماثل لإيران.
وإذ تجنب الإفراط في التوقعات المرجوة من عملية فيينا، كرر أنها «ستكون صعبة» لأن «الموضوع المطروح تقني للغاية، ومعقد للغاية» بغية الوصول إلى «خط النهاية»، أي «الهدف الاستراتيجي»، الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جو بايدن منذ كان مرشحاً، وهو «الامتثال مقابل الامتثال». وشدد على أن ما حصل حتى الآن يمثل «خطوة إلى الأمام»، في اتجاه «منع إيران بشكل دائم وقابل للتحقق من الحصول على سلاح نووي»، مذكراً بأن «إيران ستخضع مرة أخرى لأشد نظام تحقق ومراقبة جرى التفاوض عليه على الإطلاق». وقال: «نحن مستعدون لاتخاذ الخطوات اللازمة للعودة إلى الامتثال (...) وسيشمل ذلك رفع العقوبات التي تتعارض مع الاتفاق النووي»، مضيفاً أن «برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وانتهاكات إيران لحقوق الإنسان ودعم إيران للوكلاء الخبيثين ودعم إيران للإرهاب، يشكل تحدياً عميقاً لنا وكذلك لشركائنا الإقليميين». وأكد «أننا سنواصل، بما في ذلك من خلال العقوبات، التصدي لهذه القضايا (...) ستظل العقوبات أدوات مهمة للقيام بذلك».
إلى ذلك كتب النائبان الجمهوريان جو ويلسون وجيم بانكس، رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، للتذكير بتعهداته أمام الكونغرس في شأن التشاور عن كثب مع المشرعين، قبل رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق. وقالا: «كأعضاء في الكونغرس (…) نحن لا نعتبر أنفسنا ملزمين بأي اتفاق تعقده الإدارة يتضمن تعهدات بالنيابة عن الكونغرس»، وهما كانا يشيران إلى وعود مشابهة من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي لم يلجأ إلى الكونغرس لإقرار الاتفاق على شكل معاهدة، الأمر الذي مكن ترمب من نقض الاتفاق بسهولة. وهذا ما يمكن أن يتكرر. وطالبا إدارة بايدن بالتشاور مع الكونغرس والحصول على دعم أعضائه قبل العودة إلى أي اتفاق لأن «أي تعهد من الإدارة، بما فيها تعهد رفع العقوبات سيكون باطلاً إن لم تطرحه الإدارة على الكونغرس للموافقة عليه»، وذكرا بأن «بلينكن أدلى بإفادته تحت قسم اليمين، وقال إنه يريد إعادة دور الكونغرس في السياسة الخارجية، لكن الإدارة رفضت أن تطرح الاتفاق النووي الفاشل للتوصيات أمام مجلس الشيوخ لإقراره كمعاهدة».
في غضون ذلك، رصدت مصادر أميركية حكومية وجهات مستقلة داخل الولايات المتحدة وخارجها أن إيران أرسلت في الأشهر الأخيرة ثلاث شحنات من البنزين إلى فنزويلا المتعطشة إلى الوقود، من دون أن تحرك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ساكناً حيال تهرب طهران من العقوبات الأميركية. وأوضحت أن سفينتين تملكهما شركة الناقلات الإيرانية، وهما «فاكسون» و«فورتشن» سلمتا مئات الآلاف من البراميل من البنزين الإيراني إلى مدينة بويرتو لا كروز الفنزويلية في نهاية يناير (كانون الثاني) وبداية فبراير (شباط) الماضيين، فيما شحنت الناقلة «فوريست» 270 ألف برميل أخرى إلى مدينة بويرتو كابيلو في 20 فبراير.
وبدأت إيران في إرسال هذه الشحنات غير النظامية إلى فنزويلا منذ فترة طويلة لمساعدة كاراكاس في إدارة نقص الوقود المحلي الناجم عن مصافي التكرير المتداعية وسوء الإدارة الحكومية في الدولة الرئيسية المنتجة للنفط. وأوضحت المصادر أنه في المقابل، أرسلت كراكاس إلى طهران كميات من الذهب وفائض وقود الطائرات الفنزويلي وسلعاً أخرى.
ونقلت إذاعة «صوت أميركا» عن الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس قوله: «نحن على علم بالتقارير عن تبادل نفطي فنزويلي إيراني ونواصل مراقبة الوضع». ولم يشر إلى أي إجراء لتنفيذ العقوبات الأميركية، متجنباً الخوض فيما إذا كانت الإدارة الجديدة ستحذو حذو الرئيس ترمب الذي فرض عقوبات على إيران وفنزويلاً بسبب هذه الانتهاكات.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.