بازوم... قيادة استثنائية لـ«معقل الانقلابات» الأفريقي

أول رئيس للنيجر من الأقلية العربية يواجه تحديي الفقر والإرهاب

بازوم... قيادة استثنائية لـ«معقل الانقلابات» الأفريقي
TT

بازوم... قيادة استثنائية لـ«معقل الانقلابات» الأفريقي

بازوم... قيادة استثنائية لـ«معقل الانقلابات» الأفريقي

بصفات استثنائية تاريخية، وفي بلد استثنائي كذلك، تقلد محمد بازوم الرئاسة في جمهورية النيجر، متولياً مهمة تثبيت الديمقراطية الوليدة، في بلد يتمتع بتاريخ حافل في «الانقلابات العسكرية»، ويواجه تحديدات جمّة، على رأسها إرهاب الجماعات المسلحة الموالية لتنظيمي «داعش» و«القاعدة».
ولقد احتل حفل تنصيب بازوم يوم 2 أبريل (نيسان) الحالي، موقعه كحدث سياسي غير مسبوق في الدولة الغرب أفريقية، منذ استقلالها عن فرنسا قبل 60 سنة، لكونه أول رئيس لها ينتمي إلى الأقلية العربية، متخطياً حاجز «العصبية القبلية». كذلك، كانت المرة الأولى التي يحصل فيها انتقال سلمي للسلطة من رئيس مدني منتخب إلى آخر مدني منتخب، في دولة هي الأفقر بالعالم، وفق إحصاءات رسمية.
بازوم (61 سنة)، فاز في الانتخابات التي انتهت آخر جولاتها في فبراير (شباط) الماضي، منهياً بذلك فترتين رئاسيتين للرئيس محمد إيسوفو. ولم يخلُ حفل تنصيبه من إثارة معتادة يشهدها صراع الحكم في النيجر (إحدى دول الساحل والصحراء)؛ إذ جاء بعد يومين فقط من الإعلان عن إحباط «محاولة انقلاب» عسكري، نظمها عسكريون من «القوات الخاصة»، كانت تستهدف «تقويض الديمقراطية ودولة القانون»، على حد التوصيف الرسمي.
وأدى بازوم، المقرّب جداً من الرئيس المنتهية ولايته إيسوفو، اليمين في المركز الدولي للمؤتمرات بالعاصمة نيامي بحضور عدد من رؤساء الدول الأفريقية، في حين مثّل فرنسا، المستعمر السابق والشريك الحالي في مكافحة الجماعات المسلحة بدول منطقة الساحل بما فيها النيجر، وزير خارجيتها جان إيف لودريان.
انتخابات النيجر الرئاسية، كانت خطوة تُحسب وفق مراقبين، للرئيس المنتهية ولايته محمدو إيسوفو، الذي لم يعدّل الدستور كما هو متداول أفريقيا، للترشح لولاية رئاسية ثالثة، بل قرر دعم بازوم، الذي كان يتولى منصب وزير الداخلية والأمن العام، ويعد «ذراعه اليمنى».
وقبل الانتخابات، تعهد بازوم بالسير على خطى سلفه، قائلاً «سيحفظ التاريخ اسمينا لأننا نجحنا في جعل بلدنا يحقق هذا الرهان»، وأن تستمر عمليات الانتقال الديمقراطي للسلطة في بلد لم يشهد رئيسين منتخبين يتعاقبان على السلطة منذ استقلاله عام 1960. كذلك تعهد بازوم بالتركيز على الأمن والتعليم، وخصوصاً تعليم الفتيات، بينما تسجل النيجر أعلى معدل للخصوبة في العالم (7.6 أطفال لكل امرأة). مع العلم، أن فوز بازوم بالرئاسة ما كان أمراً سهلاً، بل خاض انتخابات شرسة، في مواجهة منافسه الرئيس الأسبق ماهامان عثمان، الذي لم يعترف بهزيمته في البداية ودعا إلى «مظاهرات سلمية».
حصل الرئيس الجديد في الدورة الثانية من الانتخابات، التي أجريت يوم 21 فبراير، على 55.75 في المائة من الأصوات، في حين حصل مرشح المعارضة المدعوم بقبيلة الهوسا (أكبر مكوّنات البلاد)، ماهامان عثمان على 44.25 في المائة. وكان بازوم حصل على 39 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى.
كما سبق، ووجهت النتائج باعتراض من عثمان، ووصفها فالكي باشارو، مدير حملته، بأنها «سطو انتخابي» حاضاً الجمهور على الاحتجاج عليها. وكان عثمان (71 سنة) أول رئيس منتخب ديمقراطياً في البلاد عام 1993 قبل أن يُطيح به انقلاب بعد ذلك بثلاث سنوات. وحصل عثمان على أقل من 17 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى، لكن تحالفاً من 18 حزباً معارضاً وعده بالتصويت له في الدورة الثانية. واللافت في هذه الانتخابات هو هزيمة «العصبية القبلية» أمام التحالفات السياسية، ليصبح بازوم أول رئيس من الأقلية العربية في تاريخ البلاد. وعلى الرغم من خسارته في العاصمة نيامي، فإنه عوّض ذلك متقدماً على المستوى الوطني. ووفق مراقبين، بيّن هذا أن أهمية الاعتبارات القبلية في المجتمع النيجري تتراجع، ولم تعد تشكل عائقاً أمام فوز مرشح رئاسي من الأقليات العرقية المتنوعة. ومع أنه قبيل أداء اليمين الدستورية بيومين، اقتحم جنود مسلحون منطقة مقر ومكاتب الرئاسة في نيامي. بيد أن الحرس الرئاسي تمكن من صدهم بعد تبادل لإطلاق النار، لا سيما بالأسلحة الثقيلة. وقالت الحكومة، إنه جرى «اعتقال العديد من الأشخاص على صلة بمحاولة الانقلاب هذه وجارٍ البحث بجد عن آخرين».
- النشأة والمسيرة
ولد محمد بازوم - أو «أبو عزوم» كما يشتهر بين أقرانه - في الأول من يناير (كانون الثاني) 1960، في منطقة ديفا بأقصى جنوب شرقي النيجر، بالقرب من الحدود النيجيرية، وهو العام نفسه الذي نالت فيه البلاد استقلالها عن فرنسا، وتحديداً بعد ثماني أشهر فقط من تاريخ مولده. وينحدر بازوم من قبيلة «أولاد سليمان» العربية التي يقطن فرع منها في النيجر، بينما تتركز غالبيتها في جنوب ليبيا ووسطها. وهو ما ظنه البعض أنه قد يشكل عائقاً أمام انتخابه رئيساً، بعدما ووجه باتهامات من منافسيه بأنه من «أصول أجنبية».
وحقاً، تقدمت شخصيات معارضة بطلب إلى المحكمة متهمة إياه بتزوير جنسيته النيجرية، وقالت إنها لن تعترف بفوزه بالرئاسة، بل ستواصل الاعتراض على نتائج الانتخابات. وقد أثار هذا التشهير غضب بازوم خلال الحملة الانتخابية، لكن معاونيه اعتبروا الأمر «تافهاً ولا يستحق»، وأشاروا إلى أن والد منافسه من تشاد.
يقول الرئيس المنتخب عن نشأته في شريط فيديو حمل عنوان «محمد بازوم بقلب مفتوح» بثّه خلال حملته الانتخابية «وُلدت في الأدغال، إذا جاز التعبير... سنقول في الريف. وارتباطي بالريف ارتباط طبيعي؛ إذ إنني ولدت في خيمة، ولم أر قط بناءً حتى من أكواخ أو من القش؛ لأننا نستخدم الخيام فقط في بيئتي الأصلية. وكانت المرة الأولى التي رأيت فيها منزلاً من الطين أو منزلاً من الخرسانة، عندما ذهبت لأخذ شهادة التخرج من المدرسة الابتدائية في غوريه».
ويتابع قائلاً «نشأت في بيئة رعوية، حيث يعيش الشخص في علاقة اندماج تام مع الحيوانات، وكان طعامنا الأساسي حليب الإبل الذي لم نكن نتناول غيره في الإفطار والعشاء أبداً. كما كانت وجبة منتصف النهار فقط هي التي تعدّ من شيء آخر غير الحليب».
ويعتبر بازوم أن هذه الحال كانت واقع مجتمع الرعي خلال الستينات بالنيجر، شارحاً «كان هذا صحيحاً بالنسبة لمجتمعي، وأعتقد أن أسلوب الحياة هذا يترك بصماته، وهذه الآثار للطفولة بالتحديد هي ارتباط بالطبيعة والحيوانات. لقد عشت مع الإبل على وجه الخصوص، وثانياً مع البقر في علاقة عائلية تقريباً، فنحن نحب أبقارنا وجمالنا حبنا للبشر، وعندما يموت حيوان تنتابنا نفس مشاعر الحزن عندما يموت شخص ما. ولذلك فالعلاقة بين الإنسان والحيوان كانت أكثر من مجرد شغف».
- قيادة سياسة مبكرة
برز اهتمام بازوم بعالم السياسة مبكراً، فبعدما حصل على الشهادة الثانوية عام 1979، توجّه إلى السنغال لدراسة الفلسفة الأخلاقية والسياسية في جامعة شيخ أنتا ديوب - دكار، التي كانت آنذاك أكبر جامعة في غرب أفريقيا. ومن ثم لُقِّب بازوم بـ«الفيلسوف» لدراسته الفلسفة، وفي تلك الفترة لفت الأنظار بميوله اليسارية إبان نشاطه الطلابي، ثم العمل مدرّساً لدى عودته إلى بلاده.
ثم تولى بازوم منصب وزير الدولة للتعاون في الحكومة الانتقالية لرئيس الوزراء أمادو شيفو، خلال الفترة من 1991 إلى 1993 بُعيد تجاوزه سن الثلاثين. ومن ثم، ارتبط بازوم بعلاقة طويلة مع الرئيس المنتهية ولايته محمد إيسوفو؛ إذ شارك معه في تأسيس «الحزب الوطني الديمقراطي الاجتماعي» عام 1990، ثم تولى رئاسة الحزب عام 2011 بعد تولي تنصيب إيسوفو رئيساً للجمهورية، وفقاً للشرط الذي يقضي بأن رئيس الدولة لا يشارك في السياسة الحزبية.
وانتخب بازوم 4 مرات نائباً في الانتخابات البرلمانية التي جرت أعوام (1993، و2004، و2011، و2016) عن دائرة تيسكر بمنطقة زندر بجنوب شرقي النيجر، كما انتخب نائباً لرئيس مجلس الأمة ورئيساً للكتلة النيابية لحزبه.
وعلى الصعيد الوزاري، عُيّن بازوم وزير دولة للشؤون الخارجية والتعاون والتكامل الأفريقي والنيجريين في الخارج في 21 أبريل 2011، وانتقل لاحقاً إلى منصب وزير الدولة برئاسة الجمهورية في 25 فبراير 2015، وبعدما أدى إيسوفو اليمين الدستورية لولاية ثانية، عُين بازوم «وزير دولة للداخلية والأمن العام واللامركزية والشؤون العرفية والدينية» يوم 11 أبريل 2016، وظل يشغل المنصب حتى صيف 2020، عندما استقال من منصبه تحضيراً للترشح إلى الانتخابات الرئاسية.
ووفق مصادر صحافية، فإن الساسة الذين عرفوه عن كثب يشهدون بأنه كان وزيراً فاعلاً للشؤون الخارجية، و«صاحب قبضة مهيمنة خلال توليه منصب وزير الداخلية، حيث يحفظ ويعي جيداً طوبوغرافيا بلاده، وقام بمسح كل زاوية وركن فيها».
- رؤساء النيجر منذ الاستقلال
> شغل 9 أشخاص منصب رئيس الجمهورية النيجر، منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، بجانب الرئيس الجديد محمد بازوم، هم:
- هاماني ديوري: من 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 1960 وحتى 15 أبريل (نيسان) 1974، ينتمي إلى «الحزب التقدمي النيجيري»، وانتهى حكمه بانقلاب عسكري.
- سيني كونتشي: رئيس المجلس العسكري الأعلى، من 17 أبريل 1974 وحتى 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987، وتوفي في منصبه.
- علي سايبو: رئيس المجلس العسكري، من 14 نوفمبر 1987 وحتى 16 أبريل 1993.
- ماهامان عثمان: 16 أبريل 1993 وحتى 27 يناير (كانون الثاني) 1996 عندما خُلع بانقلاب عسكري.
- إبراهيم باري مناصرة: رئيس مجلس الإنقاذ الوطني العسكري، تولى في 27 يناير 1996، وحتى 9 أبريل 1999، يوم اغتياله.
- داودا مالام وانكي: من 11 أبريل 1999. وحتى 22 ديسمبر (كانون الأول) 1999.
- ممادو تانجا: من ديسمبر 1999 وحتى 18 فبراير (شباط) 2010، عندما عزل في انقلاب عسكري.
- سالو جيبو: من 18 فبراير 2010 وحتى 7 أبريل 2011.
- محمد إيسوفو: من 7 أبريل 2011 وحتى 2 أبريل 2021.



الهند أصرَّت على رفض «مبادرة الحزام والطريق» الصينية

الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)
الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)
TT

الهند أصرَّت على رفض «مبادرة الحزام والطريق» الصينية

الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)
الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)

> على الرغم من ذوبان الجليد في العلاقات الصينية - الهندية، رفضت الهند في اجتماع «منظمة شنغهاي للتعاون»، الذي اختتم أعماله حديثاً في باكستان، الانضمام إلى الأعضاء التسعة الآخرين في دعم «مبادرة الحزام والطريق» الصينية للاتصال والبنية الأساسية. وبذا تمضي نيودلهي في إصرارها على رفض المبادرة عبر مؤتمرات «منظمة شنغهاي للتعاون»، وبالتالي، لم تكن تلك القمة استثناءً.

رفْض الهند يتناقض بشكل صارخ مع البيان المشترك الصادر بنهاية القمة، الذي أكدت في إطاره جميع الدول الأعضاء الأخرى في «المنظمة» - وهي روسيا، وبيلاروسيا، وإيران، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وطاجيكستان وأوزبكستان - دعمها المبادرة الصينية. ولقد دعا رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، الذي ترأس الاجتماع، إلى إنشاء إطار اتصال لـ«منظمة شنغهاي للتعاون»، عبر توسيع مشروعات «مبادرة الحزام والطريق» و«ممر الصين - باكستان الاقتصادي» و«الممر الدولي بين الشمال والجنوب».

في المقابل، أعلن وزير الشؤون الخارجية الهندي إس جايشانكار - الذي بات أول وزير خارجية هندي يسافر إلى إسلام آباد منذ ما يقرب من عقد - أن التعاون داخل «منظمة شنغهاي للتعاون» بشأن الاتصال والتجارة، «يجب أن يعترف بالسلامة الإقليمية والسيادة، ولا يمكن بناؤه على أجندات أحادية الجانب». وتتوافق هذه الخطوة مع موقف الهند المعلن بشأن «مبادرة الحزام والطريق» الرائدة التي أطلقها الرئيس الصيني. إذ انتقدت نيودلهي «المبادرة» بحجة أنها لا توفر تكافؤ الفرص أمام الشركات الهندية. والواقع أن موقف نيودلهي نابع في المقام الأول من اعتراضها على «ممر الصين - باكستان الاقتصادي»، الذي تزعم أنه ينتهك سلامة أراضيها من خلال المرور عبر جزء من كشمير (تعتبره أرضاً تحتلها باكستان). وللعلم، تُعدّ الهند واحدة بين عدد قليل من البلدان في آسيا التي لم توقع على «المبادرة»، رغم دعوات بكين للانضمام.