الدين في المجال العام.. تصورات حول العلمانية ودعوة للمراجعة

الدين في المجال العام.. تصورات حول العلمانية ودعوة للمراجعة
TT

الدين في المجال العام.. تصورات حول العلمانية ودعوة للمراجعة

الدين في المجال العام.. تصورات حول العلمانية ودعوة للمراجعة

تثير المقاربة الرائجة في الفكر السياسي العربي والإسلامي المعاصر للعلمانية، من حيث التبني، والرفض، أو من حيث الدراسة التفسيرية، أو النقدية النادرة الوقوع أكاديميا، تساؤلات بحثية عدة.
فمن جهة أولى: يظهر أن تطور خبرة الفلسفة السياسية العربية في تقييم نفسها، بعيدا عن الأهواء الآيديولوجية، ما زال ضعيفا جدا.
ومن جهة ثانية: نلاحظ أن الفكر السياسي العربي المعاصر حاول، منذ منتصف القرن العشرين، إيجاد أصالة تعويضية لتبرير استبعاده الخبرة التاريخية الإسلامية. في الوقت الذي بقيت فيه هذه الخبرة مصدرا للمعرفة الجامعة للمجتمع، وتعبيرا عن المدركات والتقاليد المعرفية، كما صاغتها جهود المدارس المختلفة ضمن النسق العام المشترك للأمة العربية الإسلامية.
ومن جهة ثالثة: نجد أن البحث عن نظام سياسي يعبر عن تميز نموذجي وخصوصية عربية إسلامية، مستقل تمام الاستقلال عن «القيم الإنسانية الحضارية العليا»، هو أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، والوعي الاجتماعي.
في هذا الإطار نطرح موضوع العلمانية، وارتباط الدين بالمجال العام. وعلينا أن نقر أن الحديث عن السلطة السياسية الحديثة، من منظور علم الاجتماع السياسي، يفيد بما لا يدع مجالا للشك أن استبعاد القيم الدينية وطردها من المجال التداولي للسلطة السياسية أنتج المأزق الحالي للعلمانية في«الغرب»؛ المندرج بدوره ضمن مأزق الحداثة، وتنامي فلسفة البعديات. دون أن يعني ذلك انحصار الفكر السياسي العلماني الغربي، نظرا لتعدديته، وقدرته الذاتية المهمة على انتقاد أطروحاته المعرفية، وتجديدها، وتجاوزها حتى.
فإذا كانت ما بعد الحداثة تتحدث عن غياب المركز، والمرجعية، فإن ما بعد العلمانية تتحدث عن أزمة وفشل إنساني قيمي للعلمانية؛ لذلك يطرح بروفسور السياسة بجامعة وستمنستر، جون كين، ضرورة تجاوز العلمانية التقليدية، وتناقضاتها الداخلية، المفضية لقبول الاستبداد السياسي. كما تحدث كبير فلاسفة الغرب الحاليين، يورغن هابرماس، عن حضور الدين في المجال العام، ودعا لإيجاد صيغة تصالحية بين الديني والدنيوي معرفيا وعمليا، معتبرا أنه «لا بد أن يكون كل المواطنين أحرارا في تقرير إن كانوا يرغبون في استخدام لغة دينية في المجال العام أو لا. فإن رغبوا في ذلك فإن عليهم قبول أن محتويات الحقيقة المحتملة في الملفوظات الدينية لا بد أن تترجم إلى لغة مقبولة على نطاق واسع قبل أن تتمكن من شق طريقها إلى أجندات البرلمانات، أو المحاكم، أو الهيئات الإدارية وتؤثر في قراراتها» (قوة الدين في المجال العام؛ 2011 ص 59).
ورغم أن فرنسا هي وليدة مدرسة متطرفة من العلمانية، فإنها لم تعد خارجة عن دائرة المراجعات المعرفية للعلمنة وعلاقتها؛ فقد بدأ النقاش حول العلمانية يشهد تطورات سريعة خاصة مع ما طرحه فيلسوف العلمانية الفرنسية جون بيبيرو من أفكار مثيرة في هذا الصدد تتعلق بضرورة مراعاة العلمانية لما هو سوسيولوجي، خاصة أن المجتمعات الغربية تعددية بالأساس. وهذا يقترب من طرح المؤرخ مارسيل غوشيه، الفيلسوف الفرنسي الذي يشغل حاليا مدير الدراسات بمعهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية؛ حيث أكد أن حضور الدين في المجال العام حقيقة تاريخية لا يمكن القفز عليها، بل إن هذا الحضور يعود حاليا للحياة المعاصرة بصيغ متعددة. ومع تلاشي نظرة العلمانية التقليدية الميتافيزيقية ودورها، يأتي دور المجتمع المدني لتجاوز صرامة النظرية التقليدية للدولة الحديثة المعلمنة.
من جهته، أعاد أستاذ العلوم السياسية الفرنسي باربيه بأطروحة المعالجة لهذا الإشكال خلخلة جزء من المسلمات حول العلمانية من الناحية التاريخية والسوسيولوجية؛ فقد أعاد تصنيف الدول الأوروبية الحالية لثلاث دوائر؛ الأولى: سماها الدول غير العلمانية، وهي إنجلترا، الدنمارك واليونان. والدائرة الثانية: دول نصف علمانية، وهي ألمانيا، بلجيكا، هولندا، لكسمبورغ، وآيرلندا. فيما أطلق على الدائرة الثالثة دولا شبه علمانية، وهي البرتغال، إسبانيا، وإيطاليا.
ويمكننا كذلك أن نشير لانتقادات ريمون بودن، عضو أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية الأوروبية، لطروحات دوركهايم الخاصة بالدين؛ حيث أكد أن الدين يرتبط أساسا ووجوديا بالقيم وليس بالكنيسة، كما كان دوركهايم يعتقد. وهذا ما يجعل من وجوده حقيقة سوسيولوجية، ويجعل من الحل العلماني عاجزا عن فك الارتباط القائم بين الدولة والدين، إلا بسيطرة السلطة الزمنية على الدين، ووضعه تحت هيمنة تصورها الوضعي.
وبما أن الفكر الفلسفي الغربي يسير على سكة النقد و«المراجعات الذاتية» (لا أريد هنا استحضار مفكري ما بعد الحداثة المتطرفين)؛ فإن معالجة إشكالية الدولة الحديثة، في العالم العربي، تستوجب البحث عن حداثة بديلة، والتأسيس للعملية التحديثية بالتخلي عن الأسس الفلسفية الكلاسيكية للحداثة، أو ما يسمى بعصر التنوير المستبطن للعداوة تجاه كل ما هو ديني. وبالتالي فإن الأخذ بمناهج جديدة في الفكر المعاصر، وإحياء الجانب الفقهي والفلسفي الإيجابي من التراث الإسلامي، سيساعد على تجديد بنية الثقافة، والفكر السياسي العربي، فيما يخص علاقة الدين بالدولة والسياسة.
ومن شأن الاستعاضة عن مبادئ الحداثة المدعية للعقلانية والإطلاقية... بنظرية «القيم الإنسانية الحضارية العليا»، تحويل أنظار المسلمين باختلاف شعوبهم، والعرب خاصة، إلى إمكانية تحقيق التغيير الضروري دون التضحية بالجوهر الديني، والأخلاقي المشكل للقاع الثقافي، والمنغرس في الذهنيات السائدة في الاجتماع العربي تاريخيا.
فالحديث عن مشروعية العلمانية في الواقع العربي، يجب أن ينطلق من نظرية القيم المجتمعية الحاضنة، ومن سعة المرجعية الإسلامية، وتعدد مدارسها الفكرية الاجتهادية. بغير هذا المسلك، فمن الراجح أن يتحول الطرح العلماني العربي إلى مجرد نقاش طبقي وتأزيمي؛ لن يحقق إلا النظر إلى التجربة الغربية كنموذج للخلاص والتقدم، وتقديسها كنمط واحدي لبلوغ الحداثة السياسية وتحقيق التنمية، خارج دائرة القيم العربية الإسلامية. ولعل أخطر ما أدى إليه هذا المسلك، هو تعاظم أزمة الثقة بين النخبة المتغربة وسائر المواطنين، مع تمكين موجات الاستبداد من الهيمنة على المجتمع، مما يساهم بدوره في استنبات موجات جديدة من التطرف والعنف الديني الدموي. وليس من الواضح عربيا أننا في الطريق للخروج من هذا المأزق الذي يمس السياسة كتصورات معيارية، وكممارسة سلوكية ذات أبعاد سوسيو - قيمية.
فمقولة حدود السياسي والديني وتقلبات هذا الأخير اجتماعيا، يطرح على العلمانية سؤالا يستمد مشروعيته من قيم القانون الطبيعي نفسه. فالمنطق السياسي العلماني وعد بتحقيق السعادة، انطلاقا من حبس الديني «في غرفته» الشخصية؛ لكن السياقات الاجتماعية وما نشهده من حراك مستمر بالغرب، تجعل من النظام السياسي العلماني نظاما مستمر التنظيم، ويساهم فيه فاعلون اجتماعيون وسياسيون، بعض أطراف هذا التشكيل المجتمعي (الأحزاب المسيحية والكنيسة، والمثقفين الإيمانيين..) لا يفصل الدين عن الدولة بالمفهوم الكلاسيكي المعروف على الأقل.
وبالتالي، فإن القول بالعلمانية يستوجب التمييز بين مجالين اثنين:
المجال الأول: نظري واتخذ طابعا فلسفيا واحديا حاول التأكيد عبر أدبياته على إمكانية فصل الدولة عن الدين (وهو شيء لم يتحقق في أي دولة، بما فيه الدول الشيوعية).
المجال الثاني: تطبيقي سياسي، وفيه تم تعديل الطابع الفلسفي المعياري؛ فالدولة العلمانية الفرنسية غير النموذج البلجيكي واليوناني، غير الإنجليزي، وهذا الأخير يختلف عن الأميركي والهندي.
ولا بد كذلك من الإشارة إلى أن نشر التصورات العلمانية منذ عصر الأنوار ترافق مع عملية تمويه معرفية كبيرة، (تناقش حاليا في الفكر الفلسفي الغربي)، تخفي جانب التسلط والإكراه باسم القانون، مورست ضد المجتمع والدين ومؤسساتهما، وكذا تجاه المعتقدات المستقلة عن الدولة. وهذا بدوره شكل تحديا آخر لما تحققه الديمقراطية نفسها من تداول للسلطة؛ حيث يتم النظر للديمقراطية حاليا في النظرية السياسية الغربية المعاصرة، باعتبارها نظرية لا تعبر بتاتا عن حل مطلق. فمهما بلغ تطور الحكم الديمقراطي، فإنه يبقى نظاما سياسيا، ينظم واقعا سوسيولوجيا لا يمكن تحقيق الانسجام التام داخله، باسم المواطنة أو بغيرها.
وفي الوقت الذي أخذ فيه المفهوم العلماني للعلمانية يتطور، ظلت الكتابات العربية تطرحه من زاوية تقليدية متمحورة حول المفهوم نفسه، ومدى انتسابه إلى العلم والعالم، وانطباقه مع الدنيوية... فكانت بذلك عقدة المفهوم مؤشرا على غموض التصور العلماني العربي المعاصر، وعجزه عن تحدي الواقع السوسيوتاريخي، الذي يتقبل التمييز بين الديني والسياسي، والمتصدي لمقولة الفصل بين الدولة والدين، أو بين الدين والحياة العامة للأمة المجتمعية.
وإذا كان الغرب اليوم يتحدث عن ما بعد الديمقراطية (انظر كتابات هبرماس على سبيل المثال) ونزع القداسة عن ماهية العلمانية. فإن ما يلاحظ أن هناك جمودا كبيرا على مستوى فكر العلمانية العربية، سواء «العلمانية السياسية المعتدلة»، أو «العلمانية العقائدية»؛ حيث تكتفيان بتعريفات وطروحات آيديولوجية عامة للسلطة، منقولة في الغالب، تحقق الراحة النفسية، وتعكس رؤية غير دقيقة للموضوع، فغالبا ما نجدها تمثل كل متوهم غير واقع.
وتبعا لذلك يحتاج مصطلح العلمانية وأطروحاته للسلطة، إلى تعريف جديد ومراجعة، على ضوء منظومة القيم المجتمعية العربية الإسلامية، مع تفصيل لغاياته بشكل يحدد المرجعية العليا، والمفاهيم وتطوراتها التاريخية. فواقع الدولة الحديثة يفند القول بأن إشكالية علاقة الدين بالمجال العام متجاوزة في العالم الغربي المعاصر، والدولة الحديثة.
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».