«التصفح الخفي» ببصمة الوجه من «غوغل»... تعزيز للخصوصية أم للمنافسة؟

«التصفح الخفي» ببصمة الوجه من «غوغل»... تعزيز للخصوصية أم للمنافسة؟
TT

«التصفح الخفي» ببصمة الوجه من «غوغل»... تعزيز للخصوصية أم للمنافسة؟

«التصفح الخفي» ببصمة الوجه من «غوغل»... تعزيز للخصوصية أم للمنافسة؟

في محاولة لتعزيز الخصوصية وحماية بيانات المستخدمين، بدأت شركة «غوغل» اختبار إضافة لمتصفحي «غوغل كروم» عبر الهواتف الجوالة والأجهزة الذكية العاملة بنظام «آي أو إس»، تسمح لهم بتفعيل خدمة «التصفّح الخفي»، والتعرف ببصمة الوجه أو الأصابع، مما لا يسمح لغيره بالوصول إلى هذه المواقع. ورغم تأكيد «غوغل» أن «هذه الميزة تأتي في إطار مجموعة من الخطوات لحماية بيانات المستخدمين وتعزيز الخصوصية»، فإن ثمة خبراء يرون أنها «جزء مما وصفوه بالمنافسة الشرسة بين متصفح غوغل ومتصفحات الإنترنت الأخرى، وأن غوغل باتت مضطرة لمثل هذه الخطوات من أجل الحفاظ على وجودها مع تشديد قوانين حماية البيانات». وأشار هؤلاء إلى أن ميزة «التصفح الخفي» التي تقدمها «غوغل» ضعيفة، ولا تحقق الخصوصية والأمان للمستخدمين.
مهران الكيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات مواقع التواصل الاجتماعي في دولة الإمارات العربية المتحدة، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إنه «مع زيادة القيود والقوانين الصارمة التي تفرضها حكومات العالم لحماية بيانات متصفحي الإنترنت، تتزايد حدة المنافسة بين الشركات العملاقة مثل غوغل وفيسبوك لتكون ضمن ما يسميه بـ«الدائرة الخضراء» التي تحقق التوازن بين القيود القانونية وجمع بيانات المستخدمين، حيث المصدر الأكبر لدخل هذه الشركات، عبر استهداف المستخدمين بإعلانات تتناسب مع اهتماماتهم». وأردف «مَن لا يتخذ خطوات في هذا المجال، سيكون مصيره الزوال، ومن هنا تسارع غوغل الخطى لتطوير منتجاتها كي تصبح أكثر إرضاء للمستخدمين والحكومات بما يتعلق بخصوصية معلوماتهم».
ويتفق محمد فتحي، المتخصص في الإعلام الرقمي بمصر، مع هذا الرأي، فيقول إن «جميع الشركات تستغل البيانات في تتبع هوايات المستخدمين لاستغلالها في بيع إعلانات لنفس الشخص. وإن كان هناك بعض المتصفحات غير الهادفة للربح ولا تجمع القدر نفسه من المعلومات، فهي لا تمنع مزوّد خدمة الإنترنت من رؤية المواقع التي تزورها حتى لو كنت على وضع التخفي». وتابع فتحي لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً «لا يوجد شيء مجاني في عالم شركات التكنولوجيا. والمسألة التنافسية قد تجبر شركات على طرح مميزات كبيرة ثم تقييدها بعد فترات لمبرّرات مختلفة، لأن هذا مصدر دخلها وإن لم تجمع البيانات من أين ستكسب».
وضع «التصفح الخفي»، هو مفتاح تبديل يمكن للمستخدم تشغيله لمنع المتصفّح من تذكر عمليات البحث التي يجريها أو المواقع التي يزورها. ويقول بيري كولنز، الصحافي البريطاني المتخصّص في مجال التكنولوجيا، في مقال نشره موقع «فوربس» في نهاية مارس (آذار) الماضي، إن «خاصية التصفح الخفي تعطي انطباعاً للمستخدمين بأن ما يفعلونه على الفضاء الإلكتروني لا يمكن تعقبه؛ لكن هذا ليس الحال بالنسبة لخاصية التصفح الخفي على غوغل».
واستطرد «حتى لو جرى تفعيل هذه الخاصية أثناء التصفح عبر غوغل كروم، فإن المتصفح سيسمح للمواقع التي زارها الشخص بجمع المعلومات والبيانات الخاصة به، ما يعني أنه يمكن تعقب بيانات المستخدم، وعاداته في تصفح الإنترنت، وربطها بعنوان بروتوكول الإنترنت الخاص به IP address»، لافتاً إلى أن «غوغل تواجه دعوى قضائية الآن في ولاية كاليفورنيا لمواصلتها تتبع بيانات المستخدمين، حتى مع تفعيل خدمة التصفح الخفي».
وفي يونيو (حزيران) الماضي، قدّم عدد من مستخدمي متصفح «غوغل كروم» شكوى تتهم «غوغل» بـ«جمع بياناتهم أثناء خدمة التصفح الخفي، ولم تفلح محاولات غوغل في منع الشكوى من الوصول إلى ساحة القضاء». إذ أكد القاضي أن «غوغل لم تُعلِم مستخدمي متصفح خدمة كروم أنه جارٍ تعقب بياناتهم في حالة تفعيل التصفح الخفي». وبدورها أكدت شركة «غوغل» في بيان أرسلته لموقع «بلومبرغ»، أنها «تدحض هذه الادعاءات، وأنها ستدافع عن نفسها بقوة». والحجة أن «خاصية التصفّح الخفي على غوغل كروم تمكّن المستخدم من تصفح الإنترنت دون حفظ المواقع التي يزورها على الجهاز. وعند كل استخدام لهذه الميزة، نذكر بوضوح أن هذا لا يمنع المواقع التي يزورها المستخدم من جمع المعلومات المتعلقة بعادات تصفحه خلال جلسة التصفح الخفي». هنا يشير محمد فتحي إلى أن «تفعيل خاصية التصفح الخفي تكون مفيدة عندما يكون هناك أكثر من مستخدم للجهاز نفسه، إذ لا يمكن لآخرين معرفة المواقع التي زارها هذا الشخص. وبالتالي، فهي مفيدة في جلسات الإنترنت بالأماكن العامة والمؤسسات التي تستخدم أجهزة تشاركية... ومع ذلك، من المحتمل ألا تحمي بيانات أنشطة المستخدم من صاحب العمل، أو مزود خدمة الإنترنت، أو السلطات التي تأتي مع أمر تفتيش». وأضاف «غوغل تعترف بأنه لن يصار إلى إخفاء النشاط من المواقع الإلكترونية، ويجري الاحتفاظ بالملفات التي سبق تحميلها بحسب لوائح وقواعد غوغل للخصوصية».
هذا، مع إطلاق «غوغل» التحديث 89 لمتصفح «كروم» يجري اختبار دعم خاصية «التصفح الخفي» بتحديد هوية المستخدم عبر بصمة الوجه أو الأصابع، على الهواتف الجوالة والأجهزة التي تعمل بنظام «آي أو إس»، فيمكن للمستخدم العودة إلى المواقع التي زارها في جلسة تصفح خفي بعد 15 دقيقة من إنهاء الجلسة، بعد أن يتعرف عليه الهاتف الذكي.
وتندرج الخاصية الجديدة، تحت بند «حماية خصوصية المستخدمين»، بحسب مهران الكيالي الذي يرى أن «هذه الخاصية ستوفر مزيداً من الأمان للمستخدم الذي يفعل خاصية التصفح الخفي، بحيث لا تُفتح المواقع التي تصفحها إلا ببصمة وجهه أو أصبعه». وشرح أن «خاصية التصفح الخفي متوافرة في معظم المتصفحات الأخرى مثل فايرفوكس ومايكروسوفت وإيدج»، وتستعمل لدخول آمن على الإنترنت دون ترك أي معلومات شخصية عن المتصفح، ومن هنا يبرز دور الخاصية الجديدة في حماية مضاعفة للمعلومات الداخلة والخارجة عن طريق المتصفح من خلال الهاتف الذكي».
ويعتقد الكيالي أن «هذه التحركات في حماية الخصوصية، وخصوصاً على الأجهزة التي تنتجها شركة آبل، تأتي بعد خلافات حصلت بين آبل وفيسبوك حول ما هي المعلومات الشخصية المسموح والممنوع للتطبيقات أن تتداولها»، مضيفاً «هذه خطوة استباقية من غوغل كي لا تواجه المشكلة نفسها التي واجهتها فيسبوك مع آبل». في حين يؤكد فتحي أن «الخاصية الجديدة لا توفر خصوصية بنسبة 100 في المائة بل تأتي هذه الخطوة في إطار منافسة شرسة بين متصفحات الإنترنت على المستخدمين لضمان أكبر نصيب من كعكة الإعلانات التي تعتمد على بيانات المستخدمين».الفعل، وفقاً لما نشره موقع «ستايستا» المتخصص في التكنولوجيا والاتصالات خلال فبراير (شباط) الماضي، فإن متصفح «غوغل كروم» يستحوذ على 69.28 في المائة من سوق المتصفحات في العالم، ونحو 46.81 في المائة من سوق المتصفحات في الولايات المتحدة الأميركية، في حين يستحوذ متصفح «سفاري» على 19.15 في المائة من السوق العالمية، و37.72 في المائة من السوق الأميركية. وبينما تبلغ حصة «فايرفوكس» 3.76 في المائة عالمياً، و3.61 في المائة في أميركا، يمتلك «إيدج» نسبة 3.42 في المائة من السوق العالمية، و5.57 في المائة من السوق الأميركية».
عودة إلى الكيالي، فإنه يرى أنه رغم ما تقدمه المتصفحات وشركات التكنولوجيا من خطوات ومزايا لحماية المستخدمين يظل «المستخدم المفتاح الرئيسي لحماية معلوماته»، مشدداً على «ضرورة تفعيل خاصية التوثيق الثنائي، التي تنبه المستخدم لأي محاولة دخول جديدة على حساباته، كما يجب تحاشي الدخول إلى روابط مجهولة، والتأكد من استخدام الإصدارات الأخيرة لمتصفحات الإنترنت التي توفر قدراً أعلى من الأمان والخصوصية». في حين ينصح فتحي الراغب في إخفاء نشاطه على الإنترنت، وإبقاء بياناته بعيداً عن الشركات والمعلنين، بـ«استخدام إحدى خدمات الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN)، أو استخدام خدمات (DNS over HTTPS) لتشفير نشاط المستخدم على الإنترنت».



تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)

أثار قرار شركة «ميتا» بحذف أكثر من مليونَي حساب على منصات «فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«واتساب»، خلال الأشهر الماضية، تساؤلات بشأن سياسات الشركة حول حماية بيانات المستخدمين، لا سيما أن القائمين على القرار برّروا الخطوة بأنها جاءت بهدف «مواجهة عمليات الاحتيال الرقمي». ووفق خبراء تحدَّثوا مع «الشرق الأوسط» فإن «الخطوة تعد تطوراً في سياسات (ميتا) لحماية البيانات».

«ميتا» ذكرت، في تقرير صدر نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن السبب وراء حذف الحسابات هو «رصد عمليات احتيال رقمي كانت قد قامت بها تلك الحسابات». ويُعدّ هذا التقرير الأول الذي تكشف من خلاله «ميتا» عن تفاصيل استراتيجيتها للتصدي للأنشطة الاحتيالية العابرة للحدود. وعدّ مراقبون هذه الخطوة تعزيزاً لاتباع سياسة واضحة تجاه أي اختراق لحماية المستخدمين. وكتبت الشركة عبر مدونتها «لا مكان على (فيسبوك) أو (إنستغرام) أو (واتساب) للمجموعات أو الأفراد الذين يروّجون للعنف، والإرهاب، أو الجريمة المنظمة، أو الكراهية».

هيفاء البنا، الصحافية اللبنانية والمدرّبة في الإعلام ومواقع التواصل، رأت في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «ميتا» تعمل على تحديث أدواتها لحماية المستخدمين. وأضافت: «تركز سياسات (ميتا) على الحدِّ من الجريمة المنظمة عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) المتطورة، وتعمل هذه التقنيات على تحليل النشاطات المُريبة على المنصات واكتشاف المحتويات المرتبطة بالجريمة المنظمة».

ووفق البنا فإن «(ميتا) تُراجع وتحدّث سياساتها بشكل دوري، كي تتفادى أي تهديدات تلاحق المستخدمين، وكانت الشركة قد أوضحت أن خوادمها الـ(Servers) المنتشرة في الدول يتم تحديثها بشكل دوري؛ لضمان مواكبة أي تغييرات، ولضمان بيئة أكثر أماناً لمستخدمي منصاتها حول العالم».

وأردفت: «التزاماً بلائحة حماية البيانات العامة، تتعامل (ميتا) مع الأشخاص الذين تُحلّل بياناتهم عبر رموز مشفّرة، وليس عبر أسمائهم الحقيقية، ما يضمن الحفاظ على خصوصياتهم»، مشيرة إلى أن حماية بيانات المستخدمين لا تتوقف على «ميتا» فقط.

إذ شدّدت الإعلامية والمدرّبة اللبنانية على تدابير يجب أن يتخذها المستخدم نفسه لحماية بياناته، إذ توصي مثلاً «بتفعيل خاصية (التحقق بخطوتين/ Two-Factor Authentication)؛ لضمان أمان الحسابات، ويمكن أيضاً استخدام تطبيقات مثل (Google Authentication)، التي تولّد رموزاً سرية تُستخدم للدخول والتحقق من هوية المستخدم، وكذا يمكن استخدام خاصية الإبلاغ التي توفّرها (ميتا) بسرية تامة، حيث يصار إلى التعامل مع هذه البلاغات من خلال فرق مختصة أو تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لضمان بيئة آمنة للجميع».

معتز نادي، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، عدّ خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تحرّكات «ميتا» الأخيرة انعكاساً لـ«تفاقم مشكلة الاحتيال عبر الإنترنت وزيادة التهديدات السيبرانية التي تواجه المستخدمين». ورأى أن «تحديات (ميتا)» تصطدم بتطور الاحتيال، وازدياد عدد المستخدمين بما يتجاوز نحو مليارَي مستخدم، وتشديد الرقابة الرقمية التي تضعها في مرمى نيران الانتقادات، خصوصاً مع انتقاد خوارزمياتها الكثير من الأحداث السياسية التي شهدها العالم أخيراً.

وحول جدية «ميتا» في حماية بيانات المستخدمين، قال معتز نادي: «بنظرة إلى المستقبل، سيكون الأمان الرقمي بحاجة إلى مجاراة التطور من حيث تقنيات الذكاء الاصطناعي، والعمل على تثقيف المستخدمين عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لمنع أي اختراق لخصوصياتهم».