نيغين ميرصالحي... من الموضة إلى سيدة أعمال حوّلت العسل إلى منجم ذهب

منذ نحو أسبوعين لم يكن هناك حديث في الـ«سوشيال ميديا» والمجلات العربية سوى وصول مستحضرات شعر إلى المنطقة العربية. حفلات كثيرة واستقبال حار لصاحبتها الهولندية ذات الأصول الإيرانية، نيغين ميرصالحي. البعض يعيد حماسه لجودة مستحضراتها التي تقوي الشعر وتمنحه لمعاناً لم تعد توفره المستحضرات المتوفرة بكثرة في الأسواق، والبعض الآخر إلى إعجابه بقصتها وعلاقتها بالنحل، من الناحيتين العائلية والبيئية.
وسواء عدّ البعض الضجة التي رافقت وصول علامتها التجارية إلى المنطقة العربية مكسباً فعلياً أم مجرد فرقعة تسويقية، فإن قصة ميرصالحي تتوفر على كل عناصر الإبهار لتتحول إلى فيلم تلفزيوني أو حتى وثائقي. فهي قصة اهتمام بالبيئة من حيث تسليطها الضوء على أهمية النحل في خلق توازن بيئي من جهة، وقصة نجاح مُلهمة عن كيف يمكن لأي فتاة تتمتع بالجمال والثقافة والذكاء أن تحول منصات الـ«سوشيال ميديا» إلى منجم ذهب، فتتحول من مجرد مؤثرة أو مدونة تسوق لغيرها، مهما كانت المبالغ عالية، إلى سيدة أعمال ناجحة بحد ذاتها.
بدأت قصة نيغين بوصفها مؤثرة ومدونة موضة وجمال مباشرة بعد تخرجها في عام 2012. في أحد لقاءاتها حددت تاريخ اهتمامها بعالم المدونات والمؤثرات، بالوقت الذي كانت تحضر فيه شهادة الماجستير في مجال التسويق. كأي فتاة في عمر الزهور، كانت تهتم بالموضة، إلا إنها لم تتعامل معها مطلقاً من باب التسلية. كان دافعها منذ البداية عملياً وواقعياً، بحيث لم تتابع هؤلاء المؤثرات من باب الفضول، بل كانت تدرس باهتمام كيف نجحن في الاستفادة من صفحاتهن وعدد متابعيهن للحصول على أجور طائلة. بمجرد تخرجها أنشأت صفحة على «إنستغرام» وأطلقت مدونة لنشر صورها وهي في كامل أناقتها، وعندما لم يتوفر لديها المحتوى الكافي، كانت تنشر صوراً لمؤثرات أخريات. منذ البداية كان هدفها واضحاً أن تُحول حبها للموضة والجمال إلى منبع يدر عليها المال. خلال فترة قصيرة أصبح لها ملايين المتابعات من المعجبات بأسلوبها في انتقاء أزيائها والعناية بجمالها. كان الاهتمام يزيد كلما كشفت أسراراً عن حياتها الخاصة «بحساب» كما تؤكد، تارة بمشاركتهن مغامراتها في أسفارها والمنتجعات والفنادق التي تقضي فيها إجازاتها، وتارة بنشر صورها بين النحل في مزرعة والدها وما شابه ذلك. مع الوقت، ومع ازدياد عدد المتابعين، لاحظت أن سؤالاً كان يتكرر على صفحاتها دائماً فيما يخص نوع المستحضرات التي تستعملها للعناية بشعرها الغزير والمتماوج.
كان هذا السؤال الجرس الذي ألهمها بأن ما كانت تعدّها وصفات تقليدية مكونة من خلاصات النحل والبروبوليس تخلطها والدتها في صالونها، يمكن أن تكون الطريق نحو رحلة جديدة ومثيرة تغذي حسها التجاري، وفي الوقت ذاته ترد بها الاعتبار لوالدها الذي ورث تربية النحل أباً عن جد وحمله معه من إيران إلى هولندا، وأيضاً لوالدتها. فهذه الأخيرة كانت مصففة شعر، تبتكر خلطات من خلاصات العسل والبروبوليس للعناية بالشعر وتقويته مستلهمة من أصولها الإيرانية. تقول نيغين: «عندما وصلت والدتي إلى هولندا لم تُعجب بأي من المستحضرات التي وجدتها في الأسواق، لتأخذ على عاتقها مسؤولية ابتكار خلطات خاصة تعتمد فيها على العسل».
تتذكر نيغين أنها في عام 2014، نشرت ولأول مرة صوراً لها في مزرعة النحل التي يملكها والدها، أرفقتها بشرح بسيط عن أهميتها في حياتها، لتفاجأ بحجم التفاعل الذي أثارته هذه الصور. فوجئت بأن التفاعل لم يكن مع ما كانت تلبسه بقدر ما كان مع علاقتها بالنحل وكيف يمكن الاستفادة منه في العناية بالشعر.
وهكذا تغير محتوى ما كانت تنشره، وهكذا وُلدت علامتها التجارية. كانت تعرف أن اعترافها بروتينها الخاص فيما يتعلق بهذه الوصفات لن يكفي لكي يشبع فضول متابعاتها. وفي الوقت الذي كانت مستعدة فيه لتشاركهن هذه الوصفات، كانت تُفكر أيضاً بطريقة تجارية وعملية للاستفادة من اهتمامهن بطرح مجموعتها. كان المناخ مناسباً جداً، فالتغيرات التي يشهدها العالم حالياً أنعشت مبادرات مماثلة تتعلق بالجمال بالمفهوم المستدام.
استفادت نيغين من هذا المناخ، وجعلت علاقتها بالنحل قضية قائمة بذاتها، لتسليط الضوء على أهمية النحل في النظام البيئي، من ناحية دوره المؤثر في عملية تلقيح المحاصيل الزراعية وحماية النباتات البرية، إضافة إلى أهميته المتزايدة في خلق توازن بين التنوع البيولوجي للبيئات الطبيعية ونظام الزراعة المستدامة.
لم تصدق ميرصالحي حجم التفاعل الذي تلقته منشوراتها وحماسها لقضية البيئة. فقبل ذلك؛ كانت تعدّ الأمر عادياً ومن الطقوس العائلية الروتينية، لأنها تنتمي إلى الجيل السادس من عائلة امتهنت تربية النحل وتحفظ عن ظهر قلب دوره في المنظومة البيئية. والنتيجة أن هذا الاهتمام حفز حسها التجاري فاستثمرته لصالحها بطريقة صحية، بأن وظفت له كل طاقتها وما تعلمته على مقاعد الدراسة؛ فهي حاصلة على ليسانس في إدارة الأعمال، وماجستير في التسويق.
في عام 2015 أطلقت منتجها للعناية بالشعر معتمدة كلياً على عسل مصنوع في مزرعة والدها. الآن تشمل المجموعة ما لا يقل عن 9 مستحضرات مختلفة تتوفر في محلات عالمية.
أول ما يتبادر إلى الذهن بعد كل هذا النجاح الذي حققته ويجعل الخبراء يقدرون شركتها بالملايين من الدولارات، أنها ستتقاعد بوصفها مؤثرة، لتركز كل وقتها وجهودها على شركتها. لكن العكس صحيح. فهي الآن في موقف قوي، كما تقول، بعد أن أصبح لها فريق عمل في أمستردام يساعدها ويتولى الإدارة اليومية، وهو ما يمنحها وقتاً كافياً للتعاون مع شركات أخرى تُروج لها وتساعدها على الانتشار مقابل مبلغ لا يقل عن 20 ألف دولار للتغريدة الواحدة بحسب ما نشره موقع «فوربس». المهم بالنسبة لها ألا تكون لهذه الشركات اهتمامات بمستحضرات الشعر. فهذه خط أحمر بالنسبة لها؛ حيث إنها رفضت في السابق عرضاً مغرياً يقدر بمئات الآلاف من الدولارات للترويج لشركة مماثلة. فشركتها من جهة طفلها المدلل الذي يجب أن يأخذ حقه من الاهتمام، ومن جهة أخرى لا تريد أن تفقد مصداقيتها أمام متابعاتها.