قبل السخرية من سان مارينو... تذكروا هزيمة إنجلترا المذلة أمام آيسلندا

مصابون بأوهام العظمة يطالبون بعزل المنتخبات الصغرى عن الكبرى في بطولة منفردة

TT

قبل السخرية من سان مارينو... تذكروا هزيمة إنجلترا المذلة أمام آيسلندا

بعد المباراة التي سحق فيها المنتخب الإنجليزي سان مارينو بخماسية نظيفة على ملعب ويمبلي، في تصفيات كأس العالم 2022، نشر المهاجم الإنجليزي السابق غاري لينيكر تغريدة على حسابه على موقع «تويتر»، قال فيها: «من المؤكد أننا وصلنا إلى المرحلة التي يجب أن تلعب فيها الدول ذات التصنيف الأدنى فيما بينها قبل التأهل للعب في هذا المستوى؛ لقد أصبح الأمر سخيفاً».
لقد بدا أن لينيكر غير سعيد بمشاهدة المنتخب الإنجليزي وهو يتلاعب بسان مارينو، ذلك المنتخب الذي لم يحقق الفوز في أي مباراة دولية. وكما هو الحال مع كثير مما ينشره لينيكر على وسائل التواصل الاجتماعي، كانت الردود على تغريدته كثيرة متباينة الآراء. لقد اتفق كثيرون مع وجهة نظر لينيكر، ووصل الأمر إلى أن بعضهم أشار -وإن بدرجات متفاوتة- إلى أن منتخب سان مارينو لم يكن يستحق استنشاق الهواء نفسه الذي يتنفسه منتخبهم الإنجليزي المتعالي الذي حقق نجاحات هائلة في السابق، لدرجة أنه قد فشل في الوصول إلى المباراة النهائية، أو الفوز بأي منها، في آخر 26 مسابقة كبرى شارك فيها!
وتضمنت الردود كلمات مسيئة، مثل «هراء» و«حقير» و«محرج»، وهي الصفات التي يتذكر القراء من سن معينة أنها قد استخدمت من قبل عندما خرج المنتخب الإنجليزي من نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2016، بعد الخسارة أمام منتخب آيسلندا! واتهم آخرون، بما في ذلك كاتب هذه المقالة، لينيكر بالتعالي، وهي التهمة التي نفاها عن نفسه، مشيراً إلى أن منتخب سان مارينو له كل الحق في الحضور والمشاركة. ويجب أن نشير إلى أن مستوى الهواة الذي يتسم به أداء سان مارينو إلى حد كبير، فضلاً عن تداعيات تفشي فيروس كورونا، قد أدى إلى أن يتجمع لاعبو هذا المنتخب لوقت قصير خلال الاستعداد لمثل هذه المباريات القوية. وعندما نضع كل هذه الأمور في الحسبان، بالإضافة إلى العدد الهائل من المواهب والأسماء اللامعة في صفوف المنتخب الإنجليزي تحت قيادة المدير الفني غاريث ساوثغيت، فإن الحقيقة هي أن منتخب سان مارينو ربما لا يكون هو الطرف الذي كان يتعين عليه الشعور بالحرج عقب نهاية المباراة بخمسة أهداف دون رد، بعد أن أهدر المنتخب الإنجليزي أهدافاً أسهل من التي أحرزها!
ويجب أن نعرف أن الخسارة بهذه النتيجة ليست شيئاً جديداً أو استثنائياً، والدليل على ذلك أن 6 أندية في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم قد خسرت بفارق 5 أهداف أو أكثر، بل إن أحد هذه الأندية يحتل الآن المركز الثاني في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو نادي مانشستر يونايتد! بالطبع، يمكن لأي فريق أن يمر بيوم سيء يتعرض فيه لهزيمة قاسية، لكن منتخبات مثل سان مارينو وجزر فارو وليختنشتاين ومولدوفا تتعرض لانتقادات شرسة، لدرجة جعلت بعضهم يطالب بأن تلعب هذه المنتخبات الصغيرة في «مجموعات فيما بينها قبل التأهل للتصفيات». وبدلاً من إضاعة وقت المنتخبات الأوروبية الكبيرة، فإن هذه المنتخبات الصغيرة سيواجه بعضها بعضاً، على أن يتأهل أقوى منتخب أو منتخبين منها ليحظى بفرصة التنافس مع أفضل المنتخبات.
ربما تبدو هذه الفكرة منطقية لبعضهم، لكن عندما نعلم أن الأجندة الدولية مزدحمة للغاية بعدد كبير من المباريات، فإنه ليس لدينا خيار آخر سوى لعب عدد أقل من المباريات، وبالتالي فإن أي تقليل لعدد مباريات التصفيات -وليس زيادتها- سيكون موضع ترحيب. علاوة على ذلك، سيؤدي مثل هذا التغيير في شكل التصفيات إلى زيادة كبيرة في عدد المباريات التنافسية التي تلعبها البلدان الصغيرة في أوروبا، وهو الأمر الذي سيساعدها على التحسن والتطور، وتهديد المنتخبات الكبرى في حال تأهلها للتصفيات.
ويبقى أن نرى ما إذا كانت المنتخبات الأوروبية ذات التصنيف الأدنى ستوافق على مثل هذه الخطط المقترحة، لكن يتعين على الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) أن يجتمع بالاتحادات الوطنية المعنية، وتقديم حافز مالي لها تعويضاً عن أي انخفاض قد يحدث في الإيرادات بسبب هبوط هذه المنتخبات للمشاركة في تصفيات أقل في المستوى بين المنتخبات الصغيرة. ومع ذلك، من الضروري أن يتم تبني هذه الخطة، في حال موافقة جميع الأطراف المعنية، وليس فقط لأن دولاً مثل إنجلترا قد شعرت بالملل من اللعب أمام هذه المنتخبات الصغيرة!
ويجب أن نعرف أن مثل هذا النظام موجود بالفعل في اتحاد كرة القدم في أوقيانوسيا، وهناك فيلم وثائقي يؤرخ بالفعل المحاولات المضنية لمنتخب ساموا الأميركية للوصول إلى التصفيات النهائية المؤهلة لنهائيات كأس العالم في البرازيل 2014. ولا يزال هذا المنتخب يشعر بالذل بعد الهزيمة الشهيرة أمام أستراليا بواحد وثلاثين هدفاً مقابل لا شيء في تصفيات كأس العالم بكوريا الجنوبية واليابان 2002، ولا يمتلك هذا الفريق بعض المهارات الأساسية في عالم كرة القدم، ويحتل المرتبة الأخيرة في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) للمنتخبات، بعد الهزيمة في 30 مباراة متتالية.
إنهم لاعبون هواة لا يحصلون على أي أجر، وكان من بينهم امرأة متحولة، لتصبح الأولى من جنسها التي تلعب في تصفيات كأس العالم للرجال، ويتولى تدريبهم الهولندي توماس رونخن. وتتمثل طموحاتهم المتواضعة في تسجيل هدف أو الفوز بمباراة، ولو أمام منتخبات مثل تونغا وجزر كوك. ويجب أن نشير إلى أن لاعبي هذا المنتخب يؤدون التدريبات في أوقات الفراغ بعد العودة من وظائفهم اليومية!
وفي بيئة كرة القدم الغارقة بشكل متزايد في الإساءات والأخطاء والسخرية، يجب أن يكون هناك فيلم وثائقي عن أولئك الذين يقللون من شأن المحاولات المضنية من جانب منتخبات متواضعة مثل ساموا الأميركية أو سان مارينو للعب مع الكبار. إن هؤلاء اللاعبين الفخورين بأنفسهم لا يحتاجون ولا يستحقون الشفقة أو الازدراء أو السخرية من مشجعي الفرق الأكبر التي تعاني من أوهام العظمة. لكن كل ما يحتاجونه هو بعض التشجيع، وربما القليل من المساعدات الخارجية!


مقالات ذات صلة

«الأجندة السياسية» تفرض حضورها في قرعة أوروبا المؤهلة للمونديال

رياضة عالمية من مراسم قرعة تصفيات أوروبا المؤهلة إلى كأس العالم 2026 (رويترز)

«الأجندة السياسية» تفرض حضورها في قرعة أوروبا المؤهلة للمونديال

أسفرت قرعة تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم 2026، التي سحبت في زيورخ بسويسرا، الجمعة، عن مواجهة جديدة بين إنجلترا وصربيا.

«الشرق الأوسط» (زيورخ)
رياضة عالمية الجماهير الصربية تسببت في عقوبات من «يويفا» (رويترز)

«يويفا» يعاقب صربيا بسبب سوء سلوك مشجعيها

قرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، الجمعة، معاقبة الاتحاد الصربي للعبة، بسبب تصرفات عنصرية من قبل المشجعين في مباراتين ببطولة دوري أمم أوروبا.

«الشرق الأوسط» (زيوريخ)
رياضة عالمية فولر في حديث مع مدرب المنتخب الألماني ناغلسمان (الشرق الأوسط)

ألمانيا تستضيف إيطاليا في دورتموند بدوري الأمم

أعلن الاتحاد الألماني، في بيان، أن مدينة دورتموند سوف تستضيف مباراة منتخب ألمانيا ضد ضيفه الإيطالي، في إياب دور الثمانية لبطولة دوري أمم أوروبا.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
رياضة عالمية جمال موسيالا (أ.ف.ب)

موسيالا أفضل لاعب في المنتخب الألماني لهذا العام

اختير جمال موسيالا، لاعب وسط فريق بايرن ميونيخ الألماني لكرة القدم، اليوم الخميس، أفضلَ لاعب في منتخب ألمانيا للرجال لهذا العام.

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (د.ب.أ)

«يويفا»: الأدوار النهائية ستقام في بلد الفائز بين ألمانيا وإيطاليا 

من المقرر أن تقام الأدوار النهائية لبطولة دوري أمم أوروبا لكرة القدم في ألمانيا أو إيطاليا، حسبما أفادت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (برلين)

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».